من الذاكرة: بحياتك يا ولدي..
بعض مما تعلمناه في مدرسة الحزب منذ انتظامنا في صفوفه، ومعروف للجميع أن هذه المدرسة بجدارة هي واحدة من المدارس الوطنية الأساسية في سورية البطلة، لقد تعلمنا فيها كل ما عبر عنه شاعر تونس الخضراء أبو القاسم الشابي بقوله:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
تعلمنا ضرورة النضال في سبيل تلاحم كل المواطنين السوريين في معركة الوطن ضد جميع أعدائه في الخارج والداخل من المستعمرين والصهاينة والظلاميين والمستغلين واللصوص والفاسدين بشتى أشكالهم وتلاوينهم، وهم في الواقع كلّ واحد متكامل لا انفصام بينهم، وهم جميعاً يتنفسون من «رئة» واحدة هي رئة العدو الطبقي لسائر شعوب الأرض ومنها بالطبع شعب سورية الغالية.
في بداية ستينيات القون العشرين اشتد سعار الأعداء ووطأة الهجمة الاستعمارية الصهيونية الرجعية على بلادنا من الخارج ومن الداخل، وقد كتبت حينها مقالة عن الشاعر نزار قباني - ومع الاعتراف بمكانته الشعرية المرموقة ودفق فيض عاطفته نحو المرأة – ثم أعدت صياغة المقالة وجعلتها رسالة بعثت بها إليه تحت عنوان «كلمات إلى نزار» وأذكر أني قلت في مقدمتها:
«يوم كنت معروفاً لشارع البرلمان، أذهب إلى مدرستي «التجهيز» وأعود منهاـ عرفت أسمك، بل رأيته يتصدر واجهات المكتبات، فمددت بيني وبينك خيطاً متواضعاً، ما لبث أن اشتد وتقوى تماسكه، وأخذت أسأل عنك دائما لأتابع أمسياتك الشعرية، وأراك شامخاً على منصة المركز الثقافي، وقتها لم أكن أدري بوضوح ما يجري على ساحة الوطن، وعندما بدأت أدرك حقيقة الصراع وأطرافه، ومما تعلمته في مدرسة الحزب، عرفت موقعي في صف الوطنيين، صف الكادحين ضد كل أعدائهم»
ثم أسهبت في وصف الواقع الراهن –حينها- كما يراه حزبنا، ومن «فهمي» لدور الشعراء في معركة شعبهم في سبيل الحفاظ على الاستقلال الوطني ناجزاً وكاملاً، وفي سبيل البسمة للأطفال والعيش الكريم العيش للجماهير الشعبية كلها.
وقد أنهيت الرسالة بالقول:
«أيها الشاعر الجوال في العواصم والأمصار، إن صدقك حين قلت: وجع الحرف رائع أو تشكو للبساتين وردة حمراء.
صدقك هذا يناديك قائلاً: أيها الشاعر المجيد أتدري أن إخوتك الوطنيين السوريين الذين يعطون الحرية حباتهم يسألون:
أين أين نزار؟!.»
واليوم وبعد أكثر من نصف قرن، تبقى تلك الدعوة – بل الصرخة مدوية تنادي كل الوطنيين الذين يعز عليهم وطنهم وشعبهم أن هبوا دفاعاً عن الوطن، أبشع جريمة ترتكب بحق سورية الحبيبة.