الخليوي: آثار سلبية اقتصادية - اجتماعية لهيمنة قطاع خدمي!
عيسى المهنا عيسى المهنا

الخليوي: آثار سلبية اقتصادية - اجتماعية لهيمنة قطاع خدمي!

 

كان أثر قطاع الخليوي واضحاً وفعالاً في الاقتصاد السوري منذ لحظاته الأولى في السوق السورية، ورغم الخدمات الكبيرة التي قدمها القطاع، والتي تعتبر حقاً عاماً ومؤشراً تنموياً وحاجة موضوعية لتطور السوريين وتسهيل حياتهم. 

إلا أن طريقة الاستثمار في قطاع الاتصالات عامة والخليوي خاصة كقطاع اقتصادي كان له أثر سلبي على الاقتصاد الوطني، بدا ملموساً ومؤثراً خلال العقديين الماضيين وذلك في الاتجاهات التالية:

أولاً: تغير حاد في طبيعة إنفاق الأسرة السورية حيث لم يتم تأمين هذه الخدمات بأسعار تناسب دخول السوريين المنخفضة، وتتناسب مع التكاليف المنخفضة في هذا القطاع، ويقدر أن نسبة 10,6% من إنفاق الأسرة الإجمالي يستهلك لصالح الخدمات الخليوية على حساب القطاعات الأخرى.

ثانياً: ازداد الإنفاق السوري على حيازة الأجهزة الخليوية المستوردة، وهو عملياً إنفاق جزء هام من الدخل السوري على بضائع أجنبية خارجية مسعّرة بالعملات الأجنبية، أي يمكن اعتباره خروجاً لكميات عمل من سورية محسوبة بالدولار واليورو إلى الخارج، بسبب حيازة الأجهزة الخليوية المستوردة.

تقدر الكتلة النقدية لاستهلاك أجهزة الخليوي خلال فترة ممتدة من عام 2000 إلى الآن حوالي 3,06 مليار دولار (باعتبار عدد الأجهزة التقديري التي استخدمها السوريين خلال الفترة 30 مليون جهاز خليوي بسعر وسطي 102 دولار أمريكي للجهاز).

إن نسب الاستهلاك، وأرقام الأجهزة، مع كتلة الاستثمار والعوائد والأرباح الناجمة عنها،  تشير إلى الخلل المتمثل بزيادة حصة قطاع الاتصالات من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2000 حتى الآن وهذا يأتي على حساب القطاعات الإنتاجية الأخرى، ليساهم قطاع الخليوي في تغير بنية الاقتصاد السوري نحو مساهمة كبيرة للخدمات.

زيادة الأسعار تزيد الاختلال

الاختلال الناجم عن تركيز كتلة نقدية كبيرة من الاستثمار السوري والاستهلاك السوري في قطاع الاتصالات الخليوية، ترافق مع مساهمته في خلق  فرص عمل ضمن الشركات وفي عمليات الصيانة والبرمجيات، والبيع، والتي كانت تحقق توزاناً نسبياً يخفف من الأثر السلبي لسحب كتلة نقدية من الإنتاج إلى قطاع خدمي وحيد.

ولكن زيادات الأسعار المتتالية وصولاً إلى زيادة الأسعار الأخيرة مع بداية شهر نيسان 2015، كانت ولا زالت تساهم في اختلال هذا التوازن، وزيادة التشوه الذي يساهم به هذا القطاع في بنية الاقتصاد السوري، وتحديداً في الظروف الحالية التي تتطلب أعلى مستوى من تعبئة الموارد وإدارتها.

فزيادة أسعار الخليوي هو اقتطاع جديد من دخل الأسرة لصالح قطاع الخليوي أولاً، ومن حصة الإنفاق في القطاعات الأخرى ثانياً، وبالتالي إحداث تحول جديد في بنية الاقتصاد الوطني الكلي، بسبب انتقال كتلة نقدية من قطاعات مختلفة إلى قطاع الاتصالات، الذي تمتلك 50% من أرباحه شركتان وقلة من مالكيه وكبار المساهمين فيه، مقابل التراجع العام والكبير بالدخل.

نتائج لتركز الاستثمار في الخدمات

إن سحب كتلة نقدية لصالح قطاع دون توزيعها بشكل متوازن أو إنفاقها على قطاعات أخرى أكثر أهمية في الظرف الحالي، يؤدي لتمركز النقد وأرباحه بمجال محدد وبيد قلة، وهو ما سيؤدي لإعاقة عملية التنمية الذاتية للاقتصاد، وخاصة المشاريع الصغيرة التي سادت في الأزمة ودعمت بوضوح اقتصاد الأسرة البسيط.

يضاف إلى ذلك، أن طبيعة قطاع الاتصالات وسرعة الاستثمار والإنفاق فيه تؤدي إلى زيادة  في سرعة دوران النقد الناتج عن إخراج كتلة نقدية بعشرات المليارات من سوق الإنتاج، وإدخالها في قطاع خدمي، وهذا بدوره سيؤدي لرفع أسعار الصرف بطريقة غير مباشرة في السوق المحلية، وارتفاع مستويات الأسعار معها.

كما أن ارتفاع الأسعار للخليوي وغيرها، سيؤدي إلى التهام الزيادات الواهية في الأجور، التي من المفترض أن تدعم بقاء المواطن وثباته، بعد ما تعرض له خلال الحرب من خلخلة في استقراره الاجتماعي الهش أساساً (فرواتب الموظفين السوريين إذا انطلقنا من قياسها بالليرات الذهبية، كانت تتراوح بين ليرة ذهبية واحدة وصولاً إلى ليرتين ونصف (عيار 21 وزن 8 غرام) ووصل اليوم إلى أقل من نصف ليرة ذهبية بكثير.

إن توقف عملية التنمية في سورية، والتي ساهم هذا الاختلال الاستثماري فيها، أدت إلى رفع نسب البطالة بين حملة الشهادات العلمية فئة مهنيين ومتخصصين، وانخفاضها بين العمال عموماً  وغير المهرة خصوصاً، وتفاقمت هذه الظاهرة مع اقتصاد الحرب الذي نشأ في الأزمة وهو ما دفع فئات واسعة من الفئة المهنية إلى مغادرة البلاد، بعد خسارتها فرصة العمل، أو بسبب عدم شعورها بالأمان والاستقرار، والذي يعتبر الاستقرار المادي أحد أهم محدداته.

أما على مستوى توزيع عوائد الدخل، فقد تسببت خطوة رفع الأسعار بمزيد من توسيع الخلل بين الأجور الأرباح، الذي وصل قبل الأزمة إلى 25% أجور مقابل 75% أرباح مضيفاً حصة قدرها 21 مليار ليرة لصالح الأرباح.

العشوائية وغياب الدراسة الموضوعية

إن غياب رأي خبراء الاقتصاد الكلي في الجامعات والمؤسسات الحكومية، وغياب أية دراسة علمية أو تحليل دقيق لواقع السوق السورية، ولمثل هذه الخطوة الحساسة في ظرف استثنائي، سيساهم حكما بخلل بنيوي جديد في الاقتصاد السوري.

وبالتالي لابد من معادلة رياضية قياسية تحدد دور الخليوي كعامل أساسي في إنفاق الأسرة، وتفعيلها إيجابياً عبر تغير أسعار الدقائق لما يخدم الاقتصاد بشكله الأقصى ولا يكون عائقاً، جابياً للقيم المضافة في الاقتصاد أو للزيادات في الدخول، ليصبح بوابة لثغرات اقتصادية وإدارية، ولاحقاً سياسية.

وهو ما سيكون له أثر سلبي على المستوى الوطني من بوابة الاقتصاد وسوء إدارتها، وربما تواطؤ بعض القائمين عليها. وعلى هذا الأساس يضع هذا القرار كل من أقر الزيادة تحت طائلة المساءلة والمحاسبة القانونية والإدارية، لإغفالهم مخاطر هكذا فعل على المستوى الوطني..

يبقى الخوف الأكبر بزيادات متواترة كل بضعة شهور، بقرار من السلطة التنفيذية، لخدمة أصحاب الشركات وتنفيذ مصالحهم، باسم الشعب ومصالحه العليا... وكل هذا بتخلي سلطات إعلامية عن واجباتها، وغياب سلطات رقابية، ابتلعها الفساد لخدمة مصالح فئات نافذة في سلطة الظل السورية، التي ما زالت صاحبة القول والفعل، رغم ما حل بالبلاد من بلاء حتى هذه اللحظة..

 4 رابحين مقابل أكثر من 100 ألف صاحب أجر!

ستزداد الكتلة الرقمية لكل من الأجور والأرباح في العام القادم، ولكن الخلل في توزيعها سيزداد أيضاً كنتيجة مباشرة لسلسلة ارتفاع الأسعار، التي تنتقل للأرباح، وتقلص القيمة الحقيقية للأجور، ويقدم قطاع الخليوي مثالاً نموذجياً لسوء توزيع زيادات الأرباح مقابل زيادة الأجور الواهية:

ستبلغ حصة شركتي الخليوي من زيادة الأرباح الصافية بعد رفع الأسعار: 

5,5 مليار ل.س يحصل على أكثر من 90% منها 4 أعضاء مجلس إدارة في الشركتين، أي حوالي 4,9 مليار ربحاً إضافياً عن أرباح العام الماضي.

وهي تعادل حصة 114 ألف موظف من زيادة الأجور وفق التعويض المعيشي البالغة 4000 ل.س شهرياً، و48 ألف ل.س للموظف سنوياً.

أي وسطياً مقابل حصة تقارب 1 مليار ل.س ربحاً إضافياً سنوياً لكبار المساهمين في  الشركتين، هناك 48 ألف ل.س أجر إضافي سنوي للموظف السوري فقط.

أي الربح الإضافي خلال عام لعضو مجلس إدارة في إحدى الشركتين، يعادل الأجر الإضافي من تعويض المعيشة لأكثر من 20 ألف موظف سوري خلال عام.

 

3 مليار دولار (موبايلات)

يبلغ تقدير الكتلة النقدية المنفقة على استهلاك أجهزة الخليوي المستوردة في سورية منذ عام 2000 حتى اليوم 3,06 مليار دولار بناء على تقدير 30 مليون جهاز بسعر وسطي 102 دولار.

11700 ل.س (حكي)

كل خط خليوي سيدفع وسطياً لمصلحة إيرادات شركتي الخليوي المشغلتين 11700 ل.س سنوياً، حيث تقدر مجمل الإيرادات بـ 140 مليار ل.س في عام 2014، وعدد الخطوط 12 مليون.

10% إنفاق

تستهلك تكلفة الخليوي من إنفاق الأسرة نسبة 10% بالحدود الدنيا من الإنفاق، حيث تعتبر تكاليف الخليوي والإنترنت في سورية أعلى تكاليفاً قياساً بالأجر وبالمقارنة مع الدول العربية المجاورة.

5.5 مليار ربح

إن زيادة أسعار الخليوي بنسبة 20% وهي الحد الأدنى للزيادة تؤدي إلى زيادة الربح الصافي للشركتين بمقدار 5,5 مليار ل.س، حيث سيدفع كل مستخدم خليوي أي 12 مليون سوري: 460 ل.س سنوياً ربحاً صافياً إضافياً للشركتين، بينما سيزيد إجمالي الربح الصافي عن 33 مليار ل.س.