حلقة جديدة في الانسحابات الغربية من أفريقيا... الولايات المتحدة بعد فرنسا من النيجر

حلقة جديدة في الانسحابات الغربية من أفريقيا... الولايات المتحدة بعد فرنسا من النيجر

سحبت القوات الفرنسية آخر جنودها من عاصمة النيجر نيامي في نهاية العام الماضي مختتمة بذلك وجودها العسكري في البلاد الذي استمر أكثر من عشرة أعوام، بعد أن طالبت الحكومة العسكرية في البلاد بانسحابهم بعد الانقلاب في 26 تموز الماضي. وقررت فرنسا إغلاق سفارتها في النيجر، بعد أن أصبحت غير قادرة على "العمل بشكل طبيعي أو تأدية مهامها"، بعدما ألغت النيجر الاتفاقات العسكرية التي ربطتها بفرنسا، إثر الإطاحة بالرئيس محمد بازوم.

لم يكن من السهل على الغرب أن يعترف بانتهاء نفوذه الاستعماري في واحدة من أهم الدول الأفريقية، والتي تعتبر قلب منظمة إيكواس، المؤسسة التي كانت تمثل الشرعية الاستعمارية للغرب في أفريقيا، وما زالت محاولاته التدخل في الشأن الأفريقي تعبيراً عن رغبته في المحافظة على هيمنته السابقة رغم زوال مقوماتها الحقيقية.

وليس الموقف الأمريكي الرافض للتعاون الأفريقي الروسي إلا جزءاً من التعبير عن حالة الإنكار لتدهور النفوذ الغربي في أفريقيا.

وقد كان رد الفعل النيجري أقوى مما توقعه الأمريكان، حيث ألغى المجلس العسكري في النيجر اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في السادس عشر من الشهر الجاري واعتبر وجود قوات أمريكية على أراضي النيجر غير شرعي ويتعارض مع مصالح النيجر.

وتأتي هذه الخطوة بعد زيارة قام بها مسؤولون أمريكيون كبار للعاصمة نيامي استمرت ثلاثة أيام.

وقال المتحدث باسم الحكومة النيجرية أمادو عبر الرحمن، في بيان، إن الوجود العسكري الأمريكي على أراضي النيجر غير شرعي وينتهك كل القواعد الدستورية والديمقراطية.

وأضاف أن "حكومة النيجر، آخذة طموحات ومصالح الشعب في الاعتبار، تقرر بكل مسؤولية أن تلغي بمفعول فوري الاتفاق المتعلق بوضع الطاقم العسكري للولايات المتحدة والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على أراضي النيجر".

وكان رد الفعل الأمريكي على ذلك هو أن أجرت الولايات المتحدة تقييماً لمستقبل عمليات "مكافحة الإرهاب" في منطقة الساحل.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في السابع عشر من الشهر الجاري في منشور لها عبر منصة "إكس" إن المحادثات كانت صريحة وأنها على اتصال بالمجلس العسكري، ولم يتضح ما إذا كان لدى الولايات المتحدة أي طريقة متبقية للتفاوض بشأن صفقة للبقاء في الأراضي النيجرية.

وقال المتحدث باسم المجلس العسكري، الكولونيل ميجور أمادو عبد الرحمن إن الطلعات الجوية الأمريكية فوق أراضي النيجر في الأسابيع الأخيرة كانت غير قانونية.

وفي الوقت نفسه، انتقدت إنسا جاربا سيدو، الناشطة المحلية التي تساعد حكام النيجر العسكريين في اتصالاتهم، الجهود الأمريكية لإجبار المجلس العسكري على الاختيار بين الشركاء الاستراتيجيين.

وأضافت سيدو في حديث لوكالة "أسوشيتد برس": "لا يمكن للقواعد الأمريكية والموظفين المدنيين البقاء على الأراضي النيجرية لفترة أطول".

وكانت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية قد قالت في وقت سابق، إنها أجرت "مناقشات جيدة" مع قادة المجلس العسكري ودعتهم إلى تحديد جدول زمني للانتخابات مقابل استعادة العلاقات العسكرية والمساعدات، مضيفة أن واشنطن حذرت نيامي من إقامة علاقات أوثق مع روسيا.

وكانت مالي وبوركينا فاسو المجاورتان اللتان شهدتا انقلابين منذ عام 2020، لجأتا إلى موسكو للحصول على دعم أمني، وعلق كاميرون هدسون، الذي عمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووزارة الخارجية في أفريقيا، إن مثل هذه الخطوات تظهر تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وإن النيجر غاضبة من محاولة واشنطن الضغط على المجلس العسكري للابتعاد عن روسيا.

وأضاف هدسون: "هذا أمر مثير للسخرية لأن أحد شعارات إدارة بايدن هو أن الأفارقة أحرار في اختيار شركائهم".

كما تزامنت زيارة الوفد الأمريكي مع بداية شهر رمضان، ورفض زعيم المجلس العسكري في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تشياني، مقابلتهم.

وقال الناطق باسم المجلس العسكري، في بيان بثه التلفزيون الرسمي، إن قادة المجلس العسكري التقوا بالوفد الأمريكي فقط من باب المجاملة ووصفوا لهجتهم - لهجة أعضاء الوفد- بالمتعالية.

وقالت أنيليز برنارد، المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية الأمريكية والمتخصصة في الشؤون الأفريقية ومديرة مؤسسة "ستراتيجيك ستابيلايزيشن أدفيزرز": "إن الزيارة الأخيرة فشلت وإن الولايات المتحدة بحاجة لإلقاء نظرة نقدية على كيفية ممارستها للدبلوماسية ليس فقط في النيجر بل في المنطقة كلها".

وأضافت: "إن ما يحدث في النيجر والساحل لا يمكن النظر إليه بشكل مستمر في فراغ كما نفعل دائماً، فتميل حكومة الولايات المتحدة للنظر للأمور من منظور محدد، لا يمكننا أن ننكر أن علاقاتنا المتدهورة في أجزاء أخرى من العالم: الخليج و"إسرائيل" وغيرها، كلها لها تأثير كبير على علاقاتنا الثنائية في غرب أفريقيا".

فيما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان أن واشنطن قلقة إزاء النهج الذي اتبعته السلطات العسكرية في النيجر، وذلك في أعقاب إلغاءها اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.

وصرحت نائبة المتحدث باسم البنتاغون سابرينا سينغ أن مجموعة من المسؤولين الأمريكيين زاروا النيجر قبل خرق الاتفاق العسكري، للتعبير عن قلقهم بشأن تطور علاقات النيجر مع روسيا وإيران.

ونقلت وكالة "رويترز" عن سينغ قولها: "كان الوفد الأمريكي هناك لتسليط الضوء على عدد من المخاوف… كنا قلقين بشأن المسار الذي كانت تسلكه النيجر، لذلك كانت هذه محادثات مباشرة وصادقة... لمناقشة مخاوفنا والاستماع إلى مخاوفهم".

وأضافت: "أعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم بشأن تعاون النيجر المحتمل مع روسيا وإيران".

وكما أكد فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في إحاطة إعلامية دورية، إن الولايات المتحدة "على اتصال مع السلطات الانتقالية للحصول على توضيحات بشأن تصريحاتها ومناقشة الخطوات الإضافية التالية".

وأوضح باتيل أن واشنطن تواصل الاتصال بالمتمردين العسكريين عبر قنوات سفاراتها، ووفقاً له فإن العلاقات الأمنية الأمريكية مع الشركاء في غرب إفريقيا مفيدة للطرفين وتهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة.