الجنوب العالمي... والنضال يتوسع، لتدفيع الغرب ثمن استعماره
سلمى عبد الله سلمى عبد الله

الجنوب العالمي... والنضال يتوسع، لتدفيع الغرب ثمن استعماره

خلال الأسبوعين الماضين فقط، أعلنت كل من هاييتي وفنزويلا إصرارهما على تدفيع الاستعمارين السابقين الفرنسي والإسباني أثمان احتلال ونهب هذين البلدين، والتي لا تقتصر على تعويضات مالية، بل معنوية وسياسية أيضاً.

ما أعلنت عنه كل من فنزويلا وهايتي ليس أمراً استثنائياً أو معزولاً، بل هو جزء من مطالبات عالمية واسعة تقوم بها دول من الجنوب العالمي بشكلٍ متواتر ومتصاعد خلال السنوات الأخيرة.

في هذه المادة، نسلط الضوء بشكلٍ مكثفٍ على بعض أشهر الأمثلة على هذه الحملة الشاملة، وهي كالتالي:

 

  • فنزويلا (2023)

في أيلول من العام 2023 طالب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الدول الأوروبية بتقديم تعويضات عن الاستغلال والتدمير الذي لحق بأمريكا اللاتينية ككل خلال فترة الاستعمار الأوروبي، وخاصة الممارسات التي قام بها الاستعمار ضد السكان الأصليين في القارة. وجدد مطالباته هذه يوم 15 من الجاري، داعماً العمل المشترك ضمن القارة بمطالب محددة تجاه إسبانيا، وأخرى تجاه بريطانيا، التي تطالبها دول أمريكا اللاتينية بتعويضات تبدأ من 269 مليار دولار، وذلك فقط عن تجارة العبيد التي قامت بها في القارة.

 

  • هاييتي (2021)

عام 2021 جددت هاييتي مطالباتها لفرنسا بدفع مبلغ 150 مليون فرنك كانت هاييتي قد أرغمت على دفعها لملاك العبيد الفرنسيين كتعويض لهم بعد استقلال هاييتي عام 1804. ونهاية الشهر الماضي جدد رئيس المجلس الرئاسي الانتقالي في هاييتي، إدغار لوبلان فليس، مطالبات هاييتي السابقة، ووضعها ضمن إطار عريض من المطالبات التي تقوم بها القارة بأسرها للتعويض عن التدمير والخراب الذي أحدثه الاستعمار الفرنسي.

 

  • بربادوس (2013)

بربادوس هي إحدى الدول- الجزر، الواقعة في الكاريبي والتي انضمت إلى مجموعة أوسع من دول الكاريبي تحمل مسمى (كاريكوم- CARICOM)، ضمن حملة مشتركة للمطالبة بالتعويضات من الدول الاستعمارية، وخاصة جراء الإبادة الجماعية التي مارستها دول مثل المملكة المتحدة، فرنسا، إسبانيا، هولندا، ضد السكان الأصليين.

  • كينيا (2011-2013)

في عام 2011، رفع قدامى المحاربين الكينيين من حركة الماو ماو دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية بسبب الانتهاكات التي ارتكبت في حقبة الاستعمار أثناء انتفاضة الماو ماو (1952-1960). وفي عام 2013، توصلت الحكومة البريطانية إلى تسوية للقضية ووافقت على دفع 19.9 مليون جنيه إسترليني كتعويضات لأكثر من 5000 كيني عانوا من الانتهاكات في ظل الحكم الاستعماري البريطاني.

 

  • الهند (2015)

في عام 2015، ألقى السياسي والمؤلف الهندي شاشي ثارور خطاباً حظِيَ بتغطية إعلامية واسعة النطاق في جامعة أكسفورد، مطالباً بتعويضات من بريطانيا عن استغلالها للهند في الحقبة الاستعمارية. وأعاد هذا الخطاب إشعال النقاش حول مسؤولية بريطانيا عن الدمار الاقتصادي الناجم عن سياساتها الاستعمارية، بما في ذلك استخراج الموارد والمجاعة التي ضربت البنغال في عام 1943. وتقدر دراسات حديثة أن قيمة النهب الاستعماري البريطاني من الهند تتجاوز 45 ترليون دولار عبر 200 عامٍ من الاستعمار.

 

  • ناميبيا (2015-2021)

تسعى ناميبيا إلى الحصول على تعويضات من ألمانيا عن الإبادة الجماعية لشعبي هيريرو وناما منذ عام 2015. وفي أيار 2021، وبعد عدة سنوات من المفاوضات، اعترفت ألمانيا رسمياً بالإبادة الجماعية ووافقت على دفع 1.1 مليار يورو في شكل مساعدات إنمائية، وهو الأمر الذي اعتبر إهانة أكثر منه اعتذاراً في أوساطٍ واسعة ضمن ناميبيا، ما أدى إلى تجدد المطالبات وتعمقها.

 

  • الجزائر (2020)

طالبت الجزائر بشكلٍ متكرر فرنسا بتحمل المسؤولية الكاملة عن الجرائم التي ارتكبتها خلال حكمها الاستعماري للجزائر (1830-1962)، وخاصة خلال حرب الاستقلال الجزائرية. وفي عام 2020، لجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحت ضغط الحاجة السياسية لبعض الخطوات الشكلية نحو الاعتراف بهذه الجرائم، بما في ذلك الاعتراف بقتل الوطني الجزائري علي بو منجل في عام 1957، والتي لم ترتق إلى الحد الأدنى من الاعتراف والتعويضات التي تطالب بها الجزائر، ما نتج عنه مواصلة الجزائر عملية الضغط باتجاه تحقيق المطالب كاملة.

 

  • الكونغو (2019)

في عام 2019، جدد ناشطون ومؤرخون من الكونغو دعواتهم إلى بلجيكا لدفع تعويضات عن الفظائع التي ارتكبت خلال حكم الملك ليوبولد الثاني لدولة الكونغو الحرة (1885-1908) والفترة الاستعمارية الأوسع نطاقاً. كان الحكم الاستعماري البلجيكي مسؤولاً عن ملايين الوفيات واستغلال الموارد الطبيعية للكونغو. وفي حين اعترفت بلجيكا ببعض هذه الجرائم، لم تكن هناك أي خطوة رسمية نحو التعويضات.

 

  • جنوب إفريقيا (2018)

في عام 2018، دعا ناشطون من جنوب أفريقيا الحكومة البريطانية إلى التعويض عن الأضرار التي سببتها الإمبريالية البريطانية ونظام الفصل العنصري، الذي كان متجذراً بعمق في سياسات الحقبة الاستعمارية. وشملت المطالب التعويض عن الأراضي والثروات المعدنية المسروقة، فضلاً عن الدور الذي لعبته بريطانيا في دعم سياسات الفصل العنصري.

 

  • جامايكا (2015)

في عام 2015، طالبت جامايكا رسمياً بتعويضات من المملكة المتحدة عن الفظائع التي ارتكبت أثناء تجارة الرقيق عبر الأطلسي. وأكد زعماء جامايكا، بمن فيهم رئيسة الوزراء آنذاك بورشيا سيمبسون ميلر، على الحاجة إلى تعويضات مالية لمعالجة الأضرار الاقتصادية والاجتماعية الدائمة الناجمة عن العبودية.

 

  • سورينام (2021)

عام 2021، انضمت سورينام إلى جهود التعويضات التي تبذلها مجموعة الكاريبي، مطالبة بتعويضات من هولندا عن الماضي الاستعماري للبلاد، والذي شمل العبودية واستغلال السكان الأصليين. وأكد رئيس سورينام على الحاجة إلى العدالة التاريخية.

 

  • غانا (2018)

عام 2018، خلال الذكرى السنوية الأربعمائة لبدء تجارة الرقيق عبر الأطلسي، دعا رئيس غانا، نانا أكوفو أدو، القوى الاستعمارية السابقة، وخاصة المملكة المتحدة، إلى تقديم تعويضات عن أهوال العبودية. وأكد أنه في حين لا يزال أحفاد الأفارقة المستعبدين يواجهون تحديات اجتماعية واقتصادية، فقد أصبحت القوى الاستعمارية السابقة ثرية على حساب عمالة العبيد.

 

  • ماليزيا (2019)

في عام 2019، أثارت ماليزيا قضية التعويضات من المملكة المتحدة عن الفظائع التي ارتكبت خلال حالة الطوارئ الملايوية (1948-1960)، عندما قمعت القوات البريطانية المتمردين الشيوعيين بعنف. وسلط القادة الماليزيون، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، الضوء على التكلفة الاقتصادية والبشرية للحكم الاستعماري البريطاني ودعوا إلى التعويضات. أدى قمع التمرد إلى مقتل الآلاف واعتقالات جماعية ضمن معسكرات اعتقال ضمت قرابة 400 ألف من سكان البلاد.

 

  • موريشيوس (2021)

في عام 2021، جددت موريشيوس مطالبتها باستعادة أرخبيل تشاغوس، الذي فصلته عنها المملكة المتحدة خلال عملية إنهاء الاستعمار في الستينيات. احتفظت المملكة المتحدة بالسيطرة على الجزر وأجّرتها للولايات المتحدة لأغراض عسكرية، مما أدى إلى تهجير شعب تشاغوس. دعت موريشيوس إلى تعويض عن النزوح القسري لشعب تشاغوس وعودة السيادة على الجزر. حكمت محكمة العدل الدولية لصالح موريشيوس في عام 2019، ودعمت الأمم المتحدة هذا الطلب، لكن المملكة المتحدة رفضت الامتثال.

 

  • تونس (2018)

عام 2018، طالبت تونس بتعويضات من فرنسا عن الاستغلال الاقتصادي وانتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت أثناء الحكم الاستعماري الفرنسي من عام 1881 إلى عام 1956. وجاءت المطالب كجزء من مطالبات أوسع نطاقاً في تونس بشأن الإرث الاستعماري.

 

  • إثيوبيا (2019)

عام 2019، طالبت إثيوبيا بإعادة القطع الأثرية المسروقة وتعويضات من إيطاليا عن الفظائع التي ارتكبتها أثناء غزوها واحتلالها لإثيوبيا من عام 1935 إلى عام 1941. وقد اشتمل الاحتلال، الذي قاده نظام موسوليني الفاشي، على أعمال عنف واسعة النطاق، بما في ذلك المجازر والعمل القسري واستخدام الأسلحة الكيميائية.

 

  • إندونيسيا (2019)

في عام 2019، جددت إندونيسيا دعواتها ضد هولندا للحصول على تعويضات عن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب الاستقلال الإندونيسية (1945-1949). كانت القوات الهولندية مسؤولة عن الفظائع الواسعة النطاق، بما في ذلك الإعدامات الجماعية والتعذيب وتدمير القرى. في عام 2020، قدمت هولندا اعتذاراً عن العنف لكنها لم تعالج المطالبات بالتعويض بشكل كامل. يواصل الناشطون والسياسيون الإندونيسيون الضغط من أجل الحصول على تعويضات عن المعاناة التي تحملوها خلال الفترة الاستعمارية والنضال من أجل الاستقلال.

 

  • غواتيمالا (2010)

في عام 2010، طالبت غواتيمالا إسبانيا بتعويضات عن استعمار البلاد وسوء معاملة سكانها الأصليين. وسلطت الحكومة الغواتيمالية والجماعات الأصلية الضوء على العمل القسري والتدمير الثقافي واستغلال الموارد الطبيعية التي حدثت أثناء الحكم الإسباني.

 

  • نيجيريا (2020)

في عام 2022، دعت نيجيريا، إلى جانب العديد من البلدان الأفريقية الأخرى، المملكة المتحدة إلى دفع تعويضات عن دورها في تجارة الرقيق عبر الأطلسي. وأشار القادة النيجيريون إلى الآثار الاقتصادية والاجتماعية طويلة الأمد لتجارة الرقيق على المنطقة. وفي حين اعترفت المملكة المتحدة بدورها في تجارة الرقيق، فقد قاومت الدعوات لدفع التعويضات.

 

  • أوغندا (2021)

في عام 2021، طالبت أوغندا بتعويضات من المملكة المتحدة عن الفظائع التي ارتكبت خلال الحكم الاستعماري البريطاني، وخاصة عن القمع العنيف لحركات المقاومة مثل أزمة بوغندا (1953-1955) واستغلال الموارد الطبيعية لأوغندا. ودعا الساسة الأوغنديون وجماعات المجتمع المدني إلى التعويضات، مؤكدين على التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية الدائمة للاستعمار، بما في ذلك نزع ملكية الأراضي والعمل القسري.

 

الأمثلة المعروضة أعلاه، لا تشمل كل المطالبات بطبيعة الحال، إذ تشمل هذه المطالبات عدداً أكبر بكثير من المستعمرات السابقة في كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

 

 

آخر تعديل على الثلاثاء, 15 تشرين1/أكتوير 2024 22:58