القطاع الصناعي في حلب الأزمة شماعة .. هناك أسباب أخرى؟
كانت مدينة حلب في صدارة التقارير حول ما تعرضت له سورية خلال سنوات الأزمة، لتوصف بأنها «أكثر مدينة مهدمة منذ الحرب العالمية الثانية» بحسب الأمم المتحدة، فما تعرضت له المدينة لم يكن عشوائياً أو تخريباً عادياً، إنما يعكس منهجية واضحة عند التوصيف أو الحديث عنها، وذلك تبعاً لموقعها الجغرافي الاقتصادي والتجاري تاريخياً، دون تناسي حصة باقي المحافظات من هذا الدمار أو التخريب.
أضرار الصناعة الحلبية والسياسات الحكومية
لم تستطع الحكومات «على تعاقبها» الاعتراف بأن سياساتها الليبرالية هي من جلب هذه الأزمة على البلاد، وأن واقع التسهيلات بممارساتها الليبرالية، شرعت الأبواب لضرب الصناعة، كما أن الاستمرار «بالعقلنة»، سيزيد هذا الويل الذي بدأته تلك السياسات، لأنها تزيد تغول الفساد، الذي ابتلع كل شيء، محدثاً لتلك الشروخ الاجتماعية، رغم المناشدات التي قدمتها غرفة صناعة حلب لثني الحكومة عن ذلك لكونها مجحفة بحق الصناعة السورية، وستعرضها لخطر كبير، ولكن دون جدوى.
تضاربت تقديرات الأضرار وتسابقت النسب في التصاعد، وغصت التقارير بالضحايا، وتجاذبت الأطراف مسبباتها وتحميل العبء لغيرها، حيث بلغت التقديرات الحكومية لأضرار المدينة بـ 200 مليار ليرة سورية، «لاكتها» التصريحات الحكومية بكثرة، جاعلة من الأزمة شماعة لكل تقصير، حتى فقدت أرقامها بريق مصداقيتها، إضافة إلى الدمار في البنى التحتية وخسائر في قطاع المياه والكهرباء والاتصال، ناهيك عن خسائر قطاع الصناعة وتوقف النشاطات الاقتصادية فيها، لتعرض مصانعها للنهب والتدمير فكانت خسائر المنشآت الصناعية بحسب غرفة صناعة حلب 30 مليار دولار، علماً أن تلك التقديرات الحكومية لم تتحدث عن خسائر قطاع الصناعة قبل الأزمة، بسبب القرارات المجحفة بحقها، والتي وصفتها الحكومة آنذاك بـ الانفتاحية، لتتراجع عنها مؤخراً بعد أن تم الإجهاز عليها تماماً.
صناعيون ومطالب
مدينة حلب هي المركز الصناعي الأول في سورية، ومع حجم الدمار في المدينة وريفها، وبغاية إعادة ريادتها الاقتصادية والصناعية، تفرض الضرورة اتخاذ قرارات استثنائية وإسعافيه تسهم في تعافيها ومساعدتها للنهوض بدورها الريادي، وخاصة معاناة الصناعيين التي تحول دون بدء عملية الإقلاع بالإنتاج بالشكل المطلوب، والواقع السيء الذي تعانيه الصناعة فيها، مقارنة بمثيلاتها في المحافظات الأخرى، وضمن الظروف الاستثنائية ذاتها التي تعيشها البلاد.
ومن النقاط الواجب معالجتها للنهوض بالصناعة الحلبية نورد التالي:
الواقع الأمني الذي يهدد ويحبط أية عملية إعادة إقلاع.
الضرر الحاصل في البنى التحتية لحوامل الطاقة، وصعوبة البدائل الأخرى من المحروقات، التي تزيد من كلف الإنتاج 20% ما يجعلها خاسرة في المنافسة على المستوى المحلي.
سياسة الجباية التي تقوم بها الحكومة عبر الحجز على الصناعيين غيابياً، مما يزيد من سوء وضع الصناعي، علماً أن حجم القروض العام في سورية يقدر بـ 90 مليار ليرة، حصة حلب منها 4 مليارات فقط، والتهديد الدائم بالحجز الغيابي على أملاك الصناعيين ومنشآتهم، لاستيفاء مستحقاتها من القروض والرسوم والضرائب والفوائد المترتبة عليهم.
إعادة النظر بسياسة التسهيلات الممنوحة للصناعيين، وخاصة تلك المساهمة في إيفاء القروض، لعودة عجلة الصناعة، علماً أن العائد اليومي من القطع الأجنبي الداخل إلى الخزينة العامة عبر الصناعة الحلبية يقدر بـ 5 مليون دولار.
الممارسات والسياسات المتبعة، والتي لم تتغير رغم الأزمة وتداعياتها، مما يجهض أية محاولة في إقلاع عجلة الصناعة، مع التأكيد على أن التغيير يجب أن يطال تلك السياسات وليس الأفراد، فمن أصل 40000 منشأة صناعية في حلب، تعمل اليوم 3900 منشأة على أرض الواقع فقط ، وبربع الطاقة الإنتاجية.
الإجراءات والممارسات «التطفيشية» لقوى العمل، وخاصة أن الجزء الأكبر منهم هم قوى عاملة وخبرات، يرتقون لمستوى «شيوخ كار» في حرفهم، بل إن جزءاً منهم كانوا يديرون منشآت صناعية واقتصادية، اكتسحها سيل الانفتاح سابقاً، واستكمل عليها واقع الأزمة الراهن، ليتحولوا إلى عمالة سوداء في الخارج.
دعم الصناعة والفوائد المتوخاة آنياً
الصناعة الحلبية هي قاطرة الصناعة السورية، وإن عودة إقلاع الإنتاج الصناعي فيها، يمتص أعداداً كبيرة من العاطلين عن العمل والأيدي العاملة، ويمنع هجرتها، ما سيؤثر على الوضع المعيشي للمدينة، ويقلل الكلف المضافة على المنتجات، وسيزيد تنافسيتها محلياً وعالمياً، ما سينعكس على القدرة الشرائية ووضع الليرة السورية ويوقف نزيف القطع الأجنبي، كما سيساعد على عودة أبناء المدينة للمساهمة في إعادة إعمار ما قد هدمته الحرب على كافة المستويات، ومما يعزز عملياً فعالية إجراءات التهدئة وإعادة الاستقرار والأمان الى المدينة.
كما أن حماية الاقتصاد الوطني، يمر عبر حماية الصناعة السورية، وقوى الإنتاج من الانهيار، وهو ما يضع اليوم أمام الحكومة مهمة إنقاذ الصناعة السورية وإنقاذ القوى العاملة فيها، وأن تضع نصب عينيها أن المتضرر الأول هو المواطن، الذي يجب أن يعد محور وجوهر عملها، والتوقف عن سياسات اللا»عقلنة»، التي لعبت ومازالت دوراً تدميرياً ينال كل يوم من القوى المنتجة، والذي لا يقل خطورة عن الحرب الدائرة في البلاد.
مشيرين بنهاية المطاف، أن جملة ما سبق ذكره، كان نتاجاً لحوارات موسعة مع العديد من الصناعيين الحلبيين، المخضرمين والغيورين والوطنيين.