هل (ميّالة خيّالك)؟!

هل (ميّالة خيّالك)؟!

كلما استعر الدولار في السوق وقفز قفزاته الكبرى دافعاً الليرة إلى مستويات أدنى، كلما أصبح اسم (أديب ميالة) حاكم المصرف المركزي السوري، (الاسم الألمع) على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية، وحتى على ألسنة الناس، والمحللين الاقتصاديين وإلخ..

تصور إحدى الرسوم الكاريكتورية حاكم المركزي يقود سيارة مهلهلة في كناية عن الليرة السورية، ومرفقة بجملة (ميلي على أبو ميّالة .. أديب خيالك)، فهل الحاكم هو الخيّال الفعلي لقافلة تدهور قيمة الليرة؟!

إن الإجابة عن هذا السؤال تأتي من الإجابة عن سؤال أساسي في منظومة القرار الاقتصادي السوري، لنسأل: (هل الحكومة تحكم؟!)، الحكم وسياسته في كل مكان وزمان، قائم على مصالح الطبقة السائدة، وأحياناً لمصلحة فئة ضيقة وقلة قليلة من هذه الطبقة، والحكم في سورية كما يظهر من السياسات الاقتصادية، قائم على مصالح هذه الفئة، والسياسة الاقتصادية المطبقة هي الليبرالية الاقتصادية، التي تخدم القة القليلة المحتكرة لموارد البلاد، وأرباحها التي تجنى من عرق السوريين وتعبهم لعقود. وهذه السياسة تم التمهيد لها مع كل توسع في حجم منظومة الفساد الكبير، وزيادة هيمنتها، وتم تبنيها بشكل معلن عام 2005، عندما تم تبني اقتصاد السوق الاجتماعي، وهي السياسة المستمرة خلال الأزمة، بل والمتفاقمة خلالها..

فهل يعقل أن يكون موقع إدارة احتياطي القطع الأجنبي، والتحكم بقيمة العملة الوطنية، هو خارج عن مصلحة هذه المنظومة؟! وهل يعقل أن حاكم المصرف المركزي، هو (مدير فاشل) أو يعمل لمصلحته الشخصية فقط؟! الإجابة البديهية أن هذا غير معقول..

فسياسة المصرف المركزي السوري النقدية، هي جزء لا يتجزأ من السياسة الاقتصادية الليبرالية، التي تعتبر (تعويم العملة المحلية) واحداً من أهم أركانها، والتعويم يعني أن تتحدد قيمة الليرة مقابل الدولار في السوق، وبناء على العرض والطلب. وقد يكون لهذا التعويم درجات، أي تترك الليرة لتتحدد في السوق، وبالمقابل قد يتدخل المصرف المركزي، بصفته طرف من الأطراف اللاعبة في السوق، فيقوم بزيادة الطلب على الليرة، عبر بيع الدولار في السوق، ليرفع من قيمة الليرة عند انخفاضها، وهي السياسة الوحيدة التي يقوم بها المركزي اليوم..

الليبرالية الاقتصادية سياسة مقرّة منذ عام 2005، وسياسة المركزي هي جزء منها، والحاكم وإن كان يتحمل مسؤولية سياسة المصرف المركزي السلبية في إدارة أزمة الليرة، إلا أنه بسياسته هذه هو جزء من السياسة الاقتصادية الليبرالية التي تتحمل مسؤولية أزمة الاقتصاد السوري قبل الأزمة وخلالها. إلا أن التسويق لربط اسمه فقط بما يصيب الليرة من تدهور، هو إخفاء للحقائق، وتبييض لصفحة الليبرالية الاقتصادية، وتغطية عن مصلحة القلة القليلة المتحكمة بموارد البلاد في تدهور قيمة الليرة.

في مؤتمر اقتصادي لنقابات العمال وقف حاكم المصرف المركزي ليواجه الهجوم الكبير على سياسات المركزي، وبعد أن فقد أدوات التبرير قال: (السياسة ليست قراري فقط.. هذا قرار من فوق)!

 إذاً ميالة ليس الخيّال الحقيقي، وعربة تدهور الليرة (مدارة عن بعد) وفق ما تبرمجه الليبرالية الاقتصادية والقلة المستفيدة منها.