صياماً مقبولاً

صياماً مقبولاً

 

سيتضرع المؤمنون بالتأكيد إلى الله في أنهم أحياء يرزقون، فنعمة الحياة فوق كل النعم، وسيبتهلون له في أن يحفظ ما بقي لهم من مفرداتها، ولكنهم وهم يرفعون أكف الضراعة في أول أيام رمضان سيتذكرون الرزق، والسعي لتحصيله، وضيق الحال، وقلة الحيلة، والغلاء الفاحش، واليد القصيرة، وساعات الصيام الطويلة، والمجهول الذي في علم الغيب فيطلبون من ربهم اللطف بأقدارهم المكتوبة.

يدق رمضان الأبواب، والسوريين على قناعة مؤكدة كسائر المؤمنين أنه شهر رحمة وبركة، ورزقه وفير، لكن واقع الحال أدركوه في السنوات العجاف التي مروا بها، وتيقنوا من أن العطش ليس أقسى ما في الشهر الكريم، وكذلك الجوع لا يكسر الظهر، وإنما العسير الذي لوى أعناقهم هو أنهم وحيدون في صراع هزّ أعمدة بيوتهم من ضيق الحال، والدخل القليل، والنفقات الهائلة.

أبو ابراهيم كما كان يفعل كل عام ذهب إلى السوق، ودخل إلى محل المواد الغذائية، وتحسس بخوف ما في جيبه، ونظر إلى الأسعار التي وضعها البائع، وبحسبة بسيطة وسريعة لا تحرجه قرر أن يشتري للسحور نصف كيلو جبنة (شلش) وكيلو زيتون، وعلبة حلاوة، وعلبة مربى المشمش من ماركة جديدة ليست الأنواع التي يحبها أبناؤه، وعلبة زبدة نباتية لا ترفع الكوليسترول، وكيلو لبن مصفى (لبنة)، وعلبة عصير قمر الدين تبل ريقهم الناشف عند أذان المغرب، وتجعل الصائم يدعو من قلبه (ذهب العطش وابتلت العروق)... إنها الـ 5000 ليرة التي طارت دفعة واحدة، وكانت قبل سنوات ليست بعيدة يشتري بها حاجات الشهر كاملاً.

لن يغامر المواطن العاقل أبو شادي - بلهجته المحببة - بشراء أكثر من كيلو لحم في الشهر، وزوجي دجاج، وقليل من الرقاب والأفخاذ، وهذا مشروعه للإحساس بوجبة الإفطار المميزة، فالأمر كما يقول ليس أكثر من (سوفونير)  تذكار عن أيام خلت، كان فيه لحم الخاروف البلدي يغمر منسف (الفريكة) الذي يتوسط المائدة، وسيوزع بيده الناعمة حبات التمر لكل فرد ثلاث حبات عدلاً وقسطاساً، وكأس واحدة من عصير قمر الدين أو الجلاب وهذا صحي أكثر وفيه أجر من الله.

وبالرغم من كل هذه الشكوى المرة فهي بالتأكيد أهون ممن سيفطر أو يتسحر في الحديقة أو الخيمة أو على الرصيف، ومن المحزونين لموت عزيز... بالتأكيد سيكون بخير من يتبادل مع جيرانه وأحبائه  كل يوم عند الغروب عبارة الرضا... صياماً مقبولاً.