قانون الإعلام الجديد.. ثغرات للمتطفلين وإهمال لحقوق الصحفيين
أحمد محمد العمر أحمد محمد العمر

قانون الإعلام الجديد.. ثغرات للمتطفلين وإهمال لحقوق الصحفيين

الصحافة هي الأداة الأساسية للاتصال بالجماهير عبر وسائلها التقنية المتنوعة، لكونها مؤسسة اجتماعية فكرية من حيث المواد التي تقدمها، وتعتمد على الفكر والتحليل وإيصال المعلومات إلى عقل المتلقي، ومن ثم فهي صناعة متكاملة وتجارة نشطة تبرز في المجتمعات المتطورة، وتتطور معها من حيث النوع والكم، تزدهر وتكبر وتلبي الحاجات الإنسانية والاجتماعية، وتتعقد في المنع والحجب وغيرهما.

تعمل الصحافة على إثراء التراث البشري ونموه وتقدمه عبر الزمن، لأنها مرتبطة بالناس والمجتمعات، ومن هنا فإن الوظيفة الإعلامية للصحافة مقدسة على صعيد مهنية العامل فيها، فعليها ربما يتوقف اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة، لذا لا تقبل هذه المهنة الملابسات، وعلى العامل فيها أن يحاول مكافحة الأخبار الكاذبة والتلفيق، وفتح نقاشات وحوارات لإبراء الحقيقة والتحري عليها والاستقصاء عمن يصنعون الحدث، وليس الاختباء والاكتفاء بتقديم الرأي الواحد على أنه الأمثل، فالمهنية في أن تنزل إلى الشارع وتكون مرآة له لا أن تستخدم الكثير من المتطفلين على المهنة بأن يكونوا لسان حال الشعب، ويظهروا على القنوات التي يتهمونها ببث أخبار مفبركة، وهم غير قادرين على إقناع أنفسهم، وتراهم عاجزين عن الرد على أبسط الأسئلة المطروحة.  

كان من الطبيعي أن يكون لأصحاب كل مهنة حرة كالصحافة نقابة أو منظمة ترعى شؤونها وتدافع عن مصالح عامليها وتحفزهم وتقدم لهم الأفضل من أجل إنتاجية فكرية عالية مضاهية لما يقدم في الدول الأخرى، وتأديب من يخالف ويسيء الأدب مع هذه المهنة. ففي تموز عام 1974 صدر المرسوم التشريعي رقم /58/ القاضي بإنشاء اتحاد الصحفيين في سورية والفكرة النقابية موجودة منذ أواخر الثلاثينات من القرن المنصرم. واقتصرت العضوية في الاتحاد بعد هذا المرسوم على العاملين في المهنة الذين يمارسون الصحافة، ومن شروط العضوية والتسجيل كما حددها قانون الاتحاد في المادة /6/:

1ـ أن يكون طالب التسجيل عربياً سورياً من خمس سنوات على الأقل وأتم العشرين من العمر.

2ـ حاملاً شهادة الدراسة الثانوية أو ما يعادلها على الأقل باستثناء الصحفيين القائمين على رأس العمل قبل صدور المرسوم التشريعي رقم /58/ لعام 1974

3ـ غير محكوم بأية عقوبة جنائية أو عقوبة جنحة شائنة.

4ـ كامل الأهلية ذا سيرة حسنة توحي بالثقة والاحترام الواجبين للمهنة.

5ـ غير متجاوز للستين عاماً من العمر باستثناء الصحفي المشارك.

6ـ غير معزول أو مطرود من وظائف الدولة أو إحدى جهات القطاع العام أو غير مسرح من إحدى الجهات بسبب يمس بأمن الدولة أو شرف الوظيفة.

7ـ غير معين لدى الجهات العامة بمهنة أو عمل لا علاقة لهما بالصحافة.

بعد قبول طلب التسجيل يخضع من قُبِلت عضويته في جدول الصحفيين المتمرنين لفترة تمرين حسب الشهادة، فالثانوية 4 سنوات، والمعاهد الإعلامية المتوسطة فرع الصحافة 3 سنوات، حملة الإجازات والشهادات العليا سنتان. ولا يسجل الصحفي المتمرن في جدول القيد الذي قسمته المادة /17/ إلى ثلاثة جداول قبل مضي 6 أشهر على بدء ممارسته العمل الصحفي، ويتوجب على المتمرن خلال فترة التمرين مزاولة المهنة في إحدى الجهات الصحفية التي يقبلها المكتب بإشراف رؤسائه المباشرين في المؤسسة التي يتدرب فيها، وتقدم هذه المؤسسة خلالها تقريراً سنوياً عن تطوره المهني وإنتاجه بشكل مفصل، وفق استمارة يعدها المكتب.

بعد هذا العرض لبعض الفقرات في قانون الانتساب إلى اتحاد الصحفيين لنسلط الضوء على الواقع، فالمشاكل التي تعترض الصحفيين كثيرة، من حيث احتكار الانتساب إلى اتحاد الصحفيين والنقابة التي من شأنها حماية الصحفيين ومؤازرتهم والدفاع عن حقوقهم في الحصول على الوثائق والتسهيلات وتضمن لهم حياة اجتماعية كريمة وضماناً صحياً، كلها مفقودة بالنسبة للصحفي الذي لا يعمل في الجهات الحكومية. فكيف يمكن للصحفي أن يبدع ويجتهد وهو يتعرض للكثير من الضغوط التي يمارسها أشخاص يديرون دفة الفساد كيفما تسمح لهم مصالحهم، وما نزال نراهم في كل انتخابات تجري في هذا الصرح وهم من يحصل على إدارته؟! ألا يحق لهؤلاء الصحفيين أن يتمتعوا  بالضمان الاجتماعي؟ أم هو حكر على من يعمل في وسائل الحكومة؟ وإن هؤلاء الأخيرين فقط هم الذين يمثلون سورية؟ كيف يمكن النهوض بالصحافة كمهنة تربوية واجتماعية خلاقة دون دعم الصحفي وتحفيزه، ودون الاهتمام بأبسط حقوقه؟

إن ما يمارس على الصحفيين من حجب وإدانة يجعل من هذه المهنة مهنة ابتزاز، ولا يمكن لها أن تتطور أو أن تناضل، فالصحافة في معظم الدول تُعد من أقوى الوسائل في الكشف عن بؤر الفساد والرشوة ومنابع الغش، ولا يجوز لأحد أن يقمع الصحفيين أو يحدّ من مهامهم، فالصحافة في العالم يطلق عليها اسم صاحبة الجلالة، لما تؤديه من أدوار إصلاحية، وتنهض بالثقافات الشعبية وتنميها. وهنا نسأل: «من الذي يضيق على صحفيي سورية؟ ومن المسؤول عن حرمانهم من أبسط الحقوق بأن يكون لهم نقابة ترعاهم؟

قانون الإعلام الجديد لم ينصف الإعلاميين

جاء قانون الإعلام ضمن حزمة الإصلاحات وكان الهدف من إعداده هو إعطاء هامش من الحرية والمسؤولية للإعلام،على أن المبدأ الأساس لمشروع القانون هو الحرية المطلقة للإعلام والإعلاميين ، لكن هذه (المطلقة) لم تكن في محلها بالرغم من الإيجابيات التي تناولها، وبقيت الكثير من الثغرات التي لم يحلها وبقيت إشكالاً، والكثير من هذه الثغرات تم انتقاده حين طُرِحت مسودة القانون على موقع التشاركية لأخذها بعين الاعتبار عند صدور القانون رسمياً، ولكن عند صدوره لم تؤخذ أي من الملاحظات بعين الاعتبار.

ومن هذه الثغرات المادة رقم (2) التي تنص على توضيح التعابير والمصطلحات، ومنها تعريف الإعلامي وهو كل من يحترف تحرير وإنتاج وإعداد محتوى من أجل نشره في أية وسيلة إعلامية، ويحمل وثيقة إعلامي معتمدة من قبل المجلس، نلاحظ أن هذا التعريف لم يفند من هو الإعلامي ،هل هو الذي يحمل بطاقة صحفية من مكان عمله، أو الذي يحمل بطاقة نقابية من إتحاد الصحفيين، أم أن المجلس سيكون بديلاً عن النقابة والوزارة، وسيعطي هو وثيقة إعلامي؟ والسؤال الأهم كيف يمكن أخذ هذه البطاقة إذا كان الانتساب للإتحاد حكراً على العاملين في الدولة؟ إلا إذا كان طالب الانتساب لديه (واسطة) فربما يُقبل في الإتحاد، ولكنه سيواجه المزيد من التعقيدات ليصبح عضواً عاملاً، عدا عن أن القانون لم يذكر البتة آليات عمل النقابة وطرق الانتساب إليها وعن الدعم الذي تقدمه للصحفيين، ولم تحل تعقيدات قبول العضوية، ولامسنا ذلك في شروط الانتساب للإتحاد.

المادة (26) فصل محظورات النشر: ذُكرت عدة فقرات بحاجة لتوضيح أكثر وخصوصاً منها الفقرة (ب) التي تقول (يحظر نشر أي محتوى من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو التحريض على ارتكاب الجرائم وأعمال العنف والإرهاب، أو التحريض على الكراهية والعنصرية)، وهنا للأسف نرى الكثير من القنوات السورية (إذاعية ومرئية) ترتكب هذا المحظور، وإذا كان هدفنا نحن السوريين الالتفاف حول وحدة الوطن والتمسك به أثناء الأزمات، فمن باب أولى الاعتراف بأن هذا الإعلام يستوجب في كثير من الحالات أن يخضع للمحاسبة نسبةً لهذه الفقرة، وبنفس المادة لم يفسر من هم رموز الدولة صراحةً أي بهذا يتبين أن أي موظف في الدولة من درجة وزير إلى أصغر موظف كل بحسب موقعه يعتبر رمزاً للدولة، فكيف يمكن أن نتطرق لقضايا الفساد التي يقوم بها مثلاً موظف عال في الدولة وهو يعد رمزاً من رموزها مثل (وزير، محافظ، إلخ) والمواطن أحق بأن يعرف الحقيقة طالما أن المال الذي ينفق على الإعلام الرسمي هو من مال الشعب.

المادة (97): ذكرت أنه لا يجوز توقيف الإعلامي احتياطياً في كل ما يدخل في اختصاص محكمة قضايا النشر، وهذه المادة مقترنة بالمادة (2) وتحديداً بتعريف الإعلامي وببساطة يمكن توقيف أي إعلامي سوري غير نقابي بحجة أنه غير إعلامي وأنه شخص عادي، وهذا ما يذكره نقيب الإتحاد ويتهم هؤلاء غير العاملين في قطاعات الإعلام الحكومية، على أنهم متطفلون على المهنة، بينما هم أسيادها.