لا يموت حق : النيابة العامة قضاء موجّه
حين أسس الدستور لاستقلال السلطة القضائية، بلا شك قصد بهذا الاستقلال قضاء الحكم ولم يقصد قضاء النيابة العامة، وباعتقادي أن أي محاولة لإسقاط النيابة على قضاء الحكم وإعطائهما الأحكام نفسها هي محاولة غير موفقة، لأن النيابة العامة ليست حكماً يفصل بين الخصوم، بل هي التي تحيل الخصوم على قضاء الحكم وتحتكم هي نفسها إلى قضاء الحكم، وتقدم مطالعتها وطلباتها أمام قضاة الحكم ويخضع قضاة النيابة العامة وحدهم للتعليمات الصادرة عن رؤسائهم، وهذا ينفي أي تصور لاستقلال قضاة النيابة العامة في ظل واجب الخضوع للتعليمات حيث يتولى النيابة العامة قضاة يمارسون الصلاحيات الممنوحة لهم قانوناً، وهم
مرتبطون بقاعدة تسلسل السلطة وتابعون إداريا لوزير العدل، ويلزم قضاة النيابة العامة في معاملاتهم ومطالبتهم الخطية بإتباع الأوامر الخطية الصادرة إليهم من رؤسائهم أو من وزير العدل.
النيابة العامة تمثل المجتمع في الدعاوى كما أجمع فقهاء القانون، وذلك في مختلف المحاكم المدنية والجزائية والجنايات والعسكرية وحتى لدى المحكمة الخاصة بقضايا الإرهاب الحديثة العهد, وهذا أمر يجعلنا نسأل سؤالاً لا يخلو من الإحراج، وهو هل النيابة العامة مستقلة عن الضابطة العدلية «الشرطة»؟؟!!
نقول: في القانون الشرطة تعمل تحت سلطة وتعليمات النيابة العامة في كل ما يتعلق بالأبحاث الجنائية والتحريات الضرورية في الجرائم وضبط مرتكبيها ولإثبات الحقيقة وهذا ما ورد في القانون..
ولكن الواقع العملي الذي يهمنا ويهم سائر المجتمع الذي من المفروض أن تمثله النيابة العامة يكشف في كثير من القضايا والملفات، أن الضابطة العدلية «الشرطة» هي المسيرة الفعلية للأبحاث والتحريات، وهي التي تعطي في الغالب الأعم الوجهة التي تريد للتحريات سواء في اتجاه الحفظ أو عدم المتابعة، بل والأنكى من هذا أحياناً في اتجاه الاعتقال أو إطلاق سراح الموقوف لديها! وفي هذا مخالفة صارخة للقانون وتعدٍ واضح على اختصاص النيابة العامة.
وتكشف الممارسة اليومية أن أغلب أعضاء النيابة العامة يكتفون بالجلوس في مكاتبهم وإعطاء التعليمات لضباط الشرطة بعيداً عن أجواء البحث المباشرة باستثناء حالات محدودة, وأخيراً اعتادت النيابة العامة دائماً على استئناف قرارات إخلاء السبيل ويغض النظر عن أي ظروف مطروحة بالدعوى، بل حتى لو كان إخلاء السبيل بحق، ولكن لم يحدث أن النيابة العامة استأنفت قراراً قضى برد طلب إخلاء السبيل مع أن مثل هذا الإجراء مكلفة به باعتبارها خصماً شريفاً مهمته البحث عن الحقيقة، ولو كانت في جانب المدعى عليه... لماذا؟!