تقاذف اتهامات بين الصيادلة والصحة.. رفع أسعار الأدوية اقترب والمخالفات تنتشر
لم تكن انتشار الأوبئة، وفقدان بعض الأدوية من الأسواق، وشح البدائل، وصعوبة تأمين الأدوية لبعض المناطق الساخنة، المشاكل الوحيدة التي عانى منها قطاع الصحة السوري، خلال الحرب الدائرة في البلاد منذ 5 سنوات. مؤخراً طفت على السطح أحاديث عن دخول أدوية مهربة، وأخرى تطرح دون علم الوزارة في الأسواق، وأنواع تباع في الصيدليات قد تكون قاتلة أو مزورة.
ليس هذا فحسب، فبعض المواطنين، اشتكوا لـ«قاسيون» من ضعف تأثير بعض الأدوية المرخصة رسمياً، وخاصة المهدئات والمسكنات وأدوية «الالتهاب»، وآخرون أكدوا: بأن الأدوية البديلة التي تطرح عوضاً عن أخرى مفقودة، قد لا تكون بالفعالية ذاتها، ما يهدد بعض الأحيان بتفاقم حالة المريض.
ارتفاع نسبة الأدوية المخالفة
رسمياً، ارتفعت نسبة الأدوية المخالفة وفقاً للعينات المسحوبة والمحللة من قبل وزارة الصحة، من 1% قبل الازمة إلى 3% العام الماضي، حيث أكدت الوزارة أن عدد العينات الواردة من معامل الأدوية لتحليلها في مخابر الرقابة الدوائية في الوزارة، خلال العام الماضي بلغت 8200 عينة، تم إعداد تقارير لـ7600 منها حيث كانت 7332 عينة مقبولة و230 عينة مرفوضة، لتكون نسبة الأخطاء في عملية تصنيع الدواء نحو 3 % بعد ما كانت قبل الأزمة 1%، على حد تعبير الوزارة.
ومن ضمن المخالفات هنا، انخفاض تركيز المادة الفعالة دون الحدود المقبولة علمياً، وزيادة المستعمرات الجرثومية، ووجود شوائب ترى بالعين المجردة، وعدم التجانس الفيزيائي لبعض المضغوطات وتخربها، لكن النسبة المعلن عنها تبقى رسمية، بينما يشير الواقع إلى حجم أكبر من ذلك، وخاصة وسط إعلان وزارة الصحة ذاتها: أنها ضبطت 35 صنفاً دوائياً مزوراً خلال الربع الأول من 2015، دون توضيح مصدرها إن كان داخلياً أو مهرباً، ولم توضح أيضاً استعمالات هذه الأدوية ولم تنشر أسماءها.
إضافة إلى ذلك، أكدت وزارة الصحة أن بعض المستحضرات الدوائية تطرح في الأسواق دون الحصول على موافقتها، ولذلك عممت على المديريات كافة، لسحب وإتلاف هذه المستحضرات، وبدورها أكدت مديرية الجمارك ازدياد كميات المواد الأولية لصناعة الأدوية غير النظامية.
كل ما ذكر أعلاه، إضافة إلى ضبط منتج دوائي له تأثير قاتل يدعى Dnp يستخدم كمكمل غذائي للتنحيف، يؤكد فعلاً وجود ضعف الرقابة في سوق الأدوية، ويؤكد أيضاً، انتشار الأدوية ذات الفعالية غير المطلوبة والمخالفة، بنسبة أكبر من المصرح بها رسمياً من قبل الوزارة.
ماذا عن المناطق التي يصعب الوصول إليها؟
معاونة مدير الرقابة الدوائية في وزارة الصحة هالة حداد، أوضحت بتصريحات إذاعية: أن اختلاف فعالية بعض الأدوية قد يكون نتيجة سوء تخزين، إضافة إلى وجود أدوية مهربة ومزورة، ولا يمكن وجود أدوية محلية الصنع غير مراقبة ومرخصة، وكل ما يتم العثور عليه في السوق من أدوية مزورة يجري التعامل معها على أنها مخالفة. لكن ماذا عن المناطق التي يصعب الوصول اليها؟
ونوهت حداد إلى أنه «تم ضبط 35 صنفاً من الأدوية المزورة في السوق المحلية، وهي منوعة بين تزوير لأدوية محلية وأجنبية»، وأضافت «لا يمكن نفي انتشار ورشات تمتهن التزوير في عدة مناطق، خاصة تلك التي يصعب الوصول إليها وذات الحدود المفتوحة مع الدول المجاورة».
وأكدت حداد: إن «المناطق الشمالية من سورية فيها كميات غير معروفة من الأدوية المهربة والمزورة، فضلاً عن أنها تعاني من صعوبة إمكانية إيصال الدواء لها، ما يخلق نقصاً في بعض الأوقات، ويتم الاعتماد على النقل الجوي لإيصال الدواء إليها حسب الطلبيات».
ويبرر بعض الصيادلة، بيعهم الأدوية المهربة، ولجوء بعض معامل الأدوية للمواد الأولية المهربة أيضاً، بالقيود والروتين الذي تفرضه وزارة الصحة على عملية الاستيراد بشكل نظامي، إضافة إلى فقدان بعض أصناف الدواء من الأسواق، دون تأمين بديل لها بشكل فوري، ما يجعلهم مضطرين للجوء إلى المصادر الأخرى.
الوزارة تسحب بساط النقابة
وفي سياق آخر، برزت معالم خلاف واضح ما بين نقابة الصيادلة السورية، وبين وزارة الصحة، تحمل في طياتها الكثير من الأمور أهمها ضعف التنسيق بين الجانبين في عدة قضايا.
الخلاف بدأ في اتهام النقابة للوزارة، بأنها تنفرد بقضية تسعير الأدوية الوطنية، وأنها تعمل على إقصاء دور النقابة بهذا الصدد، حيث طالب نقيب صيادلة سورية محمود الحسن بتصريحات صحفية، وزارة الصحة بضرورة أن يكون للنقابة دور في تسعير الأدوية الوطنية، وألا تتفرد بالتسعير باعتبار أن ذلك يؤثر سلباً على هذه الصناعة، مشيراً إلى أن النقابة هي المعنية المباشرة في التسعير، على غرار تسعير الأدوية المستوردة والتي يتم تسعيرها من الوزارة والنقابة.
واتهم الحسن الوزارة، بأنها تريد «سحب البساط من النقابة»، بحيث لا يكون لها أي دور في تسعير هذه الصناعة الوطنية، مطالباً برفع سعر الأدوية من جديد بشكل «مدروس وعادل»، وإلا «فإن معظم المعامل قد تعاني من الخسارة المتراكمة، وبالتالي تتوقف عن الإنتاج، ويتم الاعتماد على الأدوية المستوردة بسعر مرتفع».
قريباً... رفع أسعار الأدوية
وفي سياق آخر، أكد مصدر في وزارة الصحة لـ«قاسيون» أنه هناك دراسة جدية لرفع أسعار الأدوية من جديد، أو ما يحلو لهم تسميته بـ«تعديل أسعار الأدوية لتتناسب مع الواقع، وتحقيق مصلحة المنتج والمستهلك».
المصدر ذاته أكد لـ«قاسيون» أن نقابة الصيادلة ليس لها أي مندوب فعلاً في لجنة تسعير الأدوية، بحجة أن «موضوع التسعير من اختصاص الوزارة فقط»، ويأتي هذا التأكيد بعد نفي الوزارة سابقاً، في إحدى الصحف المحلية نيتها رفع الأسعار، وعدم مشاركة النقابة في عملية التسعير.
معامل الأدوية إلى الخارج!
وأشار أمين سر نقابة صيادلة سورية، طلال عجلاني إلى أن الكلف الإنتاجية زادت كثيراً على معامل الأدوية، ما دفعها إلى تصدير جزء من الأدوية للخارج وتعويض الخسارة، وهذا ماقد يسبب فقدان أو نقص بعض الأدوية في السوق السورية، وتابع «جميع معامل الأدوية حالياً تخسر».
وأكد عجلاني وجود نقص في الأدوية ضمن بعض المحافظات، قائلاً: «المحافظات تتباين في وضعها الدوائي، فهناك صعوبة في نقل الدواء لمحافظة دير الزور والحسكة والقامشلي، بينما لا توجد مشكلة نقص أدوية في حلب بسبب تركز معامل الدواء فيها» على حد تعبيره.
هل توقف معمل «تاميوكو»؟
الحسن لم يتوقف هنا، وتابع إطلاق الاتهامات، قائلاً: «المعامل المنتجة للأدوية حالياً جميعها من القطاع الخاص، باعتبار أن معمل الأدوية الحكومي شبه معطل، ولذلك فإنه لابد من وضع تسعيرة تتناسب مع هذا الواقع».
وبدوره، قال مصدر في النقابة لـ«قاسيون»: إن «المعامل الحكومية متوقفة نهائياً، وأن معمل تاميكو لا يصنع سوى أشكال الأدوية كالكبسولات والمضغوطات، بينما ينحصر المعمل الحكومي الآخر التابع لوزارة الدفاع، بإنتاج أدوية قطاع الجيش».
لكن معاونة مدير الرقابة الدوائية في وزارة الصحة هالة حداد، نفت تصريحات نقابة صيادلة سورية السابق، مؤكدةً أن المعمل الحكومي «تاميكو» مازال يعمل وينتج عدة أصناف من الأدوية.