التربية والتعليم.. أزمة مناهج ومدرّسين ومدرّبين.. أم أزمة في المنهجية؟؟

التربية والتعليم.. أزمة مناهج ومدرّسين ومدرّبين.. أم أزمة في المنهجية؟؟

بدأ العام الدراسي وبدأت أزمته التي يبدو أنها غير منفصلة عن الأزمة التي تعصف بالبلاد، بدت أهم معالمها بالمناهج الجديدة التي أقرت هذه السنة للصفوف الخامس الثامن والحادي عشر، حيث كانت ريح تغيير المنهاج قد بدأت العام الماضي من بالصفينالسابع والعاشر مع الصفوف المرحلة الابتدائية.

ارتجال تغيير المناهج

هذا التغيير يذكرنا بالتغيير الأول للمناهج الذي بدأ منذ خمس أو ست سنوات مضت، والذي كان عنوانه التطوير والتحديث في المناهج، وخصوصاً العلمية منها كالرياضيات، فبدأ التعامل مع رموز لاتينية ووضع منهاج للصف العاشر لا بأس به من الناحيةالعلمية، لكنه لم يراع الفترة الزمنية التي تعطى بها المادة خلال العام الدراسي، فخلال أربع ساعات أسبوعية لا يمكن إعطاء ذلك المنهاج بالإضافة لعدم مراعاة أن الصف العاشر عبارة عن خلط بين طلاب العلمي والأدبي  وأمور أخرى لا نريد الخوض فيهالأنها أصبحت من الماضي، لكن نحن نستذكر ذلك لأن ما يحصل اليوم هو شبيه بما كان قد حصل سابقاً، حيث أن اللجنة المؤلفة لكتاب الصف العاشر لم تشارك في وضع منهاج الصف الحادي عشر ومن ثم البكالوريا، وذلك لحصول خلافات بينها وبين الوزارة،وبالتالي خلقت هوة كبيرة بين المنهاجين في الصف العاشر وما بعده من حادي عشر وبكالوريا، والتي وضع مناهجها مجموعة من المدرسين القديرين بالتأكيد، لكن باعتقادنا أنهم غير مؤهلين لتأليف مناهج.. والآن يبدو أن التاريخ يعيد نفسه (نتكلم هنا عنمادة الرياضيات فقط،  ولا نعتقد أن باقي المواد أفضل حالاً)، حيث قامت الوزارة في العام الماضي بتأليف الكتب بطريقة بدت مختلفة كل الاختلاف عن السنة الحالية من حيث طريقة طرح المواضيع  وطريقة معالجتها وإخراجها بكتب يبدو أنها أقل مستوى منسابقاتها.

فمنهاج الصف العاشر كان من تأليف لجنة تطوير المناهج، ولم يرد ذكر اسم أي شخص من المؤلفين، بينما هذه السنة أسماء القائمين على إنتاج كتاب الصف الحادي عشر العلمي تقترب من 45 شخصاً، ما بين مؤلف ومنسق ومقوم ومدقق لغوي وغيرهم...مع العلم أن أغلب المؤلفين الواردة أسماؤهم هم من الأساتذة القديرين، لكن غير المهيئين لتأليف منهاج، فأحد المؤلفين الوارد اسمه عند سؤاله عن موضوع معين في كتاب الجبر، قال صراحة إنه لأول مرة يتعرف على هذا الجزء من علم الجبر، ولا يستطيعالإجابةفهل يعقل أن مؤلف كتاب لا يعلم مواضيع كتابه؟ من المؤكد أنه ليس من الضروري أن يكون على دراية بجميع المواضيع العلمية، لكن على الأقل يجب أن يجري تداول بين المؤلفين بالمواضيع المطروحة لكي لا يوضع بموقف حرج أمام مدرسين أتوهكي يطلعهم على المنهاج.

وبدأت الآن تلوح بوادر الفشل، حيث أن كتاب الجبر للصف الحادي عشر العلمي قد سحب بعدما وزع، وذلك لورود أخطاء فيه.. أخطاء ولدينا 19 مؤلفاً!! فكم كان عدد الأخطاء ليصل لو كان عدد المؤلفين أقل؟ هل يعقل أن تطبع وزارة التربية عشرات الألوفمن النسخ الخاطئة ثم تعيد سحبها من مديريات التربية لورود أخطاء؟  والمتوقع أن هذه الأخطاء علمية، ونحن ننتظر النسخة المصححة لمعرفة ماهية الأخطاء المرتكبة في التأليف.

طبعاً هنا، وبعد كل تأليف لمنهاج جديد تقوم مديريات التربية في المحافظات بإجراء دورات تدريبية لمدرسيها بهدف تدريب المدرسين على طرق جديدة وعصرية في إعطاء الدروس للتخلص من الطرق القديمة الإملائية التي كانت تتبع سابقاًوبالتأكيد لا أحدضد هذا العمل لكن هناك ملاحظات عليه.

فمن الطرق المطروحة هي نظام المجموعاتأي يقسم المدرس الصف إلى مجموعات، ويقوم بمناقشة مسألة ما مع كل مجموعة أو إعطائهم مسائل معينة وطلب الحل، ثم شرح ما توصلت إليه المجموعة من نتائج أمام باقي المجموعات (طبعاً هذه إحدىالطرق).. وهذه الطريقة لا يمكن تنفيذها مثلاً في صف يضم 40 طالباً، فعندها عدد المجموعات سيكون كبيراً وقد يصل إلى عشر مجموعات (على فرض أن كل مجموعة هي عبارة عن أربعة طلاب)، فإذا كان نصيب كل مجموعة 3 دقائق من الحصة الدرسيةفإن نصيب المجموعات حوالي 30 دقيقة، أي يبقى للمدرس 15 دقيقة من الحصة لإغناء الطلاب بالمعلومات التي لديه، كون الحصة الدرسية 45 دقيقة، بالإضافة إلى أننا لم نحتسب الوقت اللازم لحل مشكلة ما فد تحدث مع إحدى المجموعات أو مشاهدةوظيفة ما أو حل تمرين.. إلخ..

نعتقد أن نظام المجموعات هو نظام ناجح، لكن ليس ضمن الحصة الدرسية، فقد يكون ناجحاً أكثر لو كلفنا هذه المجموعات بمشروع ما للقيام به خارج أوقات الدوام ثم مناقشته في الصف.

أيضاً تمت الإشارة في هذه الدورات على ضرورة استخدام الوسائل الحديثة كأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الإسقاط الضوئي، مع العلم أن أكبر المدارس لا تحوي إلا على جهاز إسقاط واحد فيها، فإذا قمنا بإحصاء عدد المدرسين وموادهم والشعب التي يدرسونها،نجد أن كل مدرس قد يستخدم هذا الجهاز لمرة واحدة على الأكثر في الشهر الواحد، أي ما يعادل 7 مرات في العام الدراسي كاملاً.. فلنتأمل!!!.

ولو عدنا إلى الدورات التدريبية التي ورد ذكرها فهي تفتقر إلى المدربين، فعلى مدار خمسة أيام من الدورة لم يقم أي مدرب بإعطاء درس نموذجي يستفيد منه المتدربون (ولكي لا نظلم من أعطى دروساً سنقول إنه كان من النادر إعطاء درس نموذجي منالمدربينمع العلم أن الدرس النموذجي يجب أن يعطى بوجود تلاميذ في الصف أمام المتدربينفأغلب الدروس التي كانت تعطى كان يكلف بها أحد المدرسين المتدربين لإلقائها أمام زملائه، وبالتالي العودة إلى الطريقة القديمة في التدريس، مع العلم أنالمسؤولين التربويين في المديريات كان لهم جولاتهم للتأكد من أن العملية التدريبية كانت تسير على أكمل وجه، ولم تخلُ جولاتهم من الملاحظات غير الموضوعية التي كانت توجه للمتدربين، كأحد مدراء التربية الذي كان يتجول بين القاعات فوجد في إحدىالقاعات جدالاً حول قضية علمية، فما كان منه إلا أن قال بأننا هنا لتعلم طرق تدريس المناهج الجديدة وليس لمناقشة المعلومة، فالمعلومة جاهزة في كتبنا ومناهجنا ولا حاجة لمناقشتها!! (لا تعليق!!).

ما نعتقده هو وجوب طرح المنهاج الجديد للمناقشة قبل إقراره من مدرسيه لتفادي جميع الأخطاء والملابسات التي قد تواجهنا فيه، ومن ثم التدريب على تدريسه، أم أننا حتى في هذه الأمور لا نملك الجرأة على الحوار؟

 

نحو إصلاح حقيقي وجذري

الشعب السوري يوصف بأنه شعب فتي، وهذا يعني أن ركيزته الأساسية هي الشباب، فهل نقوم بتهيئتهم بالشكل الكافي واللازم للقيام بدورهم في تقدم المجتمع وتطويره؟

إن أهم الخطوات الإصلاحية التي يجب أن تتم هي في قطاع التربية والتعليم.. فبالبدء من قطاع التربية في الإصلاح نقوم بإنشاء أجيال قادرة فعلاً على قيادة الإصلاح والمضي به قدماً، وذلك خلافاً لأجيالنا السابقة التي كانت تهزأ بأي مراقب في الامتحان لايسمح بالغش في قاعته.. لقد ربت السياسات التربوية والتعليمية السابقة شرائح تبحث عن العلامات فقط بغض النظر عن المستوى التربوي والعلمي المطلوب، لذلك، ومن هذا المنطلق نقترح خطوات جريئة وغير مسبوقة قد تكون نواة لإصلاح قطاع التربية:

1- تهيئة لجنة مختصة لإصدار مناهج جديدة تتماشى مع المناهج العالمية، والتطور العلمي وإعطاؤها الوقت الكافي لتقوم بعملها على أكمل وجه.

2- تنمية الحس الوطني لدى الطلاب من خلال المناهج الجديدة، وهذه بعض الإجراءات التي يمكن أن تشكل مدخلاً:

أإلغاء تعليم جميع المواد الدينية في المدارس لأنها تزيد من النعرات الطائفية  وتفصل طائفياً بين طلاب الصف الواحد على عكس ما يشاع بأنها تعلم التسامح الديني وما شابه، وحصر تعليم مادة الديانة في مدارس دينية يستطيع أي طالب دخولها من أوائلمراحل تعليمه، والأفضل أيضاً حصر تعليمها في بيوت الله من جوامع وكنائس.

بإلغاء مادة القومية (طبعاً هي ألغيت باستبدالها بالتربية الوطنية أي بغير تسميةواستبدالها فعلاً بمادة ثقافية تنمي الحس الوطني عند الطالب، لأن المرحلة القادمة ستغير البنية السياسية كاملة، مع نشوء فضاء سياسي جديد.

جإلغاء فصل مدارس الذكور عن مدارس الإناث في بعض المناطق، وذلك بإنشاء مدارس فصل جنسي محددة لمن يرغب، أما باقي المدارس فيجب أن تكون مختلطة، فما هي العبرة من فصل نصف المجتمع عن نصفه الآخر؟

3- البدء بفصل الفرع الأدبي عن الفرع العلمي بمراحل مبكرة، وليس من الصف الحادي عشر لأن ميول الطالب العلمية أو الأدبية تتضح من مراحل مبكرة.

4- الاهتمام بالمدارس الفنية والمهنية بشكل أفضل، ودعمها أسوة بالبلاد المتقدمة،  ورفع مستوى القبول فيها على عكس ما يجري حالياً حيث يذهب الطالب ذو المستوى المنخفض إلى هذه المدارس، خاصة أن أغلب دول العالم المتقدم تعطي الاهتمام الأكبرلهذه المدارس، مع العلم أن الدولة عندنا كانت تعطي اهتماماً أكبر لهذه المدارس.

5- تفعيل دور المكتبة المدرسية بشكل أفضل ودعمها بأكبر عدد من الكتب العلمية والأدبية التي تسهم فعلاً في تثقيف الطالب.

6- تغيير طريقة طرح الأسئلة الامتحانية واستبدالها بأسئلة تظهر المستوى الحقيقي للطالب، وبالتالي تغيير طريقة القبول الجامعي لإنصاف الطلاب بفروع يستحقون دراستها فعلاً.

7- رفع مستوى دخل المدرس، وإعطاؤه الحوافز الملائمة أسوة بالمهندسين مثلاً، وعدم اعتبار قطاع التربية قطاعاً غير إنتاجي، لأنه أكثر القطاعات إنتاجية للعقول التي سوف تقوم بمسيرة تطوير هذا البلد والسير به قدماً نحو التطور.

هذه بعض اقتراحاتنا التي نرجو أن تلقى آذاناً صاغية، وأن ترفد باقتراحات أخرى ممن يهمه أمر هذا القطاع الهام.