هل نلعن البطاطا أم السوق أم السياسات؟
تداولت وسائل الإعلام عن رئيس لجنة القطاع الزراعي في اتحاد المصدرين أن: "اللجنة الزراعية في الاتحاد طلبت بناء على توفر موسم كاف من البطاطا تصديرها إلى الأردن، بشكل ينعكس إيجاباً على الفلاحين وينشط حركة الصادرات"، مضيفاً بأنه: "تم التواصل فعلاً مع الجهات المعنية في الأردن لدخول البطاطا إلى أسواقه خلال فترة السماح أسوة باللبنانيين".
على الطرف المقابل، وفي منتصف شهر أيلول من هذا العام، تم الإعلان عن توقيع محضر تبادل زراعي بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الزراعة اللبنانية، وقد تضمن هذا المحضر: "الاتفاق على توريد البطاطا من 15/12 إلى 15/3، وحصر استيراد هذا المنتج بالمؤسسة السورية للتجارة من الجانب السوري، وحصر التصدير بجهة واحدة من الجانب اللبناني بناءً على طلب الجانب السوري".
الخبرين أعلاه فيهما الكثير من التناقض، بحيث لم نعد ندري بموجبهما:
هل نحن بحاجة لاستيراد مادة البطاطا من أجل تغطية احتياجاتنا الاستهلاكية؟.
أم أننا بحاجة لتصدير هذه المادة لوجود فائض إنتاج محلي منها؟.
ربما يقول قائل بأن حديث اتحاد المصدرين، آني، ويتمحور حول العروة الصيفية من الإنتاج الحالي، بينما الاتفاق مع الجانب اللبناني، مستقبلي، يتمحور حول العروة الخريفية التي تمت زراعتها خلال شهر أيلول الذي انتهى منذ أيام.
وبناء على هذه المحاججة المفترضة أعلاه، وبحال وجود فائض إنتاج حقيقي من العروة الصيفية لموسم البطاطا، نقول أن السوق ربما يعتبر حكم ومقياس، حيث أن سعر البطاطا لم ينخفض عن 150 ليرة للكغ وتجاوز الـ 200 ليرة أحياناً، مع وجود كميات من البطاطا الحلوة في السوق، ما يعني أن الحاجة المحلية لم يتم تغطيتها بالشكل المناسب، بدليل عدم تأثر الأسعار انخفاضاً، ولوجود نوعيات متبانية من المادة في الأسواق.
وبحال وجود هذا الفائض من الإنتاج فلعله من الأجدى لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والسورية للتجارة، أن تستجر فائض الإنتاج هذا من الفلاحين من أجل تخزينه لديها كي يعاد طرحه في السوق لاحقاً، بدلاً من تصديره حالياً، والاضرار لاستيراد المادة من الجانب اللبناني لاحقاً.
بكل الأحوال النتيجة المتوقعة، وواقع الحال يقول، بأن الفلاح والمستهلك هما الحلقة الضعف في الخبرين أعلاه مع نتائجهما، ففائض الإنتاج عملياً يتم استغلاله تصديراً أو تخزيناً على حساب الفلاح والمستهلك، تخفيضاً واستنزافاً لدرجة الخسارة على حساب معيشة الفلاح، وارتفاعاً على حساب احتياجات ومعيشة المستهلك.
وما عدا ذلك من حديث عن مصلحة الفلاحين والمستهلكين ما هو إلا لغو وحشو بالمحصلة، غايته تحقيق المزيد من تكديس الأرباح في جيوب قلة من المستغلين تحت مسمياتهم المختلفة (تجار- مصدرين- مستوردين- سماسرة- فاسدين- وغيرهم).
ولعلها فرصة لنذكر بأن موسم إنتاج البطاطا كغيره من مواسم الإنتاج الزراعي الأخرى (حمضيات- زيتون- تفاح- عنب- ..)، الخاسر فيها دائماً وابداً الفلاح المنتج، والمواطن المستهلك، فيما تحصد أرباحه تلك الفئة المستغلة، مع التراجع المطرد، الذي لم يعد يخفى على أحد، على مستوى هذا الإنتاج، عاماً بعد آخر، وانحسار الأراضي الزراعية نتيجة هجرتها تحت ضربات الخسائر المتتالية التي يتكبدها الفلاحين المنتجين.
ونختصر لنقول بأن تقاسم الأدوار بين السياسات الحكومية، وبين الفئة المستغلة أعلاه، والتي تلق كل الدعم الحكومي بحكم التوجه الليبرالي المعتمد منذ عقود، لم ولن تؤدي إلا إلى المزيد من ضرب الإنتاج المحلي، بكل تصنيفاته وتفرعاته وتسمياته ومستوياته، وهو ما يسجل ويشاهد عملياً وتباعاً.