تسعير منتجات القطن.. بين الليرة والدولار
الصناعات النسيجية أصبحت تشكل نسبة 60% من الصناعة العامة في ظروف الأزمة، بعد أن كانت مساهمتها 30% قبلها، وهذه النسبة تعود إلى أن لهذه الصناعة مقوم وجود رئيسي، هو زراعة القطن السوري، فماذا إذا ما انخفض إنتاج القطن إلى 50 ألف طن فقط في هذا الموسم، كما أشار أحد تصريحات وزارة الزراعة، أو حتى إذا ما بلغت 130 ألف طن كتقدير وسطي على أساس المساحات المزروعة؟!
إن تراجع إنتاج القطن، الذي يعود سببه الرئيسي إلى عدم قدرة المزارعين على تجديد إنتاجهم، بعد أن أصبحت العوائد من السعر الحكومي لا تتناسب مع التكلفة، سيؤدي عملياً إلى فقدان هذه الصناعة لميزتها الوحيدة المتبقية.. وقد يكون مفصل في تاريخها.
تخفيض السعر الزراعي لدعم الصناعي!
إن انخفاض عوائد المزارعين، وتراجع دعمهم، عبر التسعير بسعر منخفض، تبرره الحكومة بأن السعر الزراعي المنخفض يتحول إلى سعر داعم في الصناعات النسيجية. أي أنها تحمّل المزارعين ما تعتبره دعماً لصناعة حلج القطن، وغزله ونسجه، ثم صناعة الألبسة، إلا أن هذا لا يتم، حيث أن أسعار القطن المحلية أصبحت أعلى من الأسعار العالمية، بحكم التضخم الكبير في الكلف مع خسارة الليرة لجزء كبير من قيمتها، ومع تراجع كبير في الدعم الزراعي، ما يرفع أسعار المستلزمات.
تسعير بالليرة أم بالدولار؟!
تظهر في هذه المرحلة دعوات لتسعير القطن المحلوج المباع من المؤسسة العامة للأقطان إلى المؤسسة العامة للصناعات النسيجية بالليرة، بعد أن كان مسعراً بالسعر العالمي لبورصة ليفربول، ومحولاً من اليورو إلى الدولار إلى الليرة. وعلى الرغم من صحة الدعوة للتسعير بالليرة بالمعنى العام، إلا أنه عملياً قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار مبيع القطن المحلوج من الأقطان، إلى النسيجية، وارتفاع سعر الغزول من النسيجية إلى المعامل، على اعتبار أن التكاليف المحلية تؤدي إلى إنتاج قطن محلوج وغزل يفوق الأسعار العالمية في الظروف الحالية.
لا تكمن المشكلة في طريقة التسعير، ففي كلا الخيارين هناك خسائر تترتب على الصناعة النسيجية، فطالما أن سعر القطن المحلي أصبح أعلى من السعر العالمي، بحكم تضخم التكاليف، فإن تسعير الغزول بالسعر العالمي سيرتب خسارات وأعباء أكبر على المؤسسات التي تتكلف بالليرة تكاليف أكبر، والتسعير بالليرة بالمقابل سيدفع الصناعيين إلى شراء الغزول من الخارج، عوضاً عن شرائها بالليرة وبتكاليف أعلى.
دفع ثمن خسارة قيمة الليرة
يتضح في هذه التفاصيل حجم الخسائر المترتبة على خسارة الليرة لقيمتها، والذي تتحمل السياسات الحكومية الجزء الأهم منه، ويجب أن تتحمله مباشرة عن طريق توسيع الدعم والإنفاق على القطن، لأن إنتاج القطن وتصنيعه هو ما يحمي الليرة، أياً كانت التكاليف التي تتحملها الحكومة وتسجلها في بنود الدعم، وهي التي خفضت الكثير من تكاليف الدعم، بعد أن سعرت المحروقات بالأسعار العالمية.
لذلك رفع السعر للمزارعين، وتخفيضه لحلقات الإنتاج، هو ضرورة ستؤدي إلى خسائر مالية، إلا أنها تعوّض مباشرة بتوسيع الزراعة والصناعة في قطاع النسيج، إذا ما تم.
حماية الإنتاج بأي تكلفة!
لذلك أياً كانت طريقة التسعير، يجب أن يكون المنطلق هو توسيع التصنيع بمختلف حلقاته، وليس البحث عن مخارج لتخفيف الأعباء المالية، التي ما من مهرب منها، إلا إنهاء دعم القطن، وإنهاء الصناعة العامة في هذه الظروف!.
يجب أن يتحمل الإنفاق العام للخسائر بالشكل الذي يضمن استمرار وتوسيع عمل المنشآت الصناعية النسيجية العامة، وليس تحميلها خسائر قيمة الليرة، وضمان تأمين القطن المحلوج والغزل، وتصنيعه نسيجاً وألبسة، وإزاله التشوهات المتمثلة في ضعف قطاع النسيج واللباس مقابل توسع الغزول.
إذا لم يعاد النظر في مستوى تنفيذ خطة القطن، ومعيقاتها المتمثلة بالسعر المنخفض للمزارعين، وإذا لم يعاد النظر بتكاليف المنشآت الصناعية للحلج والنسيج، وتخليصها من الأعباء المالية، وتأمين الإنفاق الضروري لها، فإنه ما من قطن سيزرع في العام القادم، وما من مادة أولية ستصل للمعامل..