موازنة 2017..  ما قلّ ودلّ!

موازنة 2017.. ما قلّ ودلّ!

لا يعول الكثيرون على موازنة الحكومة، لأنها أرقام معلنة وليست بالضرورة مبالغ منفذة، طالما أن الحكومة لا تُصدر قطع موازناتها، أي ما أنفقته فعلياً في نهاية العام. ولهذا دلالة واحدة، تأتي من الشعارات الحكومية، كضبط النفقات، وعقلنة الدعم، وغيرها من المفردات المعبرة عن سياسة تقليص إنفاق جهاز الدولة من الموارد العامة، على حاجات الإنفاق الاجتماعي، واستثمار جهاز الدولة الاقتصادي، أي مساهمته في عملية النمو الاقتصادي، استثماراً واستهلاكاً عاماً.

 

أولاً: الموازنة بالأرقام الحقيقية تتراجع عاماً بعد عام، وهي في هذا العام ثلث قيمتها الفعلية في عام 2010، وثانياً: الموازنة تدل على أن الحكومة لا تريد لجهاز الدولة أن يساهم في الإنفاق، إلا بما نسبته 20 % تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، بينما قرابة 80% من الناتج تتحكم بها السوق، وتوزعها، وهو أمر يتناقض مع ضرورات ظروف أزمة اقتصادية وسياسية عميقة، كالتي تشهدها سورية.

وثالثاً: المبالغ المتناقصة فعلياً للموازنات العامة، تنفق بطريقة غير فعالة، وأدل أمر على هذا، هو أن حصة القطاعات المنتجة من زراعة، وصناعة، وبناء، والخدمات، الرئيسية المرتبطة بها، من كهرباء، غاز، ونقل، ومياه، لا تزيد عن 8 % من نفقات الموازنة. أما الإنفاق على الصحة والتربية والتعليم فلا تتجاوز نسبة 11% من نفقات الموازنة، ويعود منها قرابة 16 ألف ليرة للمواطن السوري سنوياً! 

ورابعاً: الإيرادات العامة القليلة، تبدو مخفضة بشكل مقصود، وأدل أمر على ذلك، هو توقعات الحكومة لضرائب الدخل وتحديداً الأرباح، والتي لن تبلغ أكثر من 70 مليون دولار، بينما تقديرات الضريبة بناء على الناتج في المناطق الخاضعة للسيطرة تقارب 2,3 مليار دولار!

وخامساً: يأتي الدعم الاجتماعي، رقم مضخم بطريقة محاسبية، بينما فعلياً سياسة عقلنة الدعم، قلصت نفقات الدعم الكبرى كلها، وتحديداً بعد أن رفعت أسعار المحروقات، والكهرباء، مع تقليص إنتاجها لتقليص النفقات! وينبغي هنا أن نطرح سؤال: أين يذهب الجزء الأكبر من المبالغ المضخمة، والتي تصل إلى 3,9 مليار دولار؟!.

 

الموازنة، هي التعبير الأكثر وضوحاً، عن عملية تحجيم دور الدولة الاقتصادي الاجتماعي، إلى حد الضآلة، وإذا كان لا بد أن نتساءل لماذا؟ فالجواب أصبح واضحاً، إن دور مؤسسات جهاز الدولة، مناقض لدور السوق، ويأخذ من طريقها، وقوى النهب يناسبها جهاز دولة إشرافي، يدير الموارد العامة، بالشكل الذي يعزز عمل قوى الربح الكبير، أو بأسوأ الأحوال لا يعرقلها..