لا يموت حق : النيابة العامة قضاء موجّه

لا يموت حق : النيابة العامة قضاء موجّه

حين‭ ‬أسس‭ ‬الدستور‭ ‬لاستقلال‭ ‬السلطة‭ ‬القضائية،‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬قصد‭ ‬بهذا‭ ‬الاستقلال‭ ‬قضاء‭ ‬الحكم‭ ‬ولم‭ ‬يقصد‭ ‬قضاء‭ ‬النيابة‭ ‬العامة،‭ ‬وباعتقادي‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لإسقاط‭ ‬النيابة‭ ‬على‭ ‬قضاء‭ ‬الحكم‭ ‬وإعطائهما‭ ‬الأحكام‭ ‬نفسها‭ ‬هي‭ ‬محاولة‭ ‬غير‭ ‬موفقة،‭ ‬لأن‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬ليست‭ ‬حكماً‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الخصوم،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحيل‭ ‬الخصوم‭ ‬على‭ ‬قضاء‭ ‬الحكم‭ ‬وتحتكم‭ ‬هي‭ ‬نفسها‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬الحكم،‭ ‬وتقدم‭ ‬مطالعتها‭ ‬وطلباتها‭ ‬أمام‭ ‬قضاة‭ ‬الحكم‭ ‬ويخضع‭ ‬قضاة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬وحدهم‭ ‬للتعليمات‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬رؤسائهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ينفي‭ ‬أي‭ ‬تصور‭ ‬لاستقلال‭ ‬قضاة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬واجب‭ ‬الخضوع‭ ‬للتعليمات‭ ‬حيث‭ ‬يتولى‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬قضاة‭ ‬يمارسون‭ ‬الصلاحيات‭ ‬الممنوحة‭ ‬لهم‭ ‬قانوناً،‭ ‬وهم‭ 

‬مرتبطون‭ ‬بقاعدة‭ ‬تسلسل‭ ‬السلطة‭ ‬وتابعون‭ ‬إداريا‭ ‬لوزير‭ ‬العدل،‭ ‬ويلزم‭ ‬قضاة‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬معاملاتهم‭ ‬ومطالبتهم‭ ‬الخطية‭ ‬بإتباع‭ ‬الأوامر‭ ‬الخطية‭ ‬الصادرة‭ ‬إليهم‭ ‬من‭ ‬رؤسائهم‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬العدل‭.‬

النيابة‭ ‬العامة‭ ‬تمثل‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬الدعاوى‭ ‬كما‭ ‬أجمع‭ ‬فقهاء‭ ‬القانون،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المحاكم‭ ‬المدنية‭ ‬والجزائية‭ ‬والجنايات‭ ‬والعسكرية‭ ‬وحتى‭ ‬لدى‭ ‬المحكمة‭ ‬الخاصة‭ ‬بقضايا‭ ‬الإرهاب‭ ‬الحديثة‭ ‬العهد‭, ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬يجعلنا‭ ‬نسأل‭ ‬سؤالاً‭ ‬لا‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬الإحراج،‭ ‬وهو‭ ‬هل‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬مستقلة‭ ‬عن‭ ‬الضابطة‭ ‬العدلية‭ ‬‮«‬الشرطة»؟؟‭!!‬

نقول‭: ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الشرطة‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬سلطة‭ ‬وتعليمات‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالأبحاث‭ ‬الجنائية‭ ‬والتحريات‭ ‬الضرورية‭ ‬في‭ ‬الجرائم‭ ‬وضبط‭ ‬مرتكبيها‭ ‬ولإثبات‭ ‬الحقيقة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬القانون‭.. ‬

ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬العملي‭ ‬الذي‭ ‬يهمنا‭ ‬ويهم‭ ‬سائر‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تمثله‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬يكشف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬والملفات،‭ ‬أن‭ ‬الضابطة‭ ‬العدلية‭ ‬‮«‬الشرطة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬المسيرة‭ ‬الفعلية‭ ‬للأبحاث‭ ‬والتحريات،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬الأعم‭ ‬الوجهة‭ ‬التي‭ ‬تريد‭ ‬للتحريات‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الحفظ‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬المتابعة،‭ ‬بل‭ ‬والأنكى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬أحياناً‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الاعتقال‭ ‬أو‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الموقوف‭ ‬لديها‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬مخالفة‭ ‬صارخة‭ ‬للقانون‭ ‬وتعدٍ‭ ‬واضح‭ ‬على‭ ‬اختصاص‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭.‬

وتكشف‭ ‬الممارسة‭ ‬اليومية‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬أعضاء‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬يكتفون‭ ‬بالجلوس‭ ‬في‭ ‬مكاتبهم‭ ‬وإعطاء‭ ‬التعليمات‭ ‬لضباط‭ ‬الشرطة‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أجواء‭ ‬البحث‭ ‬المباشرة‭ ‬باستثناء‭ ‬حالات‭ ‬محدودة‭, ‬وأخيراً‭ ‬اعتادت‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬استئناف‭ ‬قرارات‭ ‬إخلاء‭ ‬السبيل‭ ‬ويغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬ظروف‭ ‬مطروحة‭ ‬بالدعوى،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬إخلاء‭ ‬السبيل‭ ‬بحق،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬النيابة‭ ‬العامة‭ ‬استأنفت‭ ‬قراراً‭ ‬قضى‭ ‬برد‭ ‬طلب‭ ‬إخلاء‭ ‬السبيل‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬مكلفة‭ ‬به‭ ‬باعتبارها‭ ‬خصماً‭ ‬شريفاً‭ ‬مهمته‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬المدعى‭ ‬عليه‭... ‬لماذا؟‭!‬