هل تستعيد «البريد» دورها من القطاع الخاص؟
لعلها فرصة أمام المؤسسة العامة للبريد لتستعيد دورها
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

هل تستعيد «البريد» دورها من القطاع الخاص؟

أخيراً، صدر إعلان رسمي من مدير عام المؤسسة العامة للبريد يتضمن أنه تم إبلاغ شركة «العنكبوت» للحوالات المالية توقيفها وفروعها عن خدمة استلام وإرسال أي حوالات مالية جديدة لحين دفع الالتزامات المترتبة عليها.

وقد سبق لشركة «العنكبوت» أن أعلنت اعتذارها عن تقديم خدمة استلام وارسال الحوالات المالية الداخلية بشكل مؤقت لغاية 21/10/2017.
في المقابل، نشير إلى أنه تزايدت شكاوى المواطنين منذ أكثر من شهرين على الشركة، وذلك بسبب تأخرها في تسليم الحوالات المالية لأصحابها، متذرعة بالكثير من الأعذار، أهمها عدم وجود سيولة في فروعها المنتشرة بالمحافظات، بالإضافة للتذرع بالكهرباء والشبكة، وغيرها من المبررات الأخرى، في حين تضرر جزء هام من المواطنين جراء توقف فروع الشركة عن تسليم مبالغ حوالاتهم.
المهلة التي تم الإعلان عنها من قبل المؤسسة العامة للبريد لتسديد قيم مبالغ الحوالات للمواطنين هي عشرة أيام، تبدأ اعتباراً من إبلاغ الشركة بذلك بتاريخ 11/10/2017، وتنتهي بتاريخ 21/10/2017، وهو الموعد الذي تم إعلانه من قبل الشركة أعلاه.
وقد رشح عبر إحدى الصحف المحلية بأن «الشركة باشرت بتسديد الحوالات وفق أسس اعتمدتها إدارة الشركة بدمشق ونتيجة ذلك تراجع حجم الالتزامات المطلوبة في طرطوس لنحو عشرة ملايين ليرة، وعلى مستوى القطر لنحو /200/ مليون ليرة».
الموضوع أعلاه مع تداعياته السلبية، التي لم يحصدها إلا المواطنين على حساب حقوقهم، والأضرار التي لحقت بالبعض من أعمالهم، مع حجم المبالغ المصرح بها كالتزامات وحقوق للمواطنين بذمة الشركة والبالغة مئات الملايين من الليرات السورية، وبغض النظر عما ستؤول إليه النتيجة على مستوى التزام الشركة بالموعد المحدد لها من أجل إنهاء ملف حقوق المواطنين المالية لديها من عدمه، لا بد أن تكون فرصة من أجل إعادة فتح ملف تخلي المؤسسة العامة للبريد عن بعض مهامها لصالح شركات القطاع الخاص، وخاصة مهمة الحوالات المالية الداخلية استلاماً وتسليماً، تحت الضغوط الممارسة من القطاع الخاص توافقاً مع السياسات الليبرالية المعمول بها.
فالحادثة أعلاه تشير إلى ضعف آليات الرقابة المالية على أداء الشركات التي أحدثت من قبل القطاع الخاص بمهمة استلام وتسليم الحوالات المالية والطرود البريدية، والتي زاد عددها، كما زاد حجم نشاطها خلال سني الحرب والأزمة، كما تشير إلى ضعف آليات صيانة حقوق المواطنين المتعاملين مع هذه الشركات، حيث لم تكن شركة العنكبوت هي الأولى على هذا الصعيد، كما يمكن ألا تكون الأخيرة.
ولعل عبارة «تحت طائلة اتخاذ الاجراءات المناسبة» التي انتهى بها إعلان مدير عام المؤسسة العامة للبريد بحال عدم تقيد الشركة بالمهلة المحددة أعلاه، تشير إلى ذلك.
فشركات الحوالات المالية محدثة وفقاً لقانون الشركات بعيداً عن الرقابة والمتابعة المصرفية من قبل المصرف المركزي، وبالتالي لا ملاءة أو تغطية مودعة لدى المركزي كضمانة لممارسة نشاطها المالي وتأميناً لصيانة حقوق المتعاملين معها، أسوة بأي مؤسسة أو شركة تعمل بمثل هذه المجالات، وسقف «الإجراء المناسب» بمثل هذه الحالة ربما يصل إلى وقف العمل والحجز المالي والتصفية، مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من ضياع لحقوق المواطنين.
أخيراً، نقول أن واقعة الشركة وتداعياتها أعلاه أسقطت أوهام المروجين لدور شركات القطاع الخاص ومهامها البعيدة عن الرقابة والمتابعة والمحاسبة وضمان الحقوق، وثبت بالدليل العملي أن هذه الشركات المغلفة بتقديم الخدمات للمواطنين غايتها الربح وفقط الربح وليذهب المواطن وحقوقه للجحيم، مع كل ما يمكن أن يلحق به من أضرار.
كما لعلها فرصة أمام المؤسسة العامة للبريد لتستعيد دورها على كافة مستويات مهامها حسب مرسوم إحداثها، وبالتالي بات من الضروري تقديم ما يلزم من أجل ممارستها لهذه المهام، بالإضافة لتذليل صعوباتها.
فهل من الممكن ذلك؛ أم أن السياسات الحكومية القائمة على محاباة أصحاب الأرباح على حساب حقوق المواطنين ستبقى هي السائدة؟!