بلا صراخ وتلوث طائفي: أسباب كارثة الموصل والحل

بلا صراخ وتلوث طائفي: أسباب كارثة الموصل والحل

هزَّ بلاد الرافدين زلزال احتلال ثاني أكبر مدينة عراقية (الموصل) خلال ساعات معدودة، فوقعت الواقعة على رؤوس الناس، كما تفاجئهم الكوارث الطبيعية وهم نيام. تعالى الصراخ من كل حدب وصوب.

انقسم الجميع، بين متألمٍ مصدوم غير مستوعب لما جرى، وكيف حدث؟ وهم الغالبية العظمى من أبناء الشعب العراقي، ومتشفٍّ فاقد للإحساس الوطني، يشعر بنشوة «الانتصار»، وهم أقلية ناهبة للنفط، بالتخادم مع الشركات الاحتكارية الإمبريالية، إضافة إلى مثقفي الاحتلال الذين يعملون بوظيفة «بوق مدفوع الأجر» لهذا الطرف العنصري أو ذاك الطرف الطائفي. 

كما أن الحرب الطائفية الدائرة في العراق لم تندلع باحتلال الموصل، كما يروج البعض اليوم, بل إنها مندلعة لحظة تشكيل مجلس الحكم سيئ الصيت، على يد بريمير حاكم الاحتلال الأمريكي للعراق. لم يخف العنصريون والطائفيون خططهم المعدة سلفاً للمرحلة الختامية من خطة بايدن، القاضية بتقسيم العراق وفق ما أعلنه الاحتلال في 9 نيسان 2003، من أن العراق يتكون من «الأكراد والشيعة والسنة»، لاغياً وجود الشعب العراقي. فالبارزاني تحرك بسرعة البرق ليحتل كركوك، ومساحة واسعة من أراضي المدن المشابهة لبغداد من حيث تنوع واختلاط انتماءات سكانها القومية والدينية والمذهبية, مثلت عبر التاريخ صورة حضارية رافدية في انتمائها الوطني العراقي, وإعلانه أنه لن ينسحب منها، وكأنها أرض محررة! وهي خطوة تعبر عن حلم / وهم بسقوط الدولة العراقية، وتفتيتها إلى إقطاعيات طائفية اثنية.

يشاركه وهمه هذا القوى «الشيعية» التي أعلنت التعبئة الطائفية لمواجهة التعبئة الطائفية «السنية» المتواصلة على مدى عقد من الزمن، والتي توجت بإعلانها احتلال الموصل، تحريراً من الحكم «الإيراني الصفوي».

من جهته، اتخذ نوري المالكي، بصفته رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، مجموعة من الإجراءات لاستعادة زمام المبادرة, ليس من بينها الإجراء الأهم المطلوب, ألا وهو إعادة الاعتبار لقانون الخدمة الإلزامية، كأساس لبناء الجيش الوطني بالتزامن مع تشكيل حكومة إنقاذ وطني.

أما محافظ الموصل الهارب، فاكتفى بالإعلان بأن تعداد عناصر «داعش» المهاجمين لم يتجاوز الألف، وادعى وجود جماعات معارضة للنظام شاركت في الهجوم, ويعني بها فلول النظام المُعاد إنتاجه عبر الاحتلال.

إن التحرر من «اتفاق المصالح الاستراتيجي» الذي لم يقدم للعراق سوى طائرة أف 16 واحدة منذ توقيعه، وتدخل فظ في شؤونه الداخلية ونهب لثرواته وإسناد لقوى الفساد، شرط أساسي لاستعادة العراق عافيته وحريته واستقلاله، والتوجه شرقاً إلى روسيا والصين هو السبيل لإنجاز هذه المهمة دولياً. وينبغي التخلص من وهم صداقة أمريكا و«ديمقراطيتها»، أو يقظة الحكام العرب، فغالبيتهم أتباع، بل متآمرون .

إن مقياس الوطنية العراقية يتحدد اليوم في استدراك هذا المشهد الكارثي، الذي لو قدر له أن يستمر فلن ينتج سوى الحرب والدماء والدمار، بتحويل العراق والمنطقة إلى مسرح للحروب الأهلية والطائفية والاثنية, لا مجال فيها لأي منتصر سوى مشعلها المستعمر وأتباعه، رغم إعلان أوباما أنه ليس مسؤولاً عنها. 

وإذا كان اليسار العراقي، بكل فصائله، قد حذَّر وعلى مدى سنوات، من التداعيات الكارثية التي تحدق بالوطن والشعب نتيجة استمرار نظام المحاصصة الطائفية الاثنية الفاسد، والتبعية للإمبريالية الأمريكية وارتباط أطراف هذا النظام بالدول الإقليمية المعادية للمصلحة الوطنية العراقية, فلم يرتق دور اليسار أبعد من مستوى الموقف السياسي المعلن، هذا رغم مبدئيته وأهميته, مما يتطلب الانتقال في اللحظة التاريخية الراهنة إلى الفعل النضالي المؤثر، عبر النزول إلى الشارع وتطوير مستوى الحراك الشعبي واحتجاجات عمال النفط، وصولاً إلى التعبئة الشعبية القادرة على إنقاذ الوطن من التمزيق، والشعب من الإبادة

 

*منسق التيار اليساري الوطني العراقي