مشكلتهم الوحيدة: عدم رضا واشنطن ..!

مشكلتهم الوحيدة: عدم رضا واشنطن ..!

«الغرب وأمريكا يحاولون التواصل مع الحكومة السورية من أجل التعاون في إطار مكافحة الإرهاب»، «إنّهم يحاولون الاستفادة من الخبرة النوعية التي اكتسبتها سورية في محاربة الإرهاب»، «أمريكا فهمت أخيراً أن سحرها سينقلب عليها، لذلك فإنها تستيقظ وتعود إلى رشدها سريعاً»..

ترد العبارات السابقة وما يشابهها، على ألسنة عدد من «المتكلمين» بالسياسة على الإعلام الرسمي وشبه الرسمي. ويبدو هذا المنطق، كما لو أنه جزء من «عمل حربي نفسي» يستهدف رفع المعنويات وترويج «انتصار قريب». ولا يتوقف كثيرون جدّياً عند معاني هذا الكلام على اعتبار أن «النيّة صافية»، وأن الإعلامين الرسمي وشبه الرسمي ارتضيا الدخول في لعبة رعاية الوهم المستمرة منذ بداية الأحداث..

قبل البحث في نوايا هؤلاء ونوايا من وراءهم، ينبغي التوقف قليلاً عند الفكرة نفسها. هل «استيقظت أمريكا»؟ وهل «تعض أصابعها ندماً»، وهل «تخاف» من انقلاب سحرها عليها؟؟

 

مؤامرة ولكن..!

إنّ رعاية واشنطن للإرهاب ليست وليدة الأزمة السورية، بل تعود إلى عقود خلت. وإنّ أولئك الذين يصدقون «تخوفاتها» من الإرهاب، يصدقون ضمناً الرواية الأمريكية الرسمية لأحداث 11/9 (القاعدة وبرجي التجارة والبنتاغون)، والتي بنت على أساسها «حربها على الإرهاب»، في أفغانستان ثم العراق.. المفارقة الغريبة هي أنّ جزءاً من المحللين الذين نتحدث عنهم اشتهروا بوصفهم محللين مؤامراتيين من طراز رفيع، فهم يعرفون كيف يصيغون «المؤامرة الكونية» وبطرق متعددة، لكنهم يتحولون إلى أشخاص سذج حين يصل الحديث إلى علاقة أمريكا بالإرهاب.. «أمريكا أم الإرهاب، ولكنها ترتعد الآن خوفاً وتطلب مساعدتنا»! و«أمريكا تدعم داعش، ولكنّها خائفة منها فعناصر هذا التنظيم قد تفلت من السيطرة وتهيم على وجهها باحثة عن القتل في أمريكا وفي الغرب»!! مع أنّ: «هذه الوحوش، ليست سوى أدوات بيد مموليها ومسلحيها ومنظميها، وهي عاجزة عن فعل أي شيء حين تغلق في وجهها حنفيات المعلومات والموارد».. وهكذا ضمن سلسلة من الهذيانات والابتكارات المشتتة والمتناقضة..

 

وراء الأكمة

إذا استثنينا من المحللين إياهم «طيبي النية»، فإنّ بقيتهم ترتكز في «تحليلاتها الفذة» هذه إلى الأفكار البسيطة التالية: «المشكلة في سورية، هي مشكلة في العلاقات مع أمريكا. وبمجرد تصحيح شكل العلاقة مع أمريكا ستختفي الأزمة السورية»، «لا توجد أزمة وطنية عميقة، حجم الفساد طبيعي فكل الدول فاسدة، حجم القمع طبيعي فشعبنا متخلف ولا يفهم إلا بالقمع، الحريات السياسية والأحزاب والديمقراطية ديكور ضروري من أجل علاقة صحية مع الغرب ومع أمريكا». ولا يكتمل هذا المنطق دون إضافات أساسية هي: «الوظيفة المطلوبة من الحلفاء هي مساعدتنا والضغط على أمريكا لتصحح علاقتها معنا»، «الحل السياسي هو الآخر ديكور، وحين تظن روسيا أننا جادون في هذه المسألة فإننا سنتحدث عن السيادة الوطنية ونغني لا أوباما ولا بوتين»، «فيما يخص إعادة الإعمار، سنحاول إدارة الأمور بحيث نبقى بين الشرق والغرب كما كانت الأمور دائماً، لن نغلق الباب على العلاقة مع الدردري ومن يمثلهم الدردري ولن نغلق الباب في وجه الحلفاء».. وهكذا ضمن سلسلة من المواقف الانتهازية المزدوجة التي لا تمثل في نهاية المطاف سوى الفاسدين الكبار الذين لم يقطعوا صلاتهم وعلاقاتهم مع الغرب حتى اللحظة، والذين يرون «الشيطان الأكبر» مجسداً في الحل السياسي وليس في الولايات المتحدة.