عملية رفح و«مسمار جحا»!
يوم أمس الأربعاء، 24 نيسان، انشغلت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» بإعلان موافقة الكبينيت «الإسرائيلي»، للمرة الرابعة على «خطة معدلة لرفح».
هي المرة الرابعة، لأنّ الحديث عن اجتياح رفح، بدأ يتصاعد منذ أواسط الشهر الأول من هذا العام (2024)، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر ونصف. وخلال هذه الفترة، جرى الإعلان «إسرائيلياً» عن عدة «ساعات صفر»، وعن عدة خطط وخطط معدلة لبدء اجتياح عسكري بري، بما في ذلك على لسان نتنياهو نفسه، وعلى ألسنة قادة الجيش «الإسرائيلي».
حتى نهاية الشهر الماضي، شهر آذار، كانت معظم التصريحات السياسية لقادة الكيان، تربط بين عملية رفح المفترضة، و«القضاء النهائي على آخر معاقل حماس»، وذلك بالرغم من أنّ كل المحللين العسكريين «الإسرائيليين» والغربيين وغير الغربيين، قد أجمعوا على أنّ تقديم موضوع اجتياح رفح بهذه الصورة هو أمر هزلي إلى حد بعيد؛ إذ إنّه يغمض عينيه عن حقائق أساسية عديدة، بينها أنّه حتى في تلك المناطق من القطاع التي اجتاحها العدو برياً، ما تزال المقاومة موجودة بقوة، بل وتقوم بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه مستوطنات الكيان من حين إلى آخر، عدا عن عمليات الاستهداف المتكررة للأفراد والمدرعات. وأهم من ذلك، فإنّ هذا الافتراض بأنّ إنهاء رفح يعني إنهاء حماس وإنهاء المقاومة، يغفل بشكلٍ كاملٍ الحقيقة الراسخة القائلة بأنّ فصل جزء ما من قطاع غزة عن الأجزاء الأخرى من فوق الأرض، لا يعني بحالٍ من الأحوال فصله من تحتها؛ فشبكة الأنفاق التي تصل تقديرات عمقها إلى 80 متراً، وطولها إلى مئات الكيلومترات، لم يتم المسّ بها بشكل فعلي، وعجز العدو عن تدميرها إلا بحدودٍ طفيفة لا تسمح له بأن يأمن على قواته في أي جزءٍ تقريباً من أجزاء غزة.
وإذا كان الخطاب السياسي «الإسرائيلي» قد حاول خلال الأشهر الماضية تقديم معركة رفح المفترضة بوصفها المعركة الفاصلة التي يجري التحضير لها، فإنّ هذا الخطاب قد تغيّر بشكلٍ واضحٍ خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية.
نتنياهو نفسه، يوم الأحد الماضي، صرح بالتالي: «سنوجه ضربات إضافية ومؤلمة. في الأيام المقبلة، سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس، لأن هذا هو السبيل الوحيد لدينا لتحرير الرهائن».
أي أنّه بدأ بالانزياح بشكلٍ واضحٍ عن صيغة القضاء على حماس نحو صيغة الضغط عليها. حتى وإنْ كرر من حينٍ إلى آخر أنّ الهدف ما يزال القضاء عليها، إلا أنّه أزاح الهدف «الآني» على الأقل نحو «الضغط عليها»، وبما يُفهم منه أنه ضغط من أجل صفقة لـ«تحرير الرهائن»، ما يعني أيضاً، أنّ معركة رفح المفترضة، وإنْ حصلت، فهدفها لن يكون القضاء على حماس.
الزاوية الأمريكية
طوال أشهر الحديث عن «اجتياح رفح برياً»، أبرز الإعلام الغربي ما وصفه بالتناقض بين الأمريكي و«الإسرائيلي» حول هذه العملية وحدودها وطريقة إنجازها.
أفضل وأكثف تعبيرٍ عما تريده الولايات المتحدة، ليس بما يخص رفح فقط، بل بما يخص المعركة بأكملها، هو ما قاله مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان يوم 15 كانون الأول من العام الماضي حول «ضرورة الانتقال من طور العمليات العالية الكثافة [في غزة]، إلى طور العمليات منخفضة الكثافة».
ما لم يقله في حينه، هو أنّ هذا الانتقال ضروريٌّ لإطالة أمد الحرب إلى أقصى مدىً زمنيٍ ممكن (حتى بما يخص عملية رفح، وعلى لسان مسؤولين وإعلاميين في الكيان، فإنها يمكن أن تستغرق عاماً كاملاً...).
هل سيجري اجتياح رفح؟
ليس ممكناً الجزم أنّه لن يكون هنالك اجتياح بري واسع لرفح، ولكن ما يمكن الجزم به هو أنّ العملية المفترضة في رفح، قد تحولت إلى مسمار جحا؛ فإذا قام بها جيش الاحتلال فهو يفقد آخر الأوراق الافتراضية في يده، وأهم من ذلك –من وجهة النظر الأمريكية– أنّه سيؤدي إلى تصعيد إضافي غير قابل للتحكم؛ ما يفتح احتمال إنهاء الحرب بشكلٍ أسرع، أو توسعها بشكلٍ غير محسوب... وهذا أو ذاك لا يتفقان مع الاستراتيجية الأمريكية الشاملة للمنطقة، والتي يمكن تسميتها بأنها «الفوضى الشاملة الهجينة»، التي تريد للنار المشتعلة في فلسطين أن تكون أداة في رفع درجة حرارة الإقليم بأكمله، لتأمين خلفيات التفجير الداخلي في عدد من دول المنطقة، ربما الأوضح بينها الآن هو مصر، والسعودية ولبنان.
ولذا، فإنّ الأرجح هو أنه لن يكون هنالك اجتياح بري واسع لرفح، وأنّ التهديد بهذا الاجتياح مع محاولات الإيحاء المستمرة باقترابه، ستبقى مستمرةً لأشهر أخرى...