جمر الفساد المغطى بالسياسات
تداولت وسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي خبراً أن إدارة مكافحة التهريب ضبطت 1700 ليتر من غاز ذو استخدامات طبية في أحد المشافي الخاصة، وبأن هذه المادة التي ضبطت داخل المشفى مهربة ولم تحمل أي بيانات جمركية.
وفي بعض التفصيلات أن مصدر المادة هو المنطقة الحرة في دولة الإمارات، وقد تم إدخالها عن طريق شركة مختصة بطرق غير نظامية، وبأن إدارة المكافحة تحركت بناءً على ورود معلومات!
ولا ندري كيف يمكن أن نقرأ خبراً كهذا، وأين يجب أن توجه سهام الانتقاد والمحاسبة؟!
فالمشفى مدان، كما هي حال الشركة التي أدخلت المادة تهريباً، وهو ما تم التصريح به بالقيام بعدة إجراءات حسب الأنظمة الجمركية والقوانين المرعية بحق هاتين الجهتين، آخذين بعين الاعتبار أن أي مشفى خاص، وبغض النظر عما تبدو عليه على مستوى دورها ومهامها الانسانية، فهي أولاً وآخراً مشروع استثماري غايته ربحية، وبالتالي فإن تخفيض التكاليف عن طريق التهرب الضريبي أو التهرب من الرسوم والضرائب الأخرى، تعتبر إحدى البوابات التي تلجأ إليها بعض هذه المشافي، وهي بذلك حالها كحال أي شركة تجارية أو استثمارية في البلد المستباحة خزائنه لمصلحة هؤلاء على حساب المفقرين فيها، ولكن لعل هذا ليس معرض حديثنا هنا، رغم شجونه وآلامه.
لكن كيف دخلت هذه المادة من المعابر الحدودية؟ وكيف تم تسهيل عبورها وصولاً للمشفى؟ وأين تبدأ مسؤولية الجمارك، والجهات الرسمية والأمنية الأخرى بذلك، وأين تنتهي؟ كلها أسئلة بحاجة للإجابة.
كما أنها كظاهرة بحاجة للدراسة المتأنية، خاصة بوجود الكثير من الأمثلة الأخرى التي تتمحور حول وجود الكثير من البضائع والسلع المهربة في الأسواق، والتي يتم ضبط بعضها فقط بين الحين والآخر.
فمديرية الجمارك العامة، التي كانت مصدر الخبر حسب وسائل الإعلام، صدرته كإنجاز يسجل لإدارة مكافحة التهريب، ولعلها محقة بذلك.
لكن بالمقابل وفي العمق يتبين بوضوح أن إدارة الجمارك العامة غير معفية من المسؤولية، فالمعابر الحدودية تعتبر من مسؤوليتها دون سواها، أما الأسوأ في الموضوع هو أن عملية ضبط المادة المهربة كانت بنتيجة «ورود معلومات»!
أما الطامة الكبرى، فهي أن هذه المادة قد دخلت العاصمة وصولاً للمشفى المخالف، وهي لا بد أنها مرت عبر بعض الحواجز المنتشرة على الطرقات للدواعي الأمنية.
فأين هي تلك المهام الأمنية من هذه الحواجز، خاصة وأن المادة عبارة عن غاز لا بد أنه معبأ بأسطوانات، ومع كبر الكمية المضبوطة فهي من كل بد ملاحظة ومرئية ومكشوفة، ولا بد أن تخضع للكثير من المسائلة والثبوتيات والورقيات، فالواقع يشير أن كيس اسمنت لا يمكن أن يمر عبر بعض الحواجز دون تدقيق وتفتيش، فكيف تم ذلك بهذه الظروف الأمنية؟
لنأت أخيراً لمسؤولية وزارة الصحة والاقتصاد، فمما لا شك فيه أن مستلزمات عمل المشافي، والقطاع الصحي عموماً، مسموحة بالاستيراد ضمن شروط وضوابط لها علاقة بالمواصفة وبلد المنشأ، والوثائق المرتبطة بكل منها، وذلك بالتنسيق ما بين الاقتصاد والصحة، بالإضافة للرسوم المفروضة على الاستيراد حسب القوانين والأنظمة، مع عدم تغييب وجود بعض التسهيلات والاعفاءات أحياناً، حسب الحال.
والسؤال الذي يجب أن تتم الاجابة عليه: لماذا يتم اللجوء لإدخال بعض من هذه المستلزمات تهريباً، وأين تكمن جذور مثل هذه المشكلة؟ من أجل إيجاد الحلول النهائية لها.
لنقول أخيراً أن الخبر والإنجاز أعلاه، مع تشابكاته وتداعياته ومسؤولياته، ربما يكون فرصة لتسليط الضوء على جمر الفساد والمحسوبية الراكد تحت رماد القرارات والسياسات، التي على ما يبدو أنها تغطيه ولا تنوي أن تطفئه.