أزمة غاز في دمشق.. «محروقات» إلى متى؟!

أزمة غاز في دمشق.. «محروقات» إلى متى؟!

أزمة غاز تطرق أبواب العاصمة دمشق، وريفها مجدداً، مترافقة مع أزمة المازوت التي تتعدى دمشق إلى المحافظات الأخرى متحولة إلى ازمة عامة، وكالعادة الغاز المفقود موجود لدى السوق السوداء، والسعر وصل إلى 2800 ل.س للأسطوانة في تصعيد غير مسبوق.

تقول تصريحات نقابية بأن توقف معمل غاز عدرا هو السبب، إلا أن تواجد المعمل  في منطقة عالية التوتر، جعل الاعتماد عليه كمصدر إنتاج وحيد يغطي حاجات المنطقة الجنوبية، حالة استثنائية، والحالة العامة هي توقفه، بينما يتم الاعتماد على وحدات التعبئة المتنقلة كبديل إنتاجي غير كاف، حيث أدى توقف الشركات الخاصة المتعاقد معها، إلى أزمة كبيرة في بداية العام الحالي 2014.

بكل الاحوال فإن نقص الإنتاج هو مولد الفوضى والازمة، ولكن الثغرات الكبرى في التوزيع، هي اداة السوق السوداء الرئيسية لتحول أي انخفاض في الإنتاج، إلى أزمة فقدان المادة، وفرصة لرفع سعرها بشكل كبير. تتكرر هذه الحالة بشكل دوري عند كل أزمة في توفر المشتقات النفطية والغاز، وتتحول الثغرات إلى قانون في عمل المورد الرئيسي لهذه المواد إلى السوق، أي شركة (محروقات). التي تتحمل مسؤولية كبيرة، في فقدان المواد التي توزعها من السوق النظامية وظهورها في السوق السوداء.. فإلى متى، وما البدائل؟

 

الوحدات.. بديل المعمل!

وحدات تعبئة الغاز المتنقلة كانت الحل البديل مع توقف المعمل، وعدم قدرته على التزويد المستمر للسوق حيث كان ينتج 70 ألف أسطوانة، بينما تبلغ الاستطاعة النظرية لوحدة (القطيفة) على سبيل المثال 15 ألف أسطوانة يومياً، وهي إحدى محطات تعبئة الغاز التي تشغلها محروقات بشكل كامل دون الاستعانة بشركات خاصة. أي أن تأمين حاجة دمشق والمنطقة الجنوبية من الغاز والبالغة 65 ألف أسطوانة يومياً تتطلب 4-5 محطات كمحطة القطيفة تشغلها محروقات بالكامل، إلا أن هذا لم يتم، بل تمت الاستعانة بشركات القطاع الخاص.

 

تذكير ببدايات وحدات التعبئة

تم في عام 2013 الاعتماد على العقود مع شركات لتغطية عجز توفير الغاز خلال الأزمة، وكانت النتيجة عدم وضوح وخلافات واختناقات ودفع قد يكون بالدولار وبتكاليف عقود باهظة.. بعد خلافات ومخالفات من قبل محروقات وأخذ ورد مع وزارة النفط حول الشركة التي سيرسو عليها التعاقد لشراء معدات وحدات تعبئة الغاز الجديدة، تم اختيار الشركة اللبنانية ((GMP.. وتم إنشاء وحدات صغيرة تديرها (محروقات) بالكامل، ومحطات أخرى استطاعتها أكبر في عقود استثمار مع شركات أيضاً في ثلاثة مواقع بدمشق وريفها، وذلك بحسب معلومات حصلت عليها (قاسيون). تم استئجار وحدات غاز متنقلة في منطقــة جمرايا  ومعلومات السعر غير موضحة ولكن مصادر إعلامية تداولت الخبر أشارت إلى أن شركة (آبار) كانت تتقاضى أجور لتعبئة أسطوانة الغاز بالدولار الاميركي وبأسعار تفوق أسعار تعبئتها في لبنان التي تبلغ 30 سنت، إلا أن أجور التعبئة في سورية بدأت بـ 2 دولار للأسطوانة ولم تخفض..!! بينما مصادر أخرى تقول إن أجور التعبئة 43 ل.س..! أما العقـــد مع شركة  (محمد عامـــر الخيمي) في الصبورة كان آخر هذه العقود بتاريخ 29-12-2013 وهو العقد الذي تتهمه الشركات الأخرى بمخالفة شروط الإعلان والعقود وبالتأخر في المباشرة، وبسرقة الدولة السورية وتعبئة الأسطوانات بأوزان أقل مما في العقد وتشير الشركات إلى مخالفات موثقة بضبوط  تموينية، وهذا غير مستبعد، ولكن لم ترد عليه وزارة النفط، التي استخدمت الأسعار المخفضة للعقد مع هذه الشركة كشرط لعمل الشركات الأخرى التي انتهزت ظروف الأزمة وطلبت أجوراً بالدولار، وافقت عليها الوزارة وشركاتها المختصة (محروقات).

بينما لدى محروقات ثلاث وحدات تعبئة فقط تشغلها الشركة العامة، وهي القطيفة- القنيطرة- درعا، وبتصريح سابق للوزير وضح أن استطاعة هذه الوحدات تستطيع أن تصل إلى 26 ألف أسطوانة يومياً (القطيفة 15 ألف أسطوانة باليوم- القنيطرة 2000- درعا 9000)، وهي تشكل نسبة 40% من حاجة المنطقة الجنوبية ككل، إن تم تشغيلها بالمستوى الأعلى المطلوب.

 

فوائض مبيعات الغاز

اعتمدت وزارة النفط وشركة محروقات على التشاركية مع القطاع الخاص، لينتج عنها عدم استقرار في الإنتاج، وارتهان لتكاليف وحدات التعبئة الخاصة التي طلبت تكاليف بالدولار، وارتهان لقدراتها الإنتاجية.  بينما لم يتم الاعتماد على تغطية كامل الاحتياجات بإنشاء محطات تعود للقطاع العام بشكل كامل، حيث كان من الممكن أن تساهم بتوسيع التشغيل العام، وبزيادة عائدات الدولة، وتحديداً إن البيانات من محروقات وضحت أن مبيعات الغاز المنزلي أعلى من المشتريات المرتبطة به، أي أن زيادة عائدات الدولة ستكون محسومة عوضاً عن دفع الأجور للشركات. وهذا ما توضحه بيانات الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات) في عام 2013، وكذلك في الربع الأول من عام 2014.

 

فساد التوزيع

لم تأخذ الأزمة الحالية ضجة إعلامية كسابقتها، التي طالت مناقشة العقود والشركات وطرق الإنتاج. لا شك أن صعوبات الإنتاج في هذه الظروف قد تخلق ثغرات إنتاجية من وقت لآخر، إلا أن ترك ثغرات التوزيع يحول كل نقص في الإنتاج إلى أزمة فقدان المادة، وانتعاش السوق. 

كل أزمة مازوت، أو غاز أو بنزين، توجه وبشكل صارخ أصابع الاتهام إلى (محروقات) الشركة العامة المسؤولة الوحيدة عن توزيع المشتقات النفطية والغاز بأنواعه، والتي للسوق السوداء اليد الطولى في فسادها. فمجرد ظهور المادة المفقودة في السوق السوداء، مقابل فقدانها بشكل عام، يقتضي البحث لدى الموزع الرئيسي لها!. وبالتالي تحميل كل من (محروقات) ووزارة النفط مسؤولياتها.

 

حماية ما تبقى من دور الدولة..

الفساد الذي تمتد يده طويلاً في المنشآت الاقتصادية العامة المسؤولة عن قطاعات هامة كتوزيع المشتقات النفطية، ينهب المال العام في لحظة الأزمة، ويعزز قوة السوق السوداء، وعدا عن هذا وذاك فإنه يؤدي إلى إفشال هذه المؤسسات التي تمثل دور الدولة في توزيع المواد، وتقديم الحجة القوية لخصخصتها ونقل إيراداتها للقطاع الخاص. أي الانتقال من يد للسوق في فساد المؤسسات إلى هيمنة كاملة للسوق على دور توزيع المشتقات! والمطلوب بتر يد السوق ومصالحها الممثلة بفاسدي هذه المؤسسات، حماية لدور الدولة الرئيسي في الحياة الاقتصادية، وتحديداً في ظروف الحرب، لأن هذا ما يحقق ضمانة للحاضر والمستقبل.