الاحتجاجات في لوس أنجلوس: صراع حول سياسات الهجرة
انطلقت احتجاجات واسعة في لوس أنجلوس يوم 6 يونيو/حزيران 2025، رفضًا لمداهمات نفذتها وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، والتي أسفرت عن اعتقال أكثر من 100 شخص بتهم مرتبطة بانتهاك قوانين الهجرة. تصاعدت الاحتجاجات في هذه المدينة، التي تُعد من "مدن الملاذ" وهي المدن التي ترفض التعاون مع السياسات الفيدرالية لترحيل المهاجرين غير النظاميين. جاءت هذه التحركات كرد فعل على سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي أعاد تفعيل خطط الترحيل القسري خلال حملته الانتخابية، مما أدى إلى انتشار الاحتجاجات إلى 37 مدينة أمريكية، منها نيويورك وسياتل.
خلفية الاحتجاجات
تستضيف الولايات المتحدة ما يقرب من 10.5 إلى 11 مليون مهاجر غير نظامي، نصفهم تقريبًا من المكسيك، ويعيش حوالي 2 مليون منهم في كاليفورنيا بسبب قربها الجغرافي ودورها الاقتصادي الكبير في الصناعة والزراعة. يعمل هؤلاء المهاجرون في قطاعات حيوية، غالبًا بأجور منخفضة وظروف عمل صعبة، حيث يستغل بعض أرباب العمل وضعهم القانوني الهش. خلال حملته الانتخابية، وصف ترامب هؤلاء المهاجرين بأنهم "تهديد للهوية القومية"، معلنًا خطته لترحيل 3000 مهاجر يوميًا، مع التركيز على "الأسوأ" منهم، في إشارة إلى من لهم سجلات جنائية.
الأحداث في لوس أنجلوس
بدأت الاحتجاجات في لوس أنجلوس بتجمعات تطالب بالإفراج عن المعتقلين من قبل وكالة الهجرة والجمارك، ثم امتدت إلى مدن أخرى مثل باراماونت وكومبتون. شهدت هذه الاحتجاجات مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، مما دفع ترامب إلى توقيع مذكرة رئاسية لنشر 2000 جندي من الحرس الوطني التابع لولاية كاليفورنيا، دون موافقة حاكم الولاية غافن نيوسوم، مستندًا إلى قانون التمرد. كما أمر بنشر 700 جندي من قوات المشاة البحرية (المارينز)، مما أثار جدلًا دستوريًا حول صلاحيات الرئيس.
الجدل الدستوري
الحرس الوطني، الذي يتبع عادةً لحاكم الولاية، يمكن تحويله إلى قوة فيدرالية في حالات الطوارئ، كما فعل ترامب. ومع ذلك، وصف نيوسوم هذا الإجراء بأنه "انتهاك لسيادة الولاية" و"إساءة استخدام للسلطة"، ورفع دعوى قضائية ضد إدارة ترامب، معتبرًا أن المداهمات تهدف إلى خلق أزمة سياسية. من جانبها، اتهمت عمدة لوس أنجلوس كارين باس إدارة ترامب باستخدام المداهمات كـ"تجربة وطنية" لاختبار حدود التدخل الفيدرالي. أكدت دعمها للحق في التظاهر السلمي، لكنها حثت على تجنب العنف.
أما شرطة لوس أنجلوس، فقد أكد رئيسها جيم ماكدونيل أن الشرطة لن تشارك في عمليات الترحيل أو التحقق من حالة الهجرة، لكنها اضطرت للتعامل مع الاحتجاجات العنيفة، مشيرًا إلى أن التأخيرات في الاستجابة نجمت عن الازدحام المروري وليس تقصيرًا ردا على تقارير اتهمت فيه الشرطة بالتقاعس في قمع المتظاهرين.
تصر إدارة ترامب على وصف الاحتجاجات بأنها "تمرد" و"أعمال عصابات عنيفة"، مع تلميحات من ترامب بأن خصومه السياسيين يدبرونها. لا يمكن تأكيد أو نفي هذه الادعاءات حاليًا، لكن من المرجح أن يستغل خصوم ترامب هذه الأحداث سياسيًا، خاصة في ظل التوترات الداخلية المتفاقمة داخل الإدارة الأمريكية. تتجلى هذه التوترات في الخلافات بين فريق ترامب ورئيس البنك الفيدرالي جيروم باول، والصراعات داخل الفريق نفسه، كما يظهر في الإقالات المتكررة التي يجريها ترامب، بالإضافة إلى التوتر مع شخصيات مثل إيلون ماسك. رغم احتواء هذه الصراعات إلى حد كبير، فإنها تشير إلى أزمة عميقة تهدد استقرار الإدارة.
تصعيد التوترات
في خطوة تصعيدية، هدد نيوسوم بحجب مدفوعات ضرائب الولاية، التي تتجاوز 80 مليار دولار، عن الحكومة الفيدرالية إذا استمرت الأوضاع. واعتبر وزير الخزانة الأمريكية هذا التهديد بمثابة "جريمة تهرب ضريبي"، مما زاد من حدة التوتر بين الولاية والحكومة الفيدرالية.
سياسات الهجرة وتحديات ترامب
في الأشهر الأخيرة، اتخذت إدارة ترامب إجراءات صارمة، شملت ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين وإلغاء برنامج "التنوع والمساواة والشمول" الذي أطلقته إدارة بايدن. مع تزايد الضغط على ترامب لتحقيق وعوده الانتخابية، تصبح مهمة الترحيل الجماعي أكثر تعقيدًا. يتزامن ذلك مع تحديات أخرى، وعدم قدرة ترامب على الوفاء بوعوده الانتخابية مثل انهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وحل الملف النووي الإيراني، والعجز في الميزان التجاري الأمريكي من خلال فرض رسوم جمركية على جميع دول العالم حيث جرى التراجع أو تعليق معظمها. وهنا يبرز نشر قوات الحرس الوطني والمارينز باعتباره اختبارًا لقدرة الإدارة على السيطرة على الاضطرابات الداخلية، وسط توقعات بمزيد من الاحتجاجات في المستقبل.
الخلاصة
تشهد لوس أنجلوس ومدن أمريكية أخرى احتجاجات واسعة تعكس الانقسام العميق حول العديد من الملفات وإن كان أبرزها سياسات الهجرة. بينما تتمسك إدارة ترامب بسياسات الترحيل الصارمة، تواجه معارضة قوية من الولايات والمجتمعات المحلية، مما ينذر بتصاعد التوترات السياسية والاجتماعية في الفترة المقبلة.