تحذير
  • JUser: :_load: غير قادر على استدعاء المستخدم برقم التعريف: 177
في غرفة الإنعاش! من يوقف نزيف الكفاءات الطبية؟

في غرفة الإنعاش! من يوقف نزيف الكفاءات الطبية؟

 

تستطيع الحكومات والبشر تعويض الخسارات المادية. كما يمكن إعادة إعمار أي مكان مهما كان حجم الدمار كبيراً. لكن من يستطيع أن يعيد بناء شعب، بناء إنسان تعبت سورية كثيراً حتى أوصلته إلى ما أصبح عليه. عقول بشرية كثيرة خسرتها سورية كل سورية. احتاجت عشرات السنوات حتى بنته. واليوم أصبح مهجراً ولاجئاً.

عشرة آلاف طبيب من أطباء سورية دفعتهم الحرب الدائرة إلى الهجرة وذلك بحسب تصريحات سابقة لنقابة أطباء سورية والتي قدرت نسبة الأطباء المهاجرين إلى الخارج بين 20-30% بينما تقدر نسبة الأطباء الذين غيروا مواقع عملهم بحدود 40% وهذه تعد هجرة داخلية ضمن القطر بين المحافظات، هذا الرقم يبقى غير دقيق في ظل غياب إحصائيات رسمية حقيقية وإنكار الجهات الرسمية لموضوع هجرة الأطباء .

خطف وفدية
يعد الطبيب غنيمة دسمة لعدد كبير من العصابات التي انتشرت في سورية نتيجة الانفلات الأمني الحاصل في بعض مناطق البلاد، وامتهنت الخطف والقتل، مما دفع بعدد كبير من أصحاب الشهادات العليا بالسفر خارج سورية حرصا على أرواحهم وعلى عائلاتهم. 
جواد.ه طبيب أسنان عمره 37 سنة. يقول: تنقلت بين مختلف أحياء مدينة حلب إلى أن أصبح الوضع صعباً جداً وغير قابل للحياة، فتوجهت مع عائلتي للعيش في مدينة اللاذقية، حيث افتتحت عيادة أحد أصدقائي الذين تمكنوا من السفر خارج البلاد. وبعد أكثر من أربعة أشهر كنت أسافر بين دمشق واللاذقية اعترض طريقنا عدد من الشبان ظننا في البداية أنهم حاجز أمني لكنننا اكتشفنا فيما بعد أنهم عصابة تقوم بتوقيف المسافرين وسلبهم أموالهم. ومن سوء حظي وجدوا بين أوراقي بطاقة انتسابي إلى النقابة، فقاموا بحبسي في غرفة منفردة لمدة عشرة أيام حرمت خلالها من التواصل مع أهلي سوى مرة واحدة عندما طلب مني الخاطفون التحدث إلى أهلي كي يطمئنوا علي، ويتابع جواد تعرضت للضرب من قبل عناصر تلك العصابة كما منعوا عني الطعام والماء لساعات طويلة، وبعد عشرين يوماً تمكن أهلي من جمع مبلغ مليون ليرة سورية وهو مبلغ الفدية التي طلبها الخاطفون. يقول جواد: أنا احترقت عيادتي بالكامل وخسرت جميع المعدات كما تدمر منزلي ونزحت مع عائلتي أكثر من مرة ولم تقم أي جهة رسمية بمساعدتنا أو الوقوف إلى جانبنا. أنا اليوم أعمل كي أسدد مبلغ الدين الذي استدانه أهلي كي يعطوه للخاطفين وأنتظر إلى أن تنحل الأزمة الحالية أو أتمكن من السفر خارج سورية كما فعل الكثير من أصدقائي. 
خرج ولم يعد!
مازالت عائلة الطبيب عبد الغني تنتظر عودته إليها بعد أن مر قرابة السنة على خطفه. تقول زوجته الطبيبة ريما: أنا متأكدة من عودة عبد الغني إلينا سالماً، حتى ولو مر أكثر من سنة على غيابه. وتتابع خرج زوجي المختص بالجراحة القلبية كعادته إلى المشفى الذي يعمل به حيث كان يقوم بإجراء العمليات الجراحية صباحاً ويستقبل المرضى في العيادة مساءً. لكنه يومها لم يعد إلى المنزل.تضيف ريما لم يكن زوجي مقتنعا بموضع الانتباه على نفسه وأخذ الحيطة خشية الخطف أو القتل، لكنه تعرض في إحدى المرات لمحاولة سرقة جعلته يحتاط نوعا ما لكنه في احد أيام شهر كانون الأول من العام 2013 خرج  صباحا إلى دوامه ولكنه لم يعد  وعندما حاولنا الاتصال به كان جواله يعطي إشارة المغلق. وبعد ثلاثة أيام تلقيت اتصال على هاتفي المحمول من رجل يدَعي أن زوجي لديه وقام بإسماعي تسجيل صوتي لعبد الغني، وطلب منا الخاطف مبلغ مليون و نصف مليون ليرة سورية. تفاوض معه شقيق زوجي وقبل الخاطفون بمبلغ ثماني مئة ألف ليرة سورية. ووضعنا النقود في المكان المطلوب، على أمل أن يطلقوا سراح زوجي لكنهم لم يفعلوا. وبعد مضي عشرة أيام اتصل الخاطفون مرة ثانية وطلبوا مبلغ  مليوني ليرة سورية ورفضوا المساومة. لكننا لم نتمكن من جمع أكثر من مبلغ مليون ليرة ونصف المليون وعندما اتصلوا أخبرتهم بعدم قدرتنا على تأمين المبلغ بشكل كامل ورضوا بالمبلغ واسمعوني تسجيل جديد لصوت زوجي ورفضوا أن أتحدث إليه مباشرة.
قمت بوضع المبلغ في المكان المطلوب. لكنهم لم يطلقوا سراحه. تتابع ريما قمت بتسفير أبنائي خارج سورية خشية أن يكون مصيرهم يشبه مصير والدهم لكني رفضت السفر وفضلت البقاء في منزلي وحيدة رغم الصعاب الكثيرة التي واجهتني، وذلك على أمل أن يجدني زوجي عندما يعود الى المنزل. 
ظروف إنسانية قاهرة
يعلق مازن آرمة على باب منزله مكتوب عليها طبيب داخلية أطفال وإسعافات طارئة. يقول مازن: أنا طبيب اختصاص داخلية وأمارس مهنة الطب منذ أكثر من خمس عشرة سنة. لكني اليوم عدت للدراسة كي أتمكن من معالجة الحالات التي تزور عيادتي، يتابع مازن نزحت أكثر من مرة بين أحياء مدينة دمشق وريفها واستقريت في النهاية في أحد أحياء ريف دمشق، رفضت فتح عيادة جديدة بعد أن احترقت عيادتي القديمة وبقيت أعمل في أحد المشافي لكن الجيران بدأوا بزيارة منزلي كي أعاينهم ثم ازداد عدد المرضى. وبعد أن قمت بجولة في الحي الجديد اكتشفت أنه لم يعد يوجد في الحي سوى أربعة أطباء بعد أن كان هناك عدد كبير منهم، ولاحظت أن الناس يتجهون إلى الصيدلي ليوصف لهم دواء عندما يمرضون. مما دفعني إلى تخصيص غرفة في منزلي كي استقبل فيها المرضى، وإن كانت لا تتمتع بالتجهيزات اللازمة فأنا أستخدم أدوات طبية مستعملة وقديمة. وأنا اليوم أطلع على كتب طب الأطفال كي أساعد أبناء الحي حيث أن العدد الكبير من المرضى هم إما الكبار في السن أو الأطفال. وعن تعرفة الكشفية يقول مازن: أنا أتقاضى مبلغ أربعمائة ليرة سورية عن كل مريض وإذا كانت أوضاعه المادية لا تسمح فأنا لا أتقاضى أي مبلغ. 
تضطر الدكتورة رزان للخروج بنفسها لإعادة تشغيل مولدة الكهرباء التي تمد عيادتها بالكهرباء، كما أنها تعمل على تنظيم دور المريضات. رزان طبيبة نسائية تفتح عيادتها في أحد أحياء ريف دمشق. تقول عدت إلى حيي القديم بعد أن استقرت الأوضاع الأمنية فيه، وذلك بعد أن عاد عدد كبير من الأهالي، كما استقبل الحي عدداً كبيراً من النازحين من الأحياء والمحافظات المجاورة. لكني أعاني من بعد منزلي عن مكان العيادة حيث يستغرق الطريق قرابة الساعة من الوقت كي أصل إلى العيادة، كما أن انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة يؤدي إلى تقديم خدمة ليست جيدة كما يجب. وتضيف رزان عندما عدت وجدت جميع المعدات الكهربائية الحديثة قد نهبت ولم يتبق لدي أي معدات. لذلك اضطررت إلى شراء معدات قديمة ولكن بأسعار مرتفعة.

 نقص لا يؤثر 
 لا تعترف الجهات الطبية المختصة في سوية بالنقص الحاصل بالكوادر الطبية. حيث أكد نقيب أطباء سورية  عبد القادر حسن، في تصريحات صحفية له أنه لا يوجد نقص في عدد الأطباء في المشافي ولم يتأثر الوقع الصحي لأن مؤسساتنا الصحية قائمة ونحن فخورون بكوادرنا الطبية ولاسيما المتميزين وهم كثر، وثانياً عندما يغيب طبيب أو يترك آخر فهناك البديل المتميز وبالكفاءة والخبرة نفسها وبجميع الاختصاصات، وفي السنوات السابقة بنينا مؤسسات صحية عالية المستوى تنافس المؤسسات الصحية في الشرق الأوسط سواء في جراحة القلب أو الجراحات الدقيقة، وتالياً إذا وجد نقص في عدد الأطباء فهذا لا يعني انهيار الخدمات الطبية أو تراجعها. وأضاف: تقدم عدد من الأطباء بطلبات تقاعد مبكر لكن لم يوافق عليها إلا لمن تجاوز السبعين من العمر أو لأسباب صحية كما أن هناك أطباء فقدوا منازلهم وعياداتهم وهددوا بالخطف أو القتل.. وأطباء كثر هم غير موظفين أو متعاقدين مع وزارة الصحة على الرغم من أننا في النقابة طالبنا بتأمين فرص عمل لمثل هؤلاء فمن واجبنا الحفاظ عليهم، لكن لم نر تجاوباً من الوزارة والبعض لجأ إلى البحث عن فرص عمل خارج القطر، ومن سافر خارج سورية ذهب بطريقة قانونية ويبقى العتب الأكبر على كل من ترك العمل لدى الدولة فلا يحسد على موقفه أبداً.
وفي الوقت التي تشير المعلومات الواردة من المناطق الواقعة خارج سيطرة الدولة إلى خلو بعض المدن والبلدات والأحياء من الأطباء كلياً، وغياب أية رعاية صحية، ذكر نقيب أطباء دمشق يوسف أسعد في تصريحات صحفية أنه لا يوجد شيء اسمه «هجرة أطباء» أن النقابة على تواصل دائم مع أغلبية الأطباء خارج البلاد ويقوم العديد منهم ضمن مبادرة «سورية الأم» بتقديم المعونات وإرسال الشحنات الدوائية إلى سورية.