افعلْ عكس الغرب تكسب! منتدى (روسيا-العالم الإسلامي) مثالاً
انعقد المنتدى الاقتصادي الدولي الخامس عشر (روسيا - العالم الإسلامي) في قازان عاصمة تتارستان، بتاريخ 17 أيار الجاري، وهي الجمهورية ذات الطابع الإسلامي حتى في عهد الاتحاد السوفييتي. وكرّس منتدى «قازان 2024» لموضوع «البنية التحتية المالية واللوجستية لروسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي». وبلغ عدد المشاركين أكثر من 20 ألف شخص من 87 دولة. ونظّمت أكثر من 150 جلسة بحضور 870 صحافي.
شهد المنتدى بدورته الحالية، التي اختتمت مساء الجمعة 17 أيار الجاري، انعقاد أكثر من 150 جلسة عمل توجت بتوصيات وقرارات من شأنها تعزيز التعاون وتوطيد العلاقات بين الجانبين، إضافة إلى إبرام اتفاقيات شراكة لتجسيد عدة مشاريع هيكلية.
العناية بثقافات الشعوب مقابل العنصرية الغربية
كان واضحاً أنّ المنظّمين الروس للمنتدى هم على درجةٍ عالية من العناية والتقدير لثقافات الشعوب والبلدان التي يريدون تمتين أواصر بلادهم الحضارية والاقتصادية معها. على سبيل المثال حرص الموقع الرسمي لـ «مجموعة الرؤية الاستراتيجية: روسيا-العالم الإسلامي» على ذكر التفاصيل التالية ذات الدلالة:
«بدأت الجلسة العامة بقراءة آية من القرآن الكريم بصوت مفتي تتارستان كامل حضرة ساميغولين. قرأ الآيات الثلاث الأولى من سورة الفتح. يشار إلى أنه خلال العرض على شاشات المسرح، عُرضت على المشاركين في الاجتماع لأول مرة هذه الآيات من المصحف المكتوب (بخط قازان- طبعة قازان)، والذي بدأت كتابته في عام 2022 تكريماً للذكرى 1100 لاعتماد الإسلام في بولغار الفولغا، ولوحظ من على المسرح أن هذا المشروع يوضح أن روسيا جزء كبير من العالم الإسلامي، مع تراث ديني فقهي غني ومدارس علمية فريدة، بما في ذلك فن الخط».
وفي السياق نفسه سجّلت الصحفية السعودية إيمان حمود الشمّري التي حضرت الاجتماع الملحوظة التالية الجديرة بالاهتمام، في مقال لها الثلاثاء 21 أيار في جريدة «الجزيرة» السعودية:
«رافق المنتدى الاقتصادي طوال أيام إقامته، معرضٌ مصاحبٌ لأركانٍ تعرض منتجاتها مثل: (مستحضرات عناية - أجبان - لحوم... وغيرها) وفق ضوابط ومواصفات الشريعة الإسلامية، التي تسهم في دفع سوق الحلال، وتصدّر المنتجات الروسية بأريحية للعالم الإسلامي، حيث في عام 2023، أصبحت روسيا من أوائل البلدان غير الإسلامية التي اعتمدت معاييرها الخاصة للمنتجات الحلال. وفي شهر نوفمبر تم الاعتراف بشهادات الحلال الروسية في دول الخليج، مما ساعد في تسهيل توريد منتجاتها ليس في دول الخليج فقط وإنما أيضاً في آسيا وإفريقيا، حيث شهد حجم التبادل التجاري في السنوات الأخيرة بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي نموّاً كبيراً بلغ 113.3 مليار دولار، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2028، سيصل حجم سوق الحلال إلى أكثر من 11 تريليون دولار».
وهكذا فإنّ من الملحوظ أنّ روسيا تنجز خطوات في تطوير سياسة ودّية واستقطابية مخطَّطة بعناية في علاقاتها الدولية مع بلدان وشعوب العالم عموماً، وشعوب الشرق والعالم الإسلامي خصوصاً، والتي تشكل جغرافياً وسكانياً كتلة بشرية ضخمة ومورداً اقتصادياً وجيواستراتيجياً هامّاً. ولا شكّ بأنّ هذه السياسة التي تبذل روسيا فيها جهوداً دبلوماسية وسياسية واقتصادية في تقديم نفسها بصورة الصديق الذي يحترم ثقافات الشعوب الأخرى ولا يحاول أنْ يفرض عليها قسراً قيماً معيّنة - لا شك بأنّ هذه السياسة يتم استقبالها لدى بلدان «العالم الثالث» وشعوبه استقبالاً إيجابياً متزايداً، ولعلّ وجود النقيض السلبي الغربي الماثل في الذاكرة الجماعية لهذه الشعوب يعزّز بدوره الإيجابية بخصوص «التوجّه شرقاً». حيث لا يمكن إلا أنْ تتم عقد المقارنة الحتمية مع طريقة التعامل الغربية بكل عنجهيتها وعنصريّتها وتعاليها واحتقارها لهذه الشعوب والبلدان، التي لطالما كانت مستعمراتٍ للغرب تاريخياً، فضلاً عن الذاكرة الطازجة والراهنة للاعتداءات والحروب الأمريكية-الأوروبية والصهيونية على هذه البلدان وشعوبها ومقدّراتها وثقافتها، فضلاً عن حالة النقمة تجاه محاولات فرض الإملاءات بذرائع «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» التي لم تكن يوماً أكثر افتضاحاً ونفاقاً مما هو عليه اليوم بعد «زلزال» السابع من أكتوبر في غزة والدعم الإمبريالي السافر من واشنطن ونخب الغرب الفاشية لحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني.
اتفاقيات اقتصادية
خلال الجلسات، ركز المشاركون على أهمية إنشاء هيئة دولية للتنمية الإقليمية تشمل الدول الإسلامية وروسيا، تتكفل بمجال البناء والتخطيط الحضري واستغلال الأراضي وبناء مشاريع عقارية ومدن جديدة بالاعتماد على مؤسسات مشتركة تعمل على تبادل التكنولوجيا والخبرات واليد العاملة.
وأبرز المشاركون أهمية هذه الهيئة في استقطاب الخبراء والمستثمرين لتنفيذ مشاريع كبرى ومواجهة النقص في اليد العاملة، واستخدام أحدث التقنيات والوسائل، مما سيسرع في عملية تنمية الدول في السنوات القادمة.
كما عرف «منتدى قازان 2024» إطلاق عدة مبادرات والاتفاق على جملة من المشاريع بهدف تطوير وتعزيز العلاقات بين روسيا والدول الإسلامية، ولا سيّما في مجالات البنية التحتية واللوجستية والمالية، فضلاً عن التعاون في مجالات السياحة والتكنولوجيا والتعليم العالي والإعلام والثقافة والرياضة.
وفي هذا الإطار، تم التطرق إلى مشروع ممر النقل بين الشمال والجنوب، والذي يعول عليه لنقل بضائع من روسيا وآسيا الوسطى إلى دول الخليج وجنوب شرق آسيا.
وأكد نائب رئيس الوزراء الروسي، مارات خوسنولين، خلال جلسة عامة للمنتدى، أنه تم إحراز تقدم في تنفيذ مشروع الممر اللوجستي بين الشمال والجنوب خلال السنوات القليلة الماضية مع إبرام اتفاقيات مع أذربيجان وإيران لمد خط السكة الحديدية لاحقاً إلى موانئ الخليج العربي.
وأضاف أن حجم التبادل التجاري بين روسيا ودول منظمة التعاون الإسلامي في ارتفاع متواصل حيث زاد بنسبة 30 بالمائة خلال 2023، مع تسجيل ارتفاع أيضاً في تدفقات الحركة السياحية.
كما درس المنتدى مشروع إطلاق إمدادات الفحم والأسمدة من روسيا إلى إيران قبل نهاية السنة الجارية عن طريق السكك الحديدية عبر كازاخستان وتركمانستان، ومشروع آخر يتعلق بمجال السياحة العلاجية بين تركيا وروسيا الذي من المتوقع أن يتجسد خلال السنة المقبلة، حسب تصريحات مسؤولي البلدين.
وعبرت عدة دول مشاركة في هذا المنتدى عن استعدادها لاستقبال مستثمرين من روسيا ومباشرة المحادثات حول إمكانية إزالة العقبات والحواجز الجمركية في المبادلات التجارية البينية وإنشاء نظام تجاري تفضيلي. وبدورهم أشار المسؤولون الروس إلى اعتماد بلادهم العديد من الامتيازات والتسهيلات التي تطمح من خلالها إلى استقطاب حاملي المشاريع.
وبهذا الخصوص، تم تطوير نظام مصرفي «وفقاً للمبادئ الإسلامية»، حيث أعلن ممثلون عن الحكومة الروسية بالمناسبة عن تعميم مبادرات إدراج الخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك الروسية لتتوسع، بعد أن كانت محصورة في بعض المناطق كتتارستان والشيشان وداغستان.