هل فون دير لاين هي الأفسد في الاتحاد الأوروبي؟
كانت دراسة في العام 2021 قد أكدت في نتائج الاستطلاع الذي أجرته منظمة الشفافية الدولية لتحديد أطر مقياس الفساد العالمي والذي شمل 40 ألف أوروبي أن 62 في المائة منهم يعتقدون أن الفساد الحكومي يمثل مشكلة كبيرة في بلادهم. وخاصة أثناء تفاقم جائحة كوفيد-19.
ورغم النظرة التقليدية التي غالباً ما تنظر إلى الاتحاد الأوروبي على أنه حصن النزاهة، إلا أنه من الواضح أن الحقيقة غير ذلك حتماً وعلى وجه الخصوص في العلاقات بين الأعمال والسياسة.
كما أنه وحسب الاستطلاع فإنه يُنظر إلى أعضاء البرلمان على أنهم "الأكثر فساداً" ، يليهم "رجال الأعمال والمصرفيون والمسؤولون الحكوميون الوطنيون بما في ذلك موظفو مكتب الرئيس ورئيس الوزراء".
ويعد تأسيس هيئة جديدة لمكافحة اختلاس الأموال الأوروبية والفساد والاحتيال ضمن مكتب الادعاء الأوروبي العام في العام 2021 اعترافاً باستفحال الفساد في الاتحاد الأوروبي وهو ما تطلّب أكثر من عقدين من المناقشات والمفاوضات السياسية الصعبة، وتشمل الجرائم التي يلاحقها مكتب الادعاء الأوروبي العام، اختلاس الأموال الأوروبية والفساد والاحتيال عبر الحدود، وخصوصاً مراقبة استخدام 750 مليار يورو أدرجت في خطة التحفيز التي أقرت لمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على التعامل مع التداعيات الاقتصادية للأزمة الصحية، ومن الجدير بالذكر أن الفساد يتركز غالباً في مجالي الصحة والزراعة.
وقد بدأت الفضائح المتعلقة بفساد فترة الكوفيد 19 في الاتحاد الأوروبي تظهر للعلن بعد أن أعلنت سلوفاكيا في نهاية العام الماضي اعتزامها ملاحقة أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، على خلفية شراء لقاحات ضد كوفيد، فقد اكتشف مكتب التدقيق الأعلى في سلوفاكيا، وجود "مخططات غامضة" في عملية شراء اللقاحات وكذلك وجود انتهاكات لاستخدام الأموال من الصندوق العام الأوروبي.
حيث إن المفوضية الأوروبية، وقعت عقداً خلال الوباء مع شركة Pfizer/BioNtech لشراء 900 مليون جرعة مع إلزامية شراء 900 مليون أخرى في المستقبل. وفي الوقت الحالي، تضطر دول الاتحاد الأوروبي إلى شراء كميات إضافية من اللقاح، لم تعد بحاجة إليها.
وبحسب وزارة الصحة السلوفاكية، أنفقت هذه الدولة 240 مليون يورو، ولم يتم استخدام 6 ملايين لقاح، وقد انتهت صلاحية 4.7 مليونات من هذه اللقاحات بالفعل، وهناك كميات إضافية لم تعد بحاجة إليها.
في بداية نيسان الجاري انتقل التحقيق الجنائي للمدعين البلجيكيين ضد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في قضية شراء لقاحات فيروس "كورونا" من شركة "فايزر" إلى مكتب المدعي العام للاتحاد الأوروبي.
ونقلت صحيفة "بوليتيكو" عن مصدر لم يكشف هويته في النيابة العامة في لييج ببلجيكا أن النيابة العامة للاتحاد الأوروبي بدأت منذ عدة أشهر التحقيق في محادثات فون دير لاين مع المدير العام لشركة "فايزر" ألبرت بورلا بشأن شراء لقاحات فيروس "كورونا".
وتحقق هيئات الأمن "بالتدخل في الوظائف الحكومية وحذف الرسائل النصية القصيرة والفساد وتضارب المصالح".
وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب المدعي العام الأوروبي بدأ للمرة الأولى التحقيق ضد رئيسة المفوضية الأوروبية، إلا أن توجيه اتهامات رسمية إليها لم يتم بعد.
كما أفادت الصحيفة بانضمام هنغاريا إلى هذه القضية حيث قدمت شكوى ضد فون دير لاين في محادثات اللقاح.
في البداية تم تقديم هذا الشكوى ضد فون دير لاين من قبل عضو اللوبي البلجيكي فريدريك بالدان الذي اتهم رئيسة المفوضية الأوروبية بإساءة استخدام السلطة والقضاء على الوثائق والفساد. وفيما بعد انضم إلى هذا الشكوى حزب "الوطنيين" الفرنسي.
وتقدمت بولندا بشكوى مماثلة عام 2023 لكنها تنوي سحب شكواها بسبب عدم القدرة على الوصول إلى رسائلها النصية القصيرة مع قيادة شركة "فايزر" بشأن شراء لقاحات فيروس "كورونا". وتقدمت وارسو بشكواها بهذا الشأن في تشرين الثاني الماضي. وأشارت مصادر حكومية بولندية إلى أنه بعد فوز الحكومة "المؤيدة للاتحاد الأوروبي" في الانتخابات التي جرت في ديسمبر الماضي، "تعمل الحكومة الجديدة على سحب بولندا من هذه القضية". أي بعد وصول حكومة رئيس الوزراء دونالد توسك إلى السلطة.
ومنذ بداية عام 2021 أبرمت المفوضية الأوروبية مع 6 شركات غربية سلسلة من العقود لتوريد أكثر من 3 مليارات جرعة من لقاحات فيروس "كورونا" حتى عام 2024.
وتم توقيع العقد الأول مع شركة "فايزر" وقامت فون دير لاين بتنسيق هذا العقد مع إدارة الشركة مباشرة عبر الرسائل النصية القصيرة قبل الانتهاء من التجارب السريرية لهذا اللقاح.
وفي ما بعد رفضت المفوضية الأوروبية نشر هذه المراسلات، مدعية أنها "ضاعت عن طريق الخطأ".
ويبدو أن فساد فون دير لاين متعدد الأوجه، حيث بدأت العديد من القضايا تتكشف الآن، حيث أثار تعيين الألماني ماركوس بيبر مبعوثاً للشركات الصغيرة والمتوسطة في المفوضية الأوروبية ضجة كبيرة، الأمر الذي أثار احتجاجات من أعضاء البرلمان الأوروبي، وجماعات الشفافية ــ بل وحتى كبار المسؤولين داخل المفوضية ذاتها.
وعلق زعيم حزب "الوطنيين" الفرنسي فلوريان فيليبو على مقال نشر في Liberation، في السابع من الشهر الحالي، عن هذا الموضوع، وقال فيليبو على منصة "إكس": "الاتحاد الأوروبي في جوهره نظام فاسد للغاية لأنه يتلقى مبالغ ضخمة من المال، ويتمتع بسلطات هائلة، وليس لديه ضوابط وتوازنات، ولا أي شرعية". وشدد على ضرورة تحقيق العدالة، ودعا فرنسا إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي. وأضاف: "الاتحاد الأوروبي هو النظام الأكثر فساداً في العالم"!
وجاءت هذه التصريحات تعليقاً على مقال لصحيفة Liberation، قالت فيه إنه تم "الإمساك بفون دير لاين متلبسة" بتهمة المحسوبية وتعيين عضو حزبها ماركوس بيبر في منصب مبعوث للشركات الصغيرة والمتوسطة في المفوضية الأوروبية.
وذكرت الصحيفة، أن رئيسة المفوضية الأوروبية أنشأت خصيصاً هذا المنصب براتب 20 ألف يورو شهرياً من أجل تعيين بيبر فيه.
وأشارت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها بترقية أصدقائها، وخاصة الألمان، إلى مناصب عليا في المفوضية.
وعلى مدى العامين الماضيين، انخرط الاتحاد الأوروبي في أحداث تدعو إلى التشكيك في الديمقراطية وسيادة القانون والحقوق الأساسية التي تعتبر مبادئ أساسية في عمل الاتحاد الأوروبي، ففي عام 2022، اتُهم العديد من الأعضاء الحاليين والسابقين في البرلمان الأوروبي بالتورط في فضيحة فساد تتعلق بالنفوذ المالي.
وصادرت الشرطة البلجيكية حوالي 1.5 مليون يورو نقدًا في عشرات من عمليات تفتيش المنازل والمكاتب وصادرت أجهزة كمبيوتر لمنع فقدان الأدلة.
وفي محاولة لتحسين سمعة المؤسسات الأوروبية، اعتمدت المفوضية الأوروبية هيئة أخلاقية مشتركة بين المؤسسات، وستتألف الهيئة الجديدة من ممثلين عن المؤسسات وخمسة خبراء مستقلين، الذين سيتعين عليهم الاتفاق على المعايير التي سيتم تطبيقها قبل الانتخابات الأوروبية في حزيران 2024.
وفي الوقت نفسه، تم اعتماد تعديلات على النظام الداخلي للبرلمان. ومن المثير للسخرية أنه في خطة الإصلاح المكونة من 14 نقطة، تتضمن بعض التغييرات حظراً على أعضاء البرلمان الأوروبي من التعامل مع أعضاء البرلمان الأوروبي السابقين الذين غادروا البرلمان في الأشهر الستة الماضية، ونطاق أوسع من التصريحات الإلزامية لأعضاء البرلمان الأوروبي حول الاجتماعات مع أطراف ثالثة والإعلانات الإلزامية بشأن الأصول في بداية ونهاية كل فترة ولاية.
ويبدو أن فساد فون دير لاين ليس وليد لحظة وجودها في الاتحاد الأوروبي بل يمتد إلى ما قبل ذلك، وكانت فون دير لاين قد واجهت فضيحة فساد كذلك في العام 2019 عندما كانت في الحكومة الألمانية، عندما تبين أن المحسوبية لعبت دوراً في منح وزارة الدفاع الألمانية عقوداً بقيمة ملايين الدولارات، عندما تسربت التقارير الداخلية لمكتب التدقيق الفيدرالي الألماني إلى وسائل الإعلام، وقامت لجنة تحقيق بالبحث في كيفية منح العقود المربحة من وزارتها لمستشارين خارجيين دون إشراف مناسب، وما إذا كانت شبكة من الاتصالات الشخصية غير الرسمية قد سهلت تلك الصفقات.