هل تنذر زيارة سوليفان بـ «لا» رابعة لأمريكا؟!
انتهت قبل أيّام زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى المنطقة، الزيارة التي التقى فيها كلّ من السعودية و«إسرائيل». في لقائه مع السعودية بحث سوليفان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما يجري وصفه بالـ «الصيغة شبه النهائية» للاتفاقيّات الاستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة. وبشأن القضيّة الفلسطينية، بحث الطرفان جهود «إيجاد مسار ذي مصداقية نحو حلّ الدولتين، بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة»، بما في ذلك الأوضاع في غزة وضرورة وقف الحرب فيها، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.
ما بعد ذلك وحسبما تحدثت وسائل الإعلام، حمل سوليفان كل ما جعبته، وتوجّه لكيان الاحتلال لإقناعه بتقديم ما تتطلّبه مسألة تطبيع العلاقات مع السعودية و«التفاهم الثنائي» الأمريكي – السعودي. لكن غادر المستشار «إسرائيل» دون التوصل لإجابة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن المقترح الأمريكي المقدّم.
وهنا، نذكّر بأنّ المطلوب من قبل الجانب السعودي فيما يخص الاتفاق الثنائي مع أمريكا والتطبيع مع السعودية هو خطوات جديّة لمصلحة الشعب الفلسطيني، ومسار واضح «لا رجعة عنه» نحو حلّ الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. أي في الجوهر، مازالت السعودية متمسكة بمبادرة السلام العربية لعام 2002.
ما بعد انتهاء الزيارة، وعودة سوليفان إلى دياره، بدأت وسائل الإعلام بالعزف على وتر محدد مفاده أن واشنطن غضبت وخاب أملها من نتنياهو لعدم وجود خطّة لإنهاء الحرب، وهو ما اتفق كثيرون على أنّه كلاماً غير جدّي.. السؤال: لو كان لدى إسرائيل خطّة، هل كانت أمريكا ستوافق عليها؟ ترى من السبب الأساسي بعدم إنهاء الحرب في غزّة حتى الآن؟ ما من شكّ لدى كلّ عاقل أن أمريكا هي السبب.
في هذا السياق، فإنّ ما يتطلّب تسليط الضوء عليه، هو الخلافات الحادّة التي نشأت في مجلس الوزراء الكيان «الكابينيت»، والتي تسرّب منها حديث لـ "يو آف غالانت" مفاده: أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية لا مع حكومة نتنياهو الحالية، ولا مع غيرها، لأن «إسرائيل» لا تتحمل ذلك. كما أشار "غالانت" إلى أن أمريكا تفهم ذلك وتعرف أن مثل هذا الخيار غير عملي حسب تعبيره.
بالمحصلة، يبدو أن أمريكا تحاول إقناع «إسرائيل» بأن تبدي حركة، أو حتى إيحاء حركة فيما يخص مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لتستند إليها وتحاول دفع عملية التفاهم الثنائي الأمريكي – السعودي، لكن هذا لم يحصل حتى اللحظة، والخلافات بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي مازلت قائمة. وليس من المرجح أن تنجح أمريكا في محاولات اللعب لتحقق ما تريد وتفرض توازنات جديدة في المنطقة، فالحديث السعودي واضح، ولن تتقدم السعودية باتجاه التطبيع ما لم يكون موقف الكيان واضح ومرتبط بمسار عملي.
الملفت في الأمر، أن الأحاديث المرتبطة برفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، تصدر من شخصيات معروفة بقربها من الولايات المتحدة الأمريكية بما فيهم "غالانت"، وهذا ما يفتح المجال للتفكير بالموقف الذي يصدر في هذه اللحظات بالضبط بعيداً عن كونه صادراً من «إسرائيل»، أي وضع تساؤل حول دور أمريكا فيه... فهل بدأت أمريكا بالترويج لـ «لا» جديدة تخص قيام الدولة الفلسطينية ضمن سياق الحرب الجارية في غزّة والقضية الفلسطينية عموماً؟
لاءات أمريكا الثلاث واضحة منذ بدء «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر، وهي لا لوقف للنار، ولا للاجتياح البرّي، ولا لتوسيعٍ إقليمي للحرب، وهي تعني فيما تعني تأجيل دفع أثمان الخسارة الأمريكية – الإسرائيلية، بل والأهم من ذلك محاولة إعادة رسم خارطة «الشرق الأوسط» كما قال نتنياهو صراحةً. وهذا عمليّاً ما تسعى إليه أمريكا عبر ضغطها العالي لمحاولة إنجاز تفاهم مع السعودية بأسرع وقت ممكن، لعلّ ذلك يبث الروح باتفاقات التطبيع من جديد، ويعيد ترتيب المنطقة كما يحلو لبلاد العم سام.
حتّى يتقدم التفاهم السعودي – الأمريكي، فإنّ المطلوب سعودياً الاعتراف وقبول قيام دولة فلسطينية، لكن مجرّد نطق الكيان بهذا سيكون إعلاناً عامّاً للخسارة، وبهذا يكون قد انقلب السحر على الساحر كما يقال... ربما هذا أحد أسباب استمرار الخلافات ما بين الجانبين الأمريكي والإسرائيلي رغم جولات بلينكن المكوكية وجولات سوليفان وغيرها...