على طريق حل مشكلة مكتومي القيد بالحسكة.. جردوا من جنسيتهم بشكل «تعسفيٍ» في انتهاك صارخ للقانون السوري
مرَّت قبل أيام الذكرى الخامسة والخمسين للإحصاء الاستثنائي السيئ الصيت والذكر «تنذكر وما تنعاد» حيث تم من خلاله إصدار المرسوم التشريعي الجائر رقم 93 في 5 تشرين الأول عام 1962 الصادر من الحكومة الانفصالية وقتئذً، ليتم بموجبه تجريد 75 ألف سوري من الجنسية السورية، وصل الرقم فيما بعد لمئات الآلاف، وليصبحوا بموجبه مجردين من الجنسية، لتكون تلك من أسوأ المعاملات التي طبقت بحق سكان محافظة الحسكة ذات الأغلبية الكردية ليس وطنياً فقط، وإنما طبقياً أيضاً.
لم تكمن المشكلة هنا فقط، بل تم فرزهم «المجردين» إلى فئتين الواحدة منها أسوأ من الأخرى على المستوى الوطني، فئة أجانب محافظة الحسكة بإخراج قيد أحمر اللون أشبه بجريدة ذات «الحجم العائلي»، ومكتومي القيد بدون أي أوراق باستثناء شهادة تعريف «يتيمة» من المختار، لكن الفئتان متوحدتان في الحرمان من كل الحقوق الإنسانية كتسجيل الأراضي، المنازل، الزواج، تسجيل الأطفال عند الولادة، الدراسة ، جواز سفر، رخصة سواقة، التوظيف في الدوائر الحكومية، وصولاً إلى الحرمان من الانتساب للبعث قبل أن يصبح حزباً قائداً للدولة والمجتمع، فيكون الحرمان حتى من المشاركة السياسية، يولدون ويموتون دون أي حقوق أو واجبات.
من أعقد المشاكل
يقول أبو بهجت الشيوعي السبعيني الذي عاش تلك المرحلة وما بعدها: «واجهتنا مشكلة لم تكن بالحسبان، حيث عانينا نحن مكتومي القيد مع ضحايا الإحصاء الاستثنائي من كل أشكال التمييز نتيجة القرارات المطبقة بحقنا، حتى تسجيل الأطفال في المدرسة ورغم إلزامية التعليم كان يحتاج إلى أيام معدودات من المختار وإجراءات معقدة حتى ننتهي منها، مضيفاً أن استمرارها أضحى من أعقد القضايا المطلبية التي واجهت الحركة السياسية والنضالية سواءً الكردية أو العربية»!!.
أنت نكرة أينما كنت!
أصدر الرئيس بشار الأسد، في الثامن من نيسان 2011، المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011 القاضي بمنح المسجلين في سجلات «أجانب الحسكة» الجنسية العربية السورية، وحل مشكلة إحصاء عام 1962 التي اعتبرت من أهم المشاكل التي عانى منها سكان الحسكة من الأكراد، وتوقع الجميع أن المرسوم سيشمل الفئتين إلا أن مكتومي القيد صدموا بعدم تشميلهم وتسجيلهم ولتستمر المعاناة، يقول «أبو شيار» الذي سفَّر ثلاثة من أبنائه لدول الجوار نتيجة الأزمة التي تعيشها البلاد: «إنهم يعانون حتى في دول الاغتراب حيث لا يتم التعرف عليهم، وهذا من حق تلك الدول لأنهم لا يحملون أيةِّ وثيقة من الدولة السورية تثبت أنهم أشخاص موجودون، والأنكى من هذا أنهم حتى في مخيمات اللجوء في دول الجوار لسورية لا يتم استقبالهم أو تسجيلهم فيصبح مصيرهم نكرة أينما حلوا»!!.
الدراسة التي لم ترَ النور
«قاسيون» وفي متابعات سابقة لها لحل هذه المشكلة مع الجهات المعنية بعد ورود العديد من الشكاوى لمكتب «الصحيفة» تابعت الموضوع حينها مع معاون وزير الداخلية حسن جلالي الذي أكد أكثر من مرة أن «وزارة الداخلية بدأت العمل على إعداد دراسة تهدف إلى حل مشكلة الجنسية لمكتومي القيد المدني في البلاد من الأكراد، وغيرهم ممن لم يشملهم المرسوم التشريعي 94 للعام 2011، الذي صدر بخصوص الأجانب المسجلين في قيود السجل المدني بالحسكة».
وأضاف جلالي أن المشكلة التي تواجههم أن «تعداد مكتومي القيد غير معروف حتى اللحظة، لكنه سيعرف بعد صدور القرار الخاص بهم» مؤكداً أن «المسألة لن تطول والدراسة ستنتهي خلال فترة قريبة جداً لهذه الفئة التي غابت عن التسجيل بالنفوس لسبب يتعلق بها».
الجلالي عيَّن فيما بعد محافظاً للرقة ومن ثم أقيل من منصبه، والدراسة أصبحت في خبر كان، ولم تر النور حتى الآن ومكتومو القيد مازالوا في الانتظار دون حل!!.
من هو مكتوم القيد؟
مكتوم القيد تعريفاً هو الذي جرّد من الجنسية وغير مقيّد في سجلات الأحوال المدنية الرسمية، أو من ولد من ولد لأب أجنبي وأم مواطنة تحمل الجنسية السورية، أو من ولد لأب أجنبي وأم مكتومة القيد أو من ولد لأبوين مكتومي القيد يبلغ عددهم بحسب تقديرات غير رسمية بين 10 إلى 15 ألفاً من المواطنين الأكراد، وهذا الرقم في تزايد نتيجة الولادات. بالإضافة إلى عدد غير محدد من البدو الذين لم يسجلوا قيودهم تهرباً من خدمة العلم.
في الواقع الحياتي أوضاعهم أصعب من أوضاع أجانب الإحصاء الاستثنائي، فهم أيضاً لا يحق لهم العمل في الدوائر والمؤسسات والشركات، ولا يحق لهم خدمة العلم، ولا يمنحون جوازات سفر، ولا يحق لهم الترشح والانتخاب، ولا يقبلون في المشافي والمصحات العامة، ولا يحق لأولادهم الدراسة في المعاهد والجامعات السورية، وماتزال وثائق الدراسة الثانوية التي تخصهم في أدراج مديريات التربية، ولا يحق لهم تملك العقارات السكنية والزراعية ولا المركبات، ولا يمكنهم الحصول على البطاقات التموينية، وحتى عقود الهاتف أو الكهرباء أو الماء لمنازلهم، فإنها لا تنظّم باسمهم فإما باسم أحد أصدقائهم أو أقربائهم، والجريمة الكبرى أنهم محرومون من حق تثبيت وقائع الزواج والولادات في سجلات الدولة، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: إن كانت مشكلتهم مرتبطة بمشكلة الإحصاء الاستثنائي فلماذا لم تنته معها؟!.
حق التجنيس قانوناً
تقول كل القوانين والشرائع السماوية إن كل إنسان يعيش على أرض دولة ما وينتمي إليها له الحق في الحصول على جنسية هذه الدولة، ولا يجوز حرمان أي مواطن من جنسيته بسبب الانتماء القومي أو الديني أو الاختلاف في اللغة أو العرق، فالجنسية هي حق لكل مواطن، وهذا الحق مصان في جميع دساتير الدول وفي جميع المواثيق الدولية، فهو أبسط حق من حقوق الإنسان. والمادة /15/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز تعسفاً حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته»، ويعتبر هذا الإعلان ملزماً أدبياً وأخلاقياً لجميع دول العالم، ومع ذلك مازال عشرات الألوف من الأكراد يعتبرون «مكتومي القيد» في دولة مولدهم، مع العلم أنهم لا يملكون، ولم يسعوا للحصول على أي جنسية أخرى غير السورية!!.
أريد جنسيتي..
يقول المحامي (ج.أ) لـ«قاسيون»: إن قراءة بسيطة للمواد القانونية المتعلقة بقضية التجنيس، توصلك لنتيجة لا لبس فيها، وهي أن الأكراد السوريين سواء «أجانب الإحصاء» أو «مكتومي القيد» قد جرّدوا من جنسيتهم بشكل تعسفيٍ في انتهاك للمعايير الدولية المتعارف عليها والقوانين المحلية على السواء، ولم يكن من داع الاستمرار بها طيلة السنوات التي مرَّت.
وأوضح المحامي لنتفق جدلاً أن الجيل الأول الذي جرّد من جنسيته لم يكن يستحق هذه الجنسية، أو كان يستحقها لأسباب تتعلق بتلك المرحلة، فما ذنب الأطفال الذين يولدون «مكتومين» أو «أجانب» ولا يستطيعون الحصول على الجنسية، ويدفعون ضريبة لا دخل لهم بها، نقول هذا على الرغم من أن المواد السابقة تؤكد حق أي طفل ولد على الأرض السورية لأبوين لا يستطيع اكتساب جنسيتهما، في الحصول على الجنسية السورية، وهنا «بيت القصيد»، وهي ليست بحاجة لأية شروحات!!.
وماذا بعد؟
إن مشكلة المواطنين مكتومي القيد في محافظة الحسكة تعتبر من المشاكل الداخلية الهامة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والإنسانية، من هنا تناشد «قاسيون» مجدداً، كما دافعت ونادت بمعالجة مشكلة الإحصاء الاستثنائي الجائر، تناشد الجهات المعنية لوضع حل لمشكلة المواطنين الكرد المكتومي القيد، لأن المشكلة التقنية والدراسة التي تمت الإشارة إليها مرَّ عليها الكثير من الزمن، وكان ينبغي وضع حد لهذه المأساة الإنسانية والحقوقية حين صدر المرسوم التشريعي الخاص بالإحصاء، وهي مسؤولية كل «مسؤول» أينما كان موقعه، ألا يكفي هؤلاء العيش كغرباء في الوطن رغم كل ما حصل ويحصل؟!.