السودان... ضغوط للمفاوضات ولكن؟
تتعمق الأزمة في السودان أكثر وأكثر بمرور الوقت دون حل، وبعد مرور عامٍ على بدء الصراع بين مجلس السيادة السوداني وقوات الدعم السريع، صدرت تقارير تفيد بحجم الخسائر الإنسانية والمادية الكبيرة التي جرفت البلاد، ووسط ذلك بات يتباين الموقف الدولي أكثر حول كيفية حل الأزمة.
أفادت التقارير الصادرة مؤخراً بعد مرور عام على الحرب بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في السودان أن عدد القتلى بلغ 13 ألفاً والنازحين 10 ملايين، فضلاً عن الدمار الكبير في البنية التحتية وانهيار القطاع الصحي بشكل كامل وفقاً لوزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، مشيراً إلى تدمير أكثر من مئة مستشفى حكومي وخاص. كما بات يعاني السودان من أزمة اقتصادية ومعيشية هائلة.
تدفع هذه الكارثة الإنسانية جميع القوى، محلياً ودولياً، وتضغطها باتجاه حل الأزمة وبالحد الأدنى وقف الصراع المسلح. في الجانب الداخلي، يتشدد طرفا الصراع تجاه مصالح كل منهما، ويرفضان الجلوس على طاولة الحوار مدفوعين بتحريضات إقليمية ودولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وكان من آخر الخطوات الغربية بهذا الخصوص انعقاد مؤتمر باريس حول السودان في 15 نيسان برعاية ومشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وعدد من الدول الإفريقية، بينما لم تُدعَ ولم تشارك به الأطراف السودانية نفسها!
بعد أسبوع من ذلك برز دور روسي بشكل أكبر، حيث عقد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عدة لقاءات واجتماعات مع ممثلين عن مجلس السيادة السوداني، وأصدرت الخارجية الروسية عدة بيانات حول هذا الأمر توضح فيها مواقفها، ليلتقي بوغدانوف مع مدير جهاز الاستخبارات السوداني أحمد إبراهيم فاضل ويبحثا الوضع العسكري والسياسي. ووفقاً لبيان الخارجية الروسية: «تمت مناقشة القضايا الراهنة المتعلقة بمواصلة تطوير العلاقات الودية التقليدية بين روسيا والسودان، بما في ذلك في ضوء الوضع العسكري السياسي القائم في السودان وما حوله».
وبعد أقل من أسبوع التقى نائب وزير الخارجية الروسي برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وصرح أن «مجلس السيادة السوداني» هو السلطة الشرعية الممثلة للشعب السوداني، الخطوة التي اعتبرها البعض تفضيلاً روسياً لطرف من الأطراف، في حين أن التصريح السابق والموقف الروسي عموماً يستند إلى القانون الدولي ومفرداته التي تعتبر مجلس السيادة هو السلطة الشرعية، ومن جهة أخرى فإنّ موسكو تنطلق من فكرة السلطة الشرعية، بصرف النظر عن الجهة الموجودة في
هذه السلطة حالياً، وذلك لتفعيل دورها ووساطتها وفق الأسس الدولية. فضلاً عن ذلك قالت الخارجية الروسية في بيان لها «إنّ الجانب الروسي أكّد دعمه لجهود القيادة السودانية الشرعية الرامية إلى ضمان وحدة السودان وسلامته الإقليمية وسيادته، مشيراً إلى ضرورة حل الأزمة داخلياً [...] وأشارت الوزارة إلى أنه تم تأكيد الحاجة الماسة إلى حل الأزمة العسكرية السياسية الحادة في البلاد من قبل السودانيين أنفسهم دون تدخل خارجي» ويقصد بذلك بالدرجة الأولى والأهم، التدخلات الأمريكية سواء المباشرة أو عبر حلفائها وأدواتها في المنطقة.
ويؤكد البرهان عدم استعداده بدء أية مفاوضات دون وقف الصراع المسلح من جهة، وانسحاب قوات الدعم السريع إلى خارج بعض المدن، من جهة أخرى، كالخرطوم والجنينة وديالا وغيرها وفقاً لمخرجات والتزامات «منبر جدة» على الطرفين.
إشارة البرهان هذه تعكس وجود ضغوط لبدء المفاوضات، ويحاول بذلك انتزاع موقع تفاوضي أكبر بمقابل سيطرة قوات الرد السريع على الخرطوم وغيرها. ويبدو أن ما يجري الآن على المستوى الدولي يمثل محاولة لسحب الملف السوداني من أيدي العبث الغربي نحو تأمين منصة حوار جادة بوساطة روسية تجمع الأطراف السودانية دون تدخلات خارجية بمجرياتها ومخرجاتها.