انتخابات الإدارة المحلية أولى تجارب الإصلاح  معظم المجالس المحلية استنسخت نفسها.. أو ما يشبهها!
محمد سلوم محمد سلوم

انتخابات الإدارة المحلية أولى تجارب الإصلاح معظم المجالس المحلية استنسخت نفسها.. أو ما يشبهها!

 يعتبر قانون الإدارة المحلية من ضمن حزمة قوانين تشريعية إصلاحية صدرت للانتقال بسورية من الحالة التعيينية والأوامرية إلى حالة المشاركة الفعلية للمواطنين فيما يتعلق بحياتهم وكيفية إدارة شؤونهم، من خلال انتخاب فعلي ومباشر لممثليهم إلى هذه المجالس، وخاصةً حين أعطى القانون الجديد صلاحيات مباشرة لم تكن موجودة في القوانين السابقة، وبالوقت نفسه نقل الكثير من الصلاحيات من وزارات متداخلة الصلاحيات إلى وزارة الإدارة المحلية، وبالتالي من المفترض أن تكون هذه المجالس أشبه ببرلمانات محلية وذات صلاحيات.

 

لكن في ظل إصدار حزمة القوانين الإصلاحية والتي من المفترض أن تلعب دوراً مصيرياً للمواطنين، وبالوقت نفسه تشكل حالة انعطاف في سورية نحو الأفضل، افتقرت هذه المرحلة إلى ما تحتاجه من كوادر ذات كفاءة عالية كحامل ومدرك ومطبق على أرض الواقع لهذه القوانين الإصلاحية، والسؤال هنا من شقين: في ظل هكذا قانون الانتخابات، هل ستنجح العملية الانتخابية بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب؟ وهل يعي المواطن المنتخب في هذه المرحلة أن لديه القدرة على انتقاء الكفاءات؟.

التجربة التي لم يخضها السوريون بزخم منذ عقود، شابها الكثير من اللغط.. وهي أولى تجارب الإصلاح العملية.. فهل ستكون الخطوات اللاحقة أفضل؟!

 في طرطوس.. حراك انتخابي ولكن دون جديد!

 عشرات السنين مرّت دون أن تشهد معظم مناطق سورية شبيهاً لهذا الحراك الجماهيري، وخاصة في محافظة طرطوس، سواء كان ذلك في عدد المرشحين أ و في التحضير لكيفية جذب أكبر عدد من الأصوات، وكل من موقعه الوظيفي أو الاجتماعي أو الاقتصادي بدأ بطريقته الخاصة في التحضير. ولغياب أي برنامج أو دور للأحزاب السياسية، أو أية لقاءات جماهيرية للتعريف والتعرف، بدأت التحضيرات حسب ثقافة السوق السائدة (الفهلوية)، ولم يلتق المرشحون لتحضير قوائمهم إلا في اللحظات الأخيرة عندما عرفوا بأنه على مستوى البلديات لا توجد قوائم رسمية، لكن الذي شاع على مستوى بعض مجالس المدن والمحافظة كان هناك تدخل في وضع قوائم من جهات مسؤولة وبمباركة فعاليات اقتصادية، ومعظم الذين نجحوا في هذه المجالس المذكورة كان قد كتب لهم الحظ في وضع أسمائهم ضمن هذه القوائم منذ البداية لهذا السبب أو ذاك، فوفروا بذلك الكثير من المتاعب والدعاية والوكلاء والأموال وبالتالي كسبوا النجاح، وخاصة هناك موروث انتخابي هو التصويت الأوتوماتيكي للقائمة (الوحيدة). على الرغم من ذلك كان هناك نجاحات تحققت خارج القوائم.

إقحام الديمقراطية

صحيح أن التعليمات التي صدرت عقب بداية العملية الانتخابية، سهلت عملية الانتخاب وتركت للمنتخبين حرية انتقاء ممثليهم، وصحيح أنه ولأول مرة لم تظهر أو تلاحظ حتى من بعيد التدخلات المباشرة لجهات مسؤولة في عملية الاقتراع، لكننا نسأل: ما الحكمة في أن يكون كل أعضاء اللجنة على الصناديق في الكثير من المراكز الانتخابية هم أعضاء عاملون في حزب البعث، وخاصة أن %90 من المرشحين في هذه المراكز هم أعضاء في الحزب؟ وأن في الكثير من الأماكن هناك حالات تراكمية غير مريحة بين بعض هذه اللجان وبين مرشحين من أحزاب أخرى، بينما هذه كانت على مستوى مجالس البلديات؟.

ويسجل أيضاً أنه في بعض المراكز يشهد للجنة كفاءة ونزاهة في عملية إدارة هذه المهمة، ومراكز أخرى كانت تفتقر إلى الحد الأدنى من القيم الأخلاقية أو الحد الأدنى من الالتزام القانوني، وخاصة في المراكز التي سمح للقاطنين في المناطق التابعة لها بالانتخاب بسندات الإقامة، وفي بعض مراكز مجالس البلديات كاد يصل عدد المنتخبين بموجب سند الإقامة إلى الآلاف.

قانون الانتخاب على المحك

في كثير من الأماكن سواء كان على مستوى مجالس البلديات أو على مستوى مجالس المدن والمحافظات، وسواء كان في اللقاءات التي كانت تتم بين المحافظ والمواطنين، أو في الأحاديث العامة، في كل المناطق كان الصوت عالياً ومدوياً عن اتهامات وإشارات لطبخات فساد تزكم الأنوف، قام بها رئيس البلدية الفلاني مع طاقم متناغم في المصلحة من هذه الدائرة أو تلك، وكثيراً ما كتبت الصحف وفضحت بالأسماء هذه الطبخات، وكثيراً ما تم التحقيق فيها، منها من تم لفلفته ومنها ما كانت رائحته نتنة فأعفى من مهامه هذا الموظف أو ذاك، وكثيراً ما كانت تدور الأحاديث عن الانتخابات ودورها في تنظيف هذه المجالس من هكذا مسيئين لأنفسهم ولأمانتهم الوظيفية ولوطنهم، خاصةً بعدما كشفت الأحداث الأخيرة عن الدور المحرض على التظاهر نتيجة الأداء السيئ لبعض رؤساء البلديات، وكثير من المواطنين كانوا يقولون عن البعض: «يجب تعليق مشانقهم»، ثم يقولون فيما بعد: «على كل حال قانون الانتخاب قادم». وكانت المفاجأة بأن القسم الأعظم منهم نجح وعاد أقوى من السابق، لكن هذه المرة ليس بقوة التعيين بل بقوة الشعب وديمقراطية الانتخابات. هذا ما يؤكد موقفنا من قانون الانتخابات، بأنه لن يأتي إلى المجالس بأفضل مما كان، وستنتج الانتخابات مجالس تعبر عن تحالف السلطة ورأس المال.

دروس ونتائج

أظهرت الانتخابات الأخيرة:

-1 بأن ثقافة معظم المرشحين لا تتعدى (فهلوية) سوق دون ضوابط، وضمن القائمة الواحدة نصبت الفخاخ لبعضهم البعض.

-2 إن ممارسة الاقتراع من القسم الأعظم من المقترعين، كانت دون مستوى الوطنية بل إلى حد ما كانت على مستوى ثقافة القطيع من عشائرية ومذهبية ومناطقية و..الخ.

3 – الكثير من الكوادر التي تملك كفاءة ورؤية وقدرة على العمل، لم تملك الإمكانيات أو السبل للوصول إلى المجالس وعبرت عن عجزها في هذه المرحلة.

4 – على مستوى الأحزاب كان حزب البعث الرابح الأول، وأحزاب الجبهة الأخرى الخاسر الأول، ولم يتمكن الشيوعيون بكل فصائلهم من الوصول أو العودة إلى مجالسهم إلا في أماكن قليلة وكان لها أسبابها وخصوصيتها.

5 – ظهور دور كبير للمتعهدين في بعض مجالس البلديات، وخاصة التي شهدت حركة عقارية وعمرانية كبيرة.

6 – الدور الضعيف للمرأة في التمثيل وخاصة في مجالس البلديات إلا ما ندر، وخاصة تتميز محافظة طرطوس بالدور الذي قطعته المرأة علميا ليس فقط على مستوى سورية بل على مستوى المنطقة.

لكننا نستطيع القول، بأنها الخطوة ما قبل الأولى في مسيرة الإصلاح، وقد تكون درسا في غاية الأهمية للسلطات الراعية وللأحزاب وللمواطنين لمراجعة ما طبق على أرض الواقع، وخاصة عبرت عن نفسها هذه التجربة ضمن ثلاث نقاط غير مشجعة، الأولى: أنها التجربة الأولى في البلد. والثانية: الظروف المصيرية التي يمر بها الوطن. الثالثة: لم تترجم بعد حزمة القوانين الأخرى الإصلاحية على أرض الواقع. لكننا نقول: إن الوطن أمام تحد مصيري، ونحن قبلنا التحدي، وعندما نمتلك الرؤيا والإرادة مع توفر القرار السياسي، لن يكون المصير إلا نصرا مدويا. ولكي تكون هذه القوانين الإصلاحية أكثر فاعلية، ولها دور كبير في عملية النصر المصيري هذا، لابد من قانون انتخابات تمثيلي يترجم بقية القوانين على أرض الواقع ويعبر عن عصريتها ومن ثم عصريتنا.