انتخابات على وقع التفجيرات
آخر الحلول المبتكرة لحل الأزمة في ليبيا هو إجراء الانتخابات البرلمانية، وقد دعي لهذا الغرض نحو1،5 مليون ليبي لاختيار 200 عضو في مجلس النواب، منها 32 مقعداً مخصصة للنساء، من بين 1268 مرشحاً على قاعدة الترشيح الفردي مع استبعاد اللوائح السياسية، ليكون البرلمان الجديد بديلاً للمؤتمر الوطني العام الذي انتخب في عام 2012 كأعلى سلطة سياسية وتشريعية في البلاد.
حسناً فعل الليبيون بالاحتكام الى الانتخابات، وهي الثانية منذ الاطاحة بنظام العقيد معمر القذافي ومقتله في 20 اكتوبر/تشرين الأول عام ،2011 إذ لا أحد يستطيع أن ينكر أن الانتخابات هي مفتاح الديمقراطية للعبور نحو المستقبل . ولكن الديمقراطية يجب ان تتوافر لها شروطها الموضوعية حتى تصبح قابلة للتطبيق، الأمر الذي تفتقده الحالة الليبية مع الأسف . فعن أي ممارسة ديمقراطية يمكن أن نتحدث وهي تتم على وقع التفجيرات والاشتباكات والمعارك الطاحنة التي تندلع هنا وهناك في ظل عدم وجود أفق للخروج من الحالة الأمنية المستعصية في البلاد . وأي ديمقراطية هذه التي يمكن أن تمارس مع غياب الدولة ومؤسساتها بما في ذلك الجيش والقوى الأمنية القادرة على صيانتها وحمايتها من العبث . وما نفع الانتخابات إذا كانت أي من الميليشيات المتصارعة تستطيع في أي وقت اقتحام البرلمان واعتقال نوابه وتعطيله، اللهم إلا إذا كان إجراء هذه الانتخابات مطلباً خارجياً أكثر منه تلبية لحاجة داخلية . وهنا مكمن الخلل .
فإذا كانت ليبيا لا تزال ساحة مفتوحة للصراع بين قوى متقاتلة لها امتدادات خارجية، كان من الأجدر التمهيد لهذه العملية بالبحث عن حلول سياسية مشفوعة بحوار وطني شامل يؤدي إلى مصالحة وطنية، حتى يمكن الاطمئنان، داخلياً وخارجياً، على سلامة العبور بالمرحلة الانتقالية . فليبيا شبه مشلولة بفعل الاحتراب الداخلي، وشبح التقسيم الذي يخيم على مناطق واسعة من البلاد، وغياب حكومة مركزية قادرة على إعادة توحيدها . كما يعرف القاصي والداني أن ليبيا، أصبحت قاعدة لمجموعات إرهابية باتت تهدد دول الجوار، بدءاً من بنغازي وحتى صحراء سيناء، ومن الصحراء الليبية حتى جبل الشعانبي في تونس، وجبال أطلس غرب الجزائر، ناهيك عن النيجر وتشاد في الجنوب الإفريقي، وباتت قوى الارهاب تتمتع بشبكات اتصال ودعم لوجستي واسع، لا شك في أن دول الجوار ستقف في مواجهته بحزم، وهو ما يبقي الباب مفتوحاً أمام التدخل الخارجي ويفاقم الأزمة الأمنية بدلاً من حلها .
وأياً تكن نتائج هذه الانتخابات، فإن مخاطر وأخطاراً عديدة لا تزال تتهدد وجود ليبيا ككيان، ما يفرض على الليبيين الوقوف بجدية امام مشكلاتهم، واذا كان آخر العلاج الكي، كما يقال، فإن الخطوة الأولى تبدأ بإدراك الليبيين لطبيعة التحديات التي يواجهونها، وحاجتهم إلى التوحد في مواجهتها، وهو ما يقتضي المسارعة إلى الحوار والتفاهم والمصالحة الحقيقية ومن ثم التوافق حول خريطة طريق لمستقبل بلادهم، والحل، أولاً واخيراً، يبقى بيد الليبيين أنفسهم .
المصدر: الخليج