تفاح 2015: انخفاض الإنتاج وارتفاع التكاليف يهضما حق الفلاح وينعشا آمال المصدرين!

تفاح 2015: انخفاض الإنتاج وارتفاع التكاليف يهضما حق الفلاح وينعشا آمال المصدرين!

تتباين بيانات موسم التفاح في عام 2015، بين منطقة وأخرى، فتكاليف زراعته في جبل الشيخ التي رصدتها قاسيون تقل أو تزيد في بعض التفاصيل عن مثيلاتها في محافظة السويداء على سبيل المثال، والتي قد تختلف بدورها عن تكاليف المنطقة الوسطى والساحل، إلا أن ما يحسمه معظم الفلاحين أن تكاليف هذا العام أعلى من تكاليف العام الفائت بمقابل حجم إنتاج أقل، وأمام هذه الوقائع تنبري حلقات التجارة للدفع بزيادة معدلات التصدير، الحل الوحيد الذي يراه التجار لتعويض الفلاح عن خسائر الموسم أمام صمت الحكومة!

خاص قاسيون

قاسيون تستعرض أهم مؤشرات زراعة التفاح التي كنا نفتخر أننا تبوأنا فيها المركز 30 عالمياً والثالث عربياً، أما هذا العام فلا تصريحات حكومية عن مواقعنا الجديدة في هذا التصنيف، في ظل تأكيدات من الفلاحين أن إنتاج هذا العام هو ربع الإنتاج في عام 2014 في منطقة جبل الشيخ على سبيل المثال، وتأكيدات (مديرية زراعة السويداء)، تراجع كميات التفاح المنتجة هذا الموسم حيث (لم تتجاوز تقديرات الإنتاج 36 ألف طن، بينما بلغت خلال 2014 نحو 49 ألف طن) وفقاً لما نقلته مواقع اقتصادية عنها.

58 ليرة تكلفة كيلو التفاح!

تعد أبرز تكاليف زراعة التفاح هي المدرجة بالجدول الذي يقيس تكاليف زراعة الدونم الواحد من حراثة وسماد ورش مبيدات وتقليم، وصولاً إلى جني المحصول ونقله إلى أسواق البيع أو تبريده قبل التصدير، علماً أن هذه التكاليف لا تشمل تكاليف الري التي قال الفلاحون المستطلعون في الدراسة أنهم يعتمدون على الري عبر السواقي المتوافرة بين أراضيهم دون تكاليف فعلية. 

وفقاً للفلاحين فقد ارتفعت تكاليف الأدوية في عام 2015 بمعدل 60% عن العام الفائت ويعود ذلك لارتباط سعر هذه المواد بسعر الدولار كونها مستوردة، كما أن أجور التقليم على سبيل المثال زادت بمعدل 50% عن العام الماضي، و ذلك كله مقابل انخفاض وصل للنصف وفق مانقله بعض فلاحي محافظة السويداء لقاسيون، وهو ما تؤكده تصريحات مديرية الزراعة في المحافظة، والذي تعزوه إلى (أضرار تساقط الثمار، جراء الرياح الشديدة التي رافقت الجو الحار الذي ساد المحافظة، تراوحت بين الخفيفة والشديدة، ووصلت نسبة الضرر في بعض البساتين إلى 50% ). وفي السياق ذاته أكد بعض فلاحي جبل الشيخ لقاسيون أن إنتاج هذا العام بلغ ربع الإنتاج في العام الماضي وذلك (بسسب الثلوج المتساقطة, التي أدت الى كسر الأغصان) كما يؤكد هؤلاء أن ارتفاع التكاليف في العام الحالي بنسب كبيرة وصلت 100% لأسعار المبيدات في مناطق عرنة والمقروصة في جبل الشيخ...

تكاليف إنتاج التفاح ارتفعت 180% خلال الأزمة

يبين الجدول التالي تغيرات تكاليف إنتاج الكليو غرام من التفاح وفق المجموعة الإحصائية الرزاعية السنوية لعام 2013، حيث يتضح ارتفاع التكاليف بين عام 2010 قبل الأزمة عن عام 2015 الحالي بمعدل 180%، في الوقت الذي انخفض فيه الإنتاج بمعدل 28% تقريبا أي الثلث بين ما قبل الأزمة والعام الفائت 2014،

 

بانتظار بيانات عن الإنتاج الحالي الذي يتوقع الفلاحون في المنطقة الجنوبية انخفاضه.

دخل التاجر ثلاثة أمثال دخل الفلاح!

وفقاً لمعلومات حصلت عليها قاسيون من بعض الفلاحين فإن سعر بيع كيلو التفاح من الفلاح للتاجر يتراوح بين 70 إلى 115، بينما يصل سعر بيع كغ التفاح الذي يحوزه التاجر في السوق بين 225 إلى 250، أما في العام الماضي 2014 فكان سعر البيع من الفلاح  للتاجر يتراوح بين 50 الى 100 للكغ، وسعر المبيع التاجر في السوق من 100 إلى 125كغ.

تطورات السعر بين عامين 2014 -2015:

إن نمو سعر التاجر بمعدل يصل لخمسة أضعاف الزيادة في سعر الفلاح يؤكد حقيقة دور الحلقات التجارية وحصتها المتنامية من الدخل الوطني بشكل عام، حيث تتضاعف من العام الفائت حتى اليوم في قطاع التفاح، بينما يكسب الفلاحون المنتجون الفعليون في هذا العام زيادة بمقدار الربع تقريباً عن العام الفائت في السعر وبغياب تكاليف عام 2014 لا يمكن الجزم بحجم نمو الدخل الفعلي للفلاح. 

إن تكاليف التجار والتي تمثل السعر، المعطى للفلاح لم تزد بأكثر من الربع بينما تضاعفت دخولهم فعلياً، إلا أن نمو دخل الفلاح من كغ الواحد يقابله ارتفاع في التكاليف الدونم من جهة وتراجع حجم المحصول من جهة أخرى أيضاً، ما يفتح الطريق لتحكم التاجر بشكل أكبر بالسعر، ويشير أيضاً إلى التراجع العام في القطاع الزراعي.  

بات من الواضح أن الارتفاع في أسعار التفاح يعود بالجزء الأكبر منه إلى ارتفاع حصة التاجر من بيع هذه السلعة، وليس فقط من ارتفاع تكاليف الإنتاج الذي (يقدره فلاحون بـ30%)، بل على العكس تثبت الأرقام أن مستوى الزيادة في تكاليف الإنتاج التي يعكسها سعر مبيع الفلاح للكغ بين عامين، والذي لم يتجاوز ارتفاعه 23% أن الارتفاع في سعر التفاح في السوق يعود بشكل رئيسي إلى زيادة حصة التاجر الذي زاد فى أسعاره بمعدل 111%!.

إن ذلك يفتح التساؤل مجدداً حول دور الدولة في توزيع الدخل بين حلقات الإنتاج والتوزيع بشكل متوازن حيث لو يتم العمل على توزيع الدخل بين الفلاحين والتجار بشكل عادل لأمكن زيادة دخل الفلاح بما يعوض ارتفاع تكاليف إنتاجه وتكاليف معيشته مما لن يضطره للجوء لأسواق التصدير والاحتكام للتجار، وذلك ما سيؤمن سعراً معقولاً للاستهلاك في السوق المحلي حتى يصل التفاح للمواطن بسعر منطقي.

ولتوضيح ذلك نبين أنه في هذا العام بلغ معدل ربح التاجر في السوق هو 160%، بينما معدل ربح الفلاح 60%، أي أن دخل التاجر الذي لم يتحمل زيادة في التكاليف الفعلية يعادل عملياً 2,7 مرة ما يقارب الثلاث مرات من دخل الفلاح، وبمستويات ربح عالية نسبياً لهذا العام لكليهما الفلاح والتاجر، طبعاً التاجر بنسبة أعلى بكثير، فإن سعر التفاح سيصل للمواطن العادي بسعر عال جداً!

جدول يبين تغيرات التكلفة والأرباح على كل من التاجر والفلاح:

دعوات التصدير مدعومة بارتفاع الأسعار!

سترتفع دعوات التصدير  لموسم التفاح بعد قليل منطلقة من أحاديث عن فوائض إنتاجية ينفيها الفلاحون بالحديث عن تراجع الإنتاج في الموسم، بينما تكمن دوافع التصدير الفعلية في الحصول على أرباح أعلى للمصدرين على حساب الفلاحين واستهلاك المواطن العادي. وما سيدعم اتجاه التصدير هو أن ارتفاع تكاليف الإنتاج لهذا الموسم ستجعل من إمكانية تصريفه في السوق المحلية أمراً صعباً لإنخفاض دخول السوريين، مقابل ارتفاع عوائد التصدير في الدول المجاروة. مما يشير بشكل واضح على أن دور حلقة التجارة الداخلية برفع هوامش ربحها وبالتالي المستوى العام للأسعار يلعب دوراً هاماً في الدفع نحو أسواق التصدير كون أن قدرة المواطن الشرائية أقل من أسعار التفاح الذي زادته حصة التجار أكثر بكثير من ارتفاع تكاليف الإنتاج.

وبانتظار الموسم الحالي وحجم إنتاجه الفعلي سيسعى المصدرون إلى زيادة حصة التصدير من هذا الإنتاج، ما سيؤدي إلى رفع أسعاره وفيما يلي نبين وفق الجدول التالي تطورات التصدير بالنسبة للإنتاج خلال الأزمة وفق أرقام المجموعة الإحصائية الزراعية لعام 2013 بالإضافة إلى تصريحات رسمية عن عام 2014:

إن أكثر من ثلث الإنتاج تم تصديره عملياً في العام الماضي واليوم مع توقعات انخفاض الإنتاج سينتظر الجميع معرفة حجم التصدير الذي سيلعب دوراً أكبر في تحديد سعر التفاح في السوق المحلية فيما لو ظل مستوى التصدير على حاله، فما بالنا لو ارتفعت هذه النسبة تحت وطأة ذرائع ارتفاع تكاليفه الداخلية وضرورة إيجاد سعر مجز للفلاحين لن يكون المواطن السوري قادراً على دفعه. 

إن موجة التصدير التي تتبناها الحكومة تعفيها من دورها عملياً في التدخل لتوزيع الدخل الناتج عن عمليات الإنتاج لصالح المنتج والمستهلك فتترك الحصة الأكبر لحفنة من التجار يتهرب معظمهم من الضريبة، كما تعفيها هذه الموجة من مسؤولياتها في دعم تكاليف الإنتاج الزراعي المتزايدة خلال الأزمة والتي لا تتطلب سوى توزيعاً عادلاً للدخل بين حلقات الإنتاج دون أية تكاليف إضافية، ما يسمح باستمرار الإنتاج والاستهلاك المحلي في آن معاً رغم الأزمة. 

خلاصة: التفاح للتصدير وليس للمواطن!

يلخص واقع إنتاج التفاح جزءاً هاماً من واقع الإنتاج الزراعي السوري في ظروف الأزمة، إن لم يكن واقع الإنتاج المادي ككل، فوفقاً للواقع يتعرض الموسم إلى تراجع في الإنتاج ناتج عن ارتفاع تكاليفه من جهة، والأضرار الاستثنائية التي تضيفها شروط الأزمة من خروج الأراضي عن نطاق السيطرة الحكومية أو ظروف مناخية استثنائية تؤدي لتدهور الإنتاج.

تمثل تلك الزيادة في التكاليف الناتجة عن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج التي يقيم جزء هام منها بأسعار الدولار المتزايدة بالارتفاع في السوق، والانخفاضات في الإنتاج، حدين مؤثرين في سعر هذه المادة الضرورية في غذاء السوريين. 

تؤدي هذه العوامل في ارتفاع للأسعار في ظل عدم مساعي الحكومة لدعم مستلزمات الإنتاج، لا بل إسهامها بزيادة تلك الأسعار والتي تتمثل في القطاع الزراعي، برفع أسعار الوقود الذي يستخدم في مولدات الري. 

بناء على هذا الواقع، أي زيادة تكاليف الإنتاج، تجد حلقة التبادل المتمثلة بالتجارة في التفاح، الفرصة سانحة لاستغلال هذا التدهور، فبالاستناد إلى انحفاض مستويات الإنتاج تسهم حلقة التجارة بزيادة الأسعار ومضاعفتها مؤثرة على السعر النهائي بأثر أكبر من ارتفاع التكاليف أو انخفاض العرض أي (الإنتاج). 

بعد أن تقوم حلقة التجارة الداخلية بالإسهام برفع سعر التفاح لمستويات قياسية، يصبح الطلب الداخلي عاجزاً عن ملاقاة الكميات الموجودة من التفاح ذي الأسعار العالية، ما يهدد بانخفاض الطلب، وبالتالي السعر إلى مستويات تضر بإعادة الإنتاج اللاحق وتضرّ بالفلاحين. عند هذا المستوى ينبري المصدرون أي تجار التصدير لإيجاد حل لتصريف الموسم عبر أسواق التصدير، طالما أن السوق الداخلية عبر استهلاك المواطن غير قادرة على دفع أسعار هذا التفاح المتضخم الكلفة، وبالتالي يصبح الحل الوحيد لإنقاذ الموسم هو التصدير ما يحرم المواطن البسيط من هذه السلعة.

إن سلسلة العمليات السابقة تتم أمام مرأى الحكومة وبتسهيل منها، والتي وإن أرادت ضمان تنمية موسم التفاح، أو الحفاظ على مستوياته، مع تأمين هذه السلعة للمواطن بأسعار مقبولة، كان ينبغي التدخل بشكل بسيط بكبح أسعار التجار في الداخل، ما يعني تخفيض هوامش أرباحهم، لصالح زيادة دخل الفلاحين، ولصالح تخفيض أسعار الاستهلاك، ما يؤمن دورة (إنتاج- استهلاك) داخلية قابلة للاستمرار والنمو حتى في ظروف الأزمة.

تنويه:

ورد في العدد 725 في مقالة (زيادة تعادل كلفة الغذاء الضروري لأسرة في يوم واحد فقط!) أن ( كتلة كامل مبلغ الزيادة اذا اعتمدنا التصريح الرسمي بوجود 2,5 مليون عامل تصل إلى: 6,3 مليار ليرة تقريبا فقط).

وللتدقيق فإن هذه الكتلة هي عبارة عن حجم الزيادة في شهر واحد فقط، أما الزيادة على مستوى العام فتبلغ 75,6 مليار ليرة سورية. وعليه إن مناقشة الفكرة اللاحقة في المقالة لم تتغير من حيث المبدأ، فتظل  فوائض الموازنة المحتملة فيما لو أخذنا انخفاض حجم الأموال المنفقة على الدعم على المازوت، وأرباح البنزين، والضرائب الممكنة على القطاعات المختلفة كالمصارف والاتصالات وشركات التأمين الخاصة وتجار المستوردات والصيارفة، فإنها ستكون أعلى من كامل حجم الزيادة السنوية البالغ 75,6 مليار ليرة، علماً أن مبلغ الزيادة الكلي لن ينفق هذا العام حيث تم إقرار الزيادة في آخر ثلاث أشهر فقط.