ملامح «أزمة الغاز» تلوح مجدداً في الأفق.. احتكار وخلافات وتلميحات رسمية بتحرير الأسعار
بعد أنباء عن استيلاء تنظيم «الدولة الاسلامية- داعش» الإرهابي على حقلين للغاز في جبل الشاعر بحمص، بدأت ملامح أزمة مادة الغاز تلوح في الأفق، وكالعادة، كانت هذه الأنباء شماعة تجار الأزمة، الذين بدأوا احتكار المادة ورفع أسعارها بحجة نقصانها، واحتمال انقطاعها من السوق.
أزمة الغاز، ليست بجديدة على الشارع السوري، وقد حدثت مراراً خلال الأزمة الحالية، إلا أن نقصان المادة وانقطاعها هذه المرة، قد يعني حدوث كارثة بالنسبة لبعض الأسر السورية، وخاصة مع دخول فصل الشتاء، والاعتماد على الغاز في التدفئة، بعد أن رفعت الحكومة أسعار البنزين والمازوت، رغم شحهما، وأصبحت مادة الغاز البديل الأوفر.
والخطوة الأولى من «السوداء»!
ومن ملامح بداية أزمة الغاز خلال الفترة الأخيرة، كان نقصان الأسطوانات في السوق، والبدء باحتكارها من قبل تجار السوق السوداء، ورفع سعر الأسطوانة تدريجياً حتى وصلت إلى 1700 ليرة سورية في بعض المناطق، وتراوح السعر ارتفاعاً وانخفاضاً في مناطق أخرى، بحجة فقدان المادة بعد سيطرة المسلحين على حقلين للغاز في حمص، وأن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك رفعت السعر نتيجة قلة توفر الغاز.
وبعد انتشار شائعات رفع سعر أسطوانة الغاز رسمياً، وارتفاع سعرها فعلاً في السوق السوداء، نفى وزير النفط والثروة المعدنية، سليمان العباس، أي بحث لرفع سعر أسطوانة الغاز على الصعيد الحكومي، وأكد أن ما يتم تداوله من أحاديث عن رفع مرتقب لسعر أسطوانة الغاز المنزلي والتجاري مع نهاية العام الجاري بمقدار500 ليرة، مجرد شائعات ليس لها أساس من الصحة، علماً ان سعر الأسطوانة في الأسواق ارتفع فعلاً 500 ليرة سورية، وسط صعوبة الحصول عليها من المنافذ الرسمية.
ما بين السطور
وعدا عن نفي وزير النفط لشائعات رفع الأسعار، كان هناك شق مهم في تصريحه، اعتبره البعض بأنه تلميح غير مباشر حول احتمال رفع سعر الغاز قريباً، حيث قال «إنه بعد زيادة سعر مادتي المازوت والبنزين، سوف يلجاً كثير من المواطنين إلى الغاز المنزلي للتدفئة بدلاً من المازوت، وكوقود للسيارات بدلاً من البنزين، نتيجة الفارق السعري بين المواد»، وأكد أن «هذا يتطلب معالجة التشوه في الأسعار والاستخدام غير الصحيح للمشتقات النفطية»، على حد تعبيره.
ووفقاً لما جاء في آخر فقرة بحديث وزير النفط أعلاه، يتضح بأن الحكومة تبحث عن آلية جديدة للحد من استخدام المواطنين للغاز بالتدفئة والنقل، حيث وجدوا سعر الأسطوانة أرخص وأوفر من البنزين والمازوت بعد رفع الأسعار، ومن هنا أخذت الشائعات بعض المصداقية، وفعلاً بدأت توقعات رفع أسعار الغاز تأخذ منحى التأكيد، بأن الحكومة قد تلجأ لرفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي كي لا تكون بديلاً للتدفئة أو النقل، ويكون سعرها متناسباً مع لتر البنزين الذي بلغ سعره مؤخراً 135 ل.س، والمازوت الذي بلغ سعر لتره مؤخراً بعد الرفع 80 ل.س.
نقصان وتناقض وتشكيك
وبعيداً عن ارتفاع سعر أسطوانة الغاز المعبأة في السوق السوداء، وحرمان بعض الأسر منها كوسيلة للتدفئة، كان نقص المادة بشكل عام واضحاً جداً من خلال زيادة ساعات تقنين الكهرباء، لكن وفي السياق ذاته، كان هناك تناقض في التصريحات حول سبب نقصان المادة، جعل المواطنين يشككون في السبب الحقيقي الكامن خلف نقصان الغاز والأزمة التي لم تقع بعد بشكل كامل.
وفي العودة إلى البداية، فقد كان لسيطرة الجماعات المسلحة على حقلين مهمين للغاز في منطقة الشاعر بحمص، أثر كبير على توفر المادة، وقد أكد ذلك بطريقة غير مباشرة، تصريح لوزارة الكهرباء، مبررةً خلاله زيادة ساعات التقنين مؤخراً، بأنه ناجم عن اعتداءات على حقول وأنابيب للغاز، في إشارة غير مباشرة لأحداث الشاعر، كون هذه التصريحات صدرت بالتزامن معها.
تصريح وزارة الكهرباء لم يمر مرور الكرام على وزارة النفط، وكان بمثابة فضح خلافات مستترة بين الطرفين، حيث عقب تصريح وزارة الكهرباء، تصريحاً من المؤسسة العامة للنفط السورية، على لسان مصدر مسؤول فيها، نفى خلاله السبب الذي أعلنته وزارة الكهرباء، ليقول إن «توقف بعض حقول الغاز عن العمل جاء نتيجة أعمال الصيانة فقط».
وتابع المصدر «ما أثير من إشاعات حول توقف حقول الغاز عن الإنتاج هو عار عن الصحة جملة وتفصيلاً، وأن إنتاج سورية من الغاز مازال كما هو دون أن يتعرض لأي نقصان»، مبيّناً أن «حقل الشاعر يبعد عن حقول الشركات الأخرى بما في ذلك شركة حيان والفرقولس وبيترو كندا ما يقارب 60 كيلو متر أي أن هذه الحقول لم تتأثر بالهجمات الإرهابية التي تعرض لها حقل الشاعر»، على حد تعبيره.
الاستيراد وتغطية الطلب!
وفي السياق ذاته، لكن من ناحية أخرى، جاء تصريح لمدير فرع غاز دمشق وريفها، عبد العزيز شيخ علي، ليؤكد وجود خلل بين الطلب على الغاز وبين المتوفر منها، مشيراً بطريقة غير مباشرة إلى عدم كفاية الإنتاج المحلي، حيث أكد مؤخراً على التوجه لاستيراد 3500 طن غاز بما يعادل 350 ألف أسطوانة لرفد الإنتاج وتأمين المادة لمختلف المحافظات.
وأكد شيخ علي، أنه سوف تتم زيادة الإنتاج خلال الأسبوع القادم من مادة الغاز لما يزيد عن الـ35 ألف أسطوانة يومياً بهدف تأمين أي طلب متزايد على المادة، وهنا قد تكون الإشارة واضحة لوجود طلب متزايد على المادة لا يغطيه الإنتاج اليومي.
أكد عبد العزيز حدوث نقصان في مادة الغاز لكن وصفه بـ«العابر فقط» على حد تعبيره، وهذا النقصان وفقاً لما قاله «ناجم عن استهلاك الغاز في التدفئة»، مشيراً إلى أن «كميات الغاز غير كافية 100% وأن الكميات المخصصة للغاز بدمشق 300 طن يومياً، ونسبة الانتاج خلال الأيام القليلة الماضية كانت 50%»، مؤكداً أن «الإنتاج سيزيد خلال اليومين القادمين».
غاز المطاعم مازال متاحاً
وحول قرار منع أصحاب المطاعم من استخدام اسطوانات الغاز المنزلي، وإجبارهم على استخدام الأسطوانات التجارية الكبيرة، والتي أكد أغلب أصحاب الفعاليات التجارية عدم توفرها، قال مدير فرع غاز دمشق وريفها إن «أسطوانات الغاز المخصصة للمطاعم غير متوفرة بشكل كامل، وقد تم توقيف القرار مؤقتاً ريثما يتم تأمين الأسطوانات، حيث سيتم توزيع 500 أسطوانة على المطاعم خلال أيام، و500 أسطوانة أخرى بعد شهر أيضاً».
نصف الحاجة غير مؤمنة
وتابع شيخ علي «حصة دمشق من الغاز مقارنة بالحاجة حوالي 50%، وحصة ريف دمشق من الغاز مقارنة بالحاجة حوالي 50% أيضاً، وقد كانت سابقاً 60%» مشيراً إلى أن «حاجة دمشق وريف دمشق من الغاز في اليوم الواحد هي حوالي 20 ألف أسطوانة لكل محافظة على حدة، يتأمن منها ما بين 12 وحتى 14 ألف اسطوانة» مؤكداً أن «الإنتاج في الأيام القادمة سيكون بين 35 و40 ألف أسطوانة يومياً».
وعن سيطرة المسلحين على حقلي الشاعر في حمص، قال إن «ذلك قد يؤثر على المادة لكن لفترة بسيطة» مشيراً إلى «وصول ناقلة للغاز قريباً إلى سورية، ما يعيد الوضع إلى طبيعته».
وأضاف «لدينا مخزن جيد من الغاز، ونقوم بالإجراءات اللازمة لسحب المادة واستخدامها في وحدات التعبئة لسد أي نقص حاصل، وسوف تعود الأمور إلى سابق عهدها قريباً»، على حد تعبيره.
التبرير وغياب الرقابة
ونفى شيخ علي إصدار سعر جديد لأسطوانة الغاز المعبأة، كاشفاً عن «مشروع قرار لرفع سعر الأسطوانة الفارغة تم إيقافه مؤخراً»، مؤكداً أن سعر أسطوانة الغاز المعبأة هو ما بين 1100 و1200، وكل ماهو أكثر من ذلك يعتبر مخالفاً.
وفي جميع الأحوال، نقصان إنتاج مادة الغاز، هو مولد الفوضى والأزمة دائماً، وسوء التوزيع والاحتكار والتلاعب هي أدوات السوق السوداء الرئيسية لتحول أي انخفاض في الإنتاج، لأزمة فقدان المادة، وفرصة لرفع سعرها بشكل كبير على مرأى من الجهات المعنية وأجهزتها الرقابية وغياب دورها في الحد من السوق السوداء وتجار الأزمة.