العمال الزراعيون.. مائة عام من الاستغلال /2/

العمال الزراعيون.. مائة عام من الاستغلال /2/

انتشرت أخبار الاجتماعات الحاشدة، والإضرابات والعرائض، والرسائل والمذكرات التي كان يشنها العمال الزراعيون في مختلف مناطق سورية، أثناء العهد الديمقراطيّ البرلمانيّ 1954 – 1958 في مختلف الصحف المحلية والعالمية.

وكانت الحركة المطلبية في الريف تتسع أكثر فأكثر منذ انعقاد المؤتمر الأول لشبيبة الأرياف في سورية، بمشاركة عشرات الآلاف من الفلاحين والعمال الزراعيين عام 1954، تحضيراً للاجتماع العالميّ لشبيبة الأرياف الذي دعت إليه الشبيبة الريفية الإيطالية، وانعقد في فيينا أواخر عام 1954، وصار العمال الزراعيون ينتزعون مكسباً وراء آخر توَّج باعتراف القانون بتنظيمهم النقابي عام 1958.

تحطيم الحركة النقابية في الريف

استغل الرأسماليون الزراعيون، والملاكون العقاريون ظروف ملاحقة الشيوعيين أيام حكم الوحدة، وشنوا هجوماً معاكساً على نقابات العمال الزراعيين، وأصبحوا يرافقون دوريات المكتب الثانيّ لكي يدلوهم على الشيوعيين في كل قرية، وبالأخص قادة النقابات، وتم اعتقال قادة نقابة العمال الزراعيين في الجزيرة وحلب، كما استشهد الرفيق جمال جركس رئيس النقابة، ونقيب اتحاد عمال الحسكة تحت التعذيب في السجن عام 1960، وقد أثّرت الاعتقالات على النقابات بشكل كبير طوال حكم الوحدة والانفصال، وتراجع العمل النقابيّ، وانفرط هيكلها التنظيميّ بسبب الضربات التي وجهت لها تباعاً.

لقد ألغى حكم الانفصال، وجود نقابات العمال الزراعيين قانونياً عام 1961، وأعيد الاعتبار لها مرة أخرى بعد صدور قانون الإصلاح الزراعيّ عام 1963، في عهد حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن ثم تم حلّها بشكل نهائيّ بعد صدور قانون التنظيم الفلاحيّ عام 1964، وقد بقيّت نقابات العمال الزراعيين تعمل بشكل سريّ حتى أجهز عليها قانون التنظيم الفلاحيّ الصادر عام 1974، وفقد العمال الزراعيون في الريف السوريّ تنظيمهم النقابي بذلك القانون حتى اليوم.

 

كيف قام اليمين بحل نقابات العمال الزراعيين؟

حين شعرت السلطات «اليمينية» بخطر الحركة النقابية، ولم تنجح الأوساط الرأسمالية الأجنبية، والرجعية الداخلية في كبح جماح الطبقة العاملة بالأساليب الملتوية، عمدت إلى الإرهاب المباشر؛ فعزلت دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، التي كانت تابعة لوزارة الاقتصاد الوطنيّ بأمر من الوزارة؛ الكثير من النقابيين الناشطين عن نقاباتهم، بأوامر إدارية على الرغم من أنهم انتخبوا بصورة شرعية من العمال بحجة عدم توفر السمعة والسيرة الحسنة، ولمَّا أعاد العمال انتخاب النقابيين المبعدين، لجأت السلطات إلى حل النقابات، وقد تم حلّ نقابات عمال الميكانيك في الجزيرة، التي كانت تضم أكثر من عشرة آلاف عامل يعملون على الآلات الزراعية «عمال زراعيون» في أراضيّ الإقطاعيين وكبار الملاكين.

وللتاريخ سنذكر ما كتبه الرفيق «إبراهيم بكري» بعنوان «النضال بين العمال والحركة النقابية» في جريدة الأخبار العدد 543 بتاريخ 27/1/1964، حول نشاط الحزب الشيوعيّ بين صفوف الطبقة العاملة وحركتها النقابية، محتجاً على حل النقابات، واستبعاد الشيوعيين بكل بساطة.

وهكذا وجهت الرجعية ضربة قاصمة إلى ظهر العمال الزراعيين، بقرار حل نقابتهم الأمر الذي كشفهم أمام الخصم الطبقيّ بشكل كامل!!.

 

تراجع حركة العمال الزراعيين 1974 - 2000

استمرَّ الحزب الشيوعيّ السوريّ في دعم حركة العمال الزراعيين، ونضالهم في الريف السوريّ طوال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضيّ، وكانوا يشاركون في المعارك الطبقية في الريف جنباً إلى جنب مع الفلاحين ضد محاولات الملاكين والرأسماليين الزراعيين، الذين كانوا يحاولون طردهم من العمل أو من أجل الأجور وغيرها من القضايا والمطالب.

لكن الطابع العام للحركة كان يتراجع بفعل عوامل متعددة، وأصبح العمال الزراعيون مشتتين سياسياً ونقابياً، ولم يشهد الريف السوريّ طول العقدين الاخيرين في القرن العشرين حركات ونضالات كبيرة في الريف، بل كانت تحدث حركات صغيرة غير مؤثرة، وغير منظمة سرعان ما تختفيّ أمام القوة التي جوبهت بها هذه الحركات.

 

ممارسة شريعة الغاب

لقد عانى العمال الزراعيون من عبودية العمل، إذ أصبح ربُّ العمل يتحكم بساعات العمل وأجور العمال، وعدد الورديات اليومية، ويتم التشغيل دون عقود حتى يتمكن ربّ العمل من طرد العمال في أيّ وقت؛ دون محاسبة، وكانوا محرومين من أيام العطل والتعويضات المختلفة.

في السبعينيات تم تشكيل نقابة عمال التنمية الزراعية، التي ضمت العمال الزراعيين الذين يعملون في القطاع العام، بينما بقيَّ عمال القطاع الخاص يعانون ما يعانونه،  وتركوا على حالهم يتعرضونَ يومياً لآثار شريعة الغاب الممارسة بحقهم، ولم تمارس هذه النقابات أيَ دورٍ في جذب العمال الزراعيين في القطاع إليها، أو تنظيمهم في النقابة، والطامة الكبرى أن النقابة لم تكن تمتلك هذه السياسة، أو تعمل بهذا السياق، بينما شكَّلت أعداد العمال الزراعيين في القطاع الخاص أضعافاً مما هو موجود في القطاع العام، والنتائج والأرقام الحالية خير دليل على ذلك!!.