حشرات الجثث المتفسخة والقمامة.. «حشرات» الحرب!
تستيقظ أم محمود كعادتها في الصباح الباكر، لتقطع مسافة لابأس بها من منزلها إلى بائع الخضراوات في منطقة دويلعة، لكن رحلة طريقها اليومية اختلفت منذ قرابة الأسبوع عما كانت عليه، فهي مضطرة الآن لأن «تضع كلتا يديهاعلى فمها والتنفس من أنفها» تحسباً من دخول أية حشرة طائرة من الحشرات التي غزت المنطقة مؤخراً «بشكل كثيف ومخيف».
أم محمود البالغة من العمر 45 عاماً، راجعت الصيدلية عدة مرات بسبب تعرضها للحساسية مجهولة المنشأ، ومع ذلك فقد رجحت اصابتها هذه، بحسب حديثها لصحيفة «قاسيون» إلى نوع حشرة جديدة تشبه الذبابة، إلا أنها أصغر منها، ولم يسبق رؤيتها من قبل.
لم تكن أم محمود الوحيدة التي تعاني من هجوم الحشرات غير المعهود على منطقة سكنها، فسكان مدينة جرمانا في ريف دمشق، كانت لهم المعاناة ذاتهات ولأسباب عدة، لم تكن المعارك الدائرة في البلاد والأسلحة المستخدمة فيها بمعزل عنها.
مخاوف من اللشمانيا
إنها المرة الأولى التي نشاهد بها هذه الأنواع الغريبة من الحشرات الطائرة، وبأعداد كبيرة جداً، ويقال: إن الجثث المرمية في المناطق المتوترة المحيطة بنا، جذبت هذه الكميات والأنواع الغريبة من الحشرات، التي باتت تنذر بانتشار ذبابة حلب أو «اللشمانيا» بهذه الكلمات وصفت السيدة « م.س» الحال السيئة التي تعيشها منذ قرابة الاسبوعين في حيها بمدينة جرمانا.
وأضافت «أعتقد أن تراكم القمامة في البلدة وعدم ترحيلها من البلدية ساهم في المشكلة، فهي تقوم بلم القمامة فترات معينة، إلا أنها تعود للتراكم من جديد دون ايجاد حل جذري للمشكلة»
بدوره، قال «ف.ص» وهو أحد سكان مدينة جرمانا أيضاً، إن «انتشار الجثث، وكشف مصارف الصرف الصحي في البلدات المحيطة بالمدينة، بالإضافة إلى تراكم القمامة، كل ذلك أدى لانتشار الحشرات الغريبة وغير المألوفة»
وعن تراكم القمامة في المدينة، قال ف.ص إن «ذلك يعود إلى عدة أسباب أهمها وجود مشاكل بين المتعهدين والبلدية، إضافة إلى الظروف الأمنية، التي تعيق الوصول إلى مكبات القمامة المحددة» مشيراً إلى «عدم التزام بعض المواطنين بأوقات رمي القمامة، الذي ساهم في انتشار الحشرات».
سكان مدينة جرمانا شددوا على أن القمامة المتراكمة على جنبات الأحياء، تعمل على زيادة أزمة الحشرات، في ظل تراخٍ من قبل البلدية التي لا تعير ذلك اهتماماً واضحاً، وقال ن.أ« إن مشكلة تراكم القمامة في المدينة مستعصية، وهي تعود إلى أمور مادية عالقة بين البلدية والمتعهدين من جهة، ومشاكل تخص المكبات من جهة أخرى»
وأردف إنه «بسبب صعوبة الوصول إلى مكبات القمامة المحددة، فإنه يتم حرق هذه الأوساخ بعد مفرق جرمانا من جهة طريق المطار»
500 متر مكعب من القمامة يومياً
رئيس مجلس مدينة جرمانا، جمال منذر، كان له مبرراته لعدم القدرة على ترحيل النفايات بكثافة، حيث قال لصحيفة «قاسيون إن « إغلاق طريق دير الحجر – الغزلانية لعدة أيام سبب مشكلة سابقاً، إلا أن الوضع حالياً مقبول، فقد تم تكثيف الآليات لتدارك ما تراكم من نفايات» مشيراً إلى أن «هذا التراكم يحتاج إلى عدة أيام لمعالجته، كونه ينتج في اليوم الواحد حوالي 500 متر مكعب من القمامة، وعند إغلاق الطريق إلى المكب، تتراكم كميات كبيرة منها»
وأضاف «عند فتح الطريق المؤدي لمكب النفايات (دير الحجر - الغزلانية) تبقى كميات القمامة تتراكم كالمعتاد، مايتطلب وقتاً لترحيلها» مشيراً إلى أن «المواطنين لا يبدون أي تعاون ولا يتقيدون بمواعيد رمي القمامة ولا حتى بأماكنها المخصصة».
أما عن سبب انتشار الحشرات في «جرمانا» فقد أوضح منذر بأن «الحشرات تكثر عموماً في فصل الصيف، إلا أن الحرائق التي تشتعل في محيط المدينة، وتراكم النفايات نتيجة سوء الأوضاع، زادت منها مؤخراً»
بدأنا سابقاً برش المبيدات الحشرية بعد تقسيم المدينة إلى ثلاثة قطاعات، على أن يتم رش قطاع واحد كل يوم بواسطة الرش الضبابي الذي ينتشر على مسافات واسعة» بحسب منذر، الذي تابع بقوله «قمنا بتكثيف الرش ليشمل كافة القطاعات يومياً منذ بداية الشهر الحالي».
أردف«استعنا بالرش الرذاذي منذ 23 نيسان الماضي، إلا أننا نقوم برشه مرة اسبوعياً فقط، وفي كل يوم نرش منطقة صغيرة، لأن هذا النوع من المبيدات سام، وينحصر بالمناطق المحيطة بالحاويات فقط»
المشكلة ذاتها، والأسباب مجهولة، فدمشق أيضاً تعاني الحشرات الغريبة والكثيرة، لكن حال النظافة فيها كان بأفضل من الريف، فلاوجود لأكوام القمامة بشكل ملفت، مازاد الإلحاح على التساؤل عن منشأ هذه الحشرات التي غزت دمشق وريفها فجأة.
أنواع مخيفة وغير مألوفة
وقال «ض. د» أحد سكان منطقة باب توما، إن «الأشجار تعج بالحشرات على غير عادتها في هذا الوقت من العام، وهي بأعداد هائلة تثير الخوف، عدا عن وجود حشرات صغيرة في الجو غير مألوفة وهي أصغر من الناموس، ويميل لونها إلى الخضرة، وتنتشر على شكل جماعات، قد تدخل العين، أو الأنف والفم بسهولة أثناء التنفس، وبطريقة مزعجة».
في حين، أصيب ت.ع من منطقة ركن الدين بدمشق، بتحسس جلدي، وعزا ذلك بحسب حديثه لـ «قاسيون» إلى حشرات انتشرت مؤخراً في منزله لم يألفها سابقاً، وأضاف، إن «الحشرات كثرت بشكل غريب، وربما يعود ذلك إلى مكب النفايات الذي نقل مؤخراً إلى منطقة وادي سفيرة»
طبيب جلدية مختص، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال بأنه تم رصد حشرة قريبة إلى اللون الأخضر، قريبة من شكل الذباب إلا أنها أصغر حجماً ولا تلسع، إلا أنها سببت حساسية جلدية للبعض كونها تحمل الجراثيم».
وتابع الطبيب إن «الجثث المرمية في بعض المناطق الساخنة، ساهم في انتشار أنواع عديدة من الحشرات» مشيراً إلى ضرورة «استخدام البخاخات والمراهم الجلدية الطاردة للحشرات، واستخدام كريمات مضادة للسعات الحشرات في حالات التحسس»
ريف دمشق يعرقل الحل
بدوره، قال مدير الشؤون الصحية في محافظة دمشق، طارق صرصر إن «وضع الريف في ظل الظروف الراهنة يصعّب مكافحة الحشرات، ويعرقل رش المبيدات في جزء كبير منه، وخاصة في المناطق الساخنة حيث تنتشر القمامة في الشوارع دون ترحيلها، عدا عن أن الكثير من مصارف الصرف الصحي باتت مكشوفة هناك، وبالتالي فإن أي تيارات هوائية من شأنها أن تنقل الحشرات من الريف إلى مدينة دمشق، ما يفرغ عملية رش المبيدات في دمشق من أي فائدة»
وأضاف صرصر بحسب إحدى الصحف المحلية، إن «دمشق بدأت برنامجاً لمكافحة الحشرات ورش المبيدات مطلع أيار الماضي، إلا أن الأوضاع الأمنية لا تسمح بتنفيذ عمليات الرش في الساعات المثالية من النهار وهي فترة الصباح من الخامسة إلى الثامنة، وفترة المساء من الثامنة حتى الحادية عشرة، وهذا يعني أن النتائج المرجوة من الرش في دمشق تفقد نحو 50% من الفعالية المطلوبة، خاصة مع التصاق المدينة بالريف حيث لا مبيدات تُرش ولا حشرات تُكافح»
و«تابع بدأنا في دمشق برنامجاً لمكافحة الحشرات ورش المبيدات مطلع أيار الماضي، إلا أن النتائج المرجوة من الرش في دمشق تفقد نحو 50% من الفعالية المطلوبة، خاصة مع التصاق المدينة بالريف حيث لا مبيدات تُرش ولا حشرات تُكافح».
وأكد سكان المناطق التي تشهد انتشاراً كبيراً للحشرات، بأن بلدياتهم لا تأخذ الموضوع على محمل الجد، ولا ترش المبيدات الحشرية بما يتناسب مع الوضع الصعب.
بلديات دمشق وريفها، مازالت متهمة بالتقصر في ترحيل القمامة إلى المكبات النظامية، وبحسب الشكاوي، فهي تلجأ إلى حرقها على أطراف المدن والبلدات مايزيد من الضرر الناجم وانتشار الحشرات، التي «لم تكافحها البلديات حتى اليوم بشكل فعال عبر المبيدات المتوفرة لديها.