جديد الرسوم الجمركية: حوار ناعم أم «تراجع على الناعم»؟
سعد خطار سعد خطار

جديد الرسوم الجمركية: حوار ناعم أم «تراجع على الناعم»؟

في تصريح لافت يعكس الكثير من التغيرات تحت السطح، كشف وزير التجارة الأمريكي، هوارد لوتنيك، خلال مقابلة صحفية أن الولايات المتحدة بدأت «محاولات ناعمة» للتواصل مع الصين في ملف الخلافات التجارية، ليس من خلال قنوات دبلوماسية رسمية، بل عبر وسطاء، حيث أكد في مقابلة مع شبكة التلفزيون الأمريكية ABC: «نقوم بمحاولات ناعمة، كما أصفها، من خلال وسطاء».

يحمل هذا التصريح، على بساطته الظاهرة، دلالة واضحة في طياته: تراجع أمريكي حقيقي، واعتراف ضمني بفشل نهج المواجهة المباشرة مع الصين. فما تسميه الإدارة الأمريكية «محاولات ناعمة» للحوار، ما هو في الحقيقة إلا انسحاب وتراجع يحاول أن يحفظ ماء الوجه، بعد اتضاح حجم الخسائر الأمريكية إزاء المواجهة التجارية مع بكين.

حرب الرسوم الجمركية: رصاصة أصابت مطلقها

اتسمت قرارات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالاستعراض والارتجال أكثر من الحكمة والتخطيط. حيث فرض رسوماً جمركية خانقة على المنتجات الصينية، وصلت إلى 145%. 

جاء الرد الصيني سريعاً: فرضت بكين رسوماً جمركية بنسبة 125% على المنتجات الأمريكية، واستهدفت قطاعات مثل الزراعة والطاقة. والضربة الأقوى جاءت بفرض قيود جديدة على تصدير المعادن النادرة والضرورية لصناعة التكنولوجيا والدفاع الأمريكية.

لم تكن هذه الردود مجرد خطوات جوابية، بل كانت جزءاً من استراتيجية صينية مدروسة لتقويض الهيمنة الأمريكية الاقتصادية، والنتائج لم تتأخر. حيث بدأت الشركات الأمريكية تشعر بالضغط إزاء ارتفاع تكاليف الإنتاج، والحملة الإعلامية التي انطلقت في الصين لفضح الأرباح الهائلة التي تكسبها الشركات الغربية من عمليات تصنيع الماركات العالمية في الصين.

أحد المتضررين من إجراءات ترامب، وهو رئيس شركة Learning Resources، ريك وولدينبرغ، وصف الموقف بدقة قائلاً: «إنه يوم القيامة»، متوقعاً أن ترتفع فاتورة الرسوم على شركته من 2.3 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون في عام 2025.

تراجع مغلف بلغة الدبلوماسية

حديث الوزير لوتنيك عن محادثات تُدار عبر وسطاء ليس سوى محاولة يائسة للخروج من المأزق. تدرك الولايات المتحدة أنها لا تستطيع المواجهة العلنية التجارية، ولا تملك القدرة موضوعياً على فرض شروطها، لذلك تلجأ إلى الوسطاء في مسعى للتراجع عن الاندفاعة الأولى وتظهيرها على أنها «مرونة» وجزء مدروس من سياسات ترامب. «الحوار الناعم» في الحقيقة هو تراجع أمريكي مغلّف بلغة دبلوماسية، وهو اعتراف ضمني بالفشل، وانسحاب غير معلن من حرب اقتصادية خاسرة.

ولا ترى الصين بدورها في المحادثات أي أساس لقبول الإملاءات الأمريكية. فاقتصادها أثبت صلابته، والأسواق البديلة توسعت، والتحالفات مع دول الجنوب العالمي أصبحت أكثر رسوخاً من أي وقت مضى.

من فشل الهيمنة العسكرية إلى مأزق الحروب التجارية

من أبرز الدلالات في هذا التحول الأمريكي هو أن واشنطن، التي فشلت في فرض هيمنتها العسكرية، تحاول الآن الحفاظ على موقعها العالمي عبر أدوات اقتصادية — لكن يبدو أن النتائج لم تختلف كثيراً.

في هذا الصدد، ليست تحذيرات منظمة التجارة العالمية بأن الرسوم الأمريكية قد تخفّض نمو التجارة العالمية من 2.7% إلى 0.2% في 2025 مجرد تنبؤات نظرية. بل ترجمة مباشرة لعواقب السياسات الأمريكية العدائية، ليس فقط على الصين، بل على النظام التجاري العالمي ككل وعلى الولايات المتحدة نفسها أولاً.

لم تؤدِّ الحرب التجارية ضد الصين إلى «كبح التنين الصيني»، بل على العكس، دفعت بكين إلى تطوير استراتيجيات استغناء عن الأسواق الأمريكية، وتسريع الاعتماد على الذات والتعاون مع الدول الأخرى.