عن مصادرة الأصول الروسية ومعاني «البلطجة» الغربية
أحمد علي أحمد علي

عن مصادرة الأصول الروسية ومعاني «البلطجة» الغربية

أصبح من المعلوم لكثيرين أنه بعد بدء الجيش الروسي تنفيذَ عملياته العسكريّة في أوكرانيا، اتّخذت دولٌ غربية قرارات تجميد للأصول الروسية الموجودة في الخارج، وقدّمت هذه الدول المسألة بوصفها أداة من أدوات الضغط الاقتصادي على روسيا، بهدف دفعها للتراجع عن خطواتها الاقتصادية والعسكرية.

مصادرة الأصول بعد تجميدها!

ما بعد ذلك، راحت بعض الدول الغربية تتحدث لا عن تجميد الأصول والاستفادة من فوائدها فحسب، بل طالبت بتخصيصها للدفاع عن أوكرانيا، وبمصادرتها بحال لم توافق روسيا على تمويل إعادة إعمار أوكرانيا، وكأن الحرب قد توقفت وانتهت الآن وأصبحت عملية إعادة إعمار أوكرانيا على رأس جدول أعمال العالم!

مثل ذلك ما نجده في اقتراحٍ قدّمه وزير خارجية بولندا، رادوسلاف سيكورسكي، يوم الثلاثاء 19 آذار/مارس 2024، حيث اقترح الوزير تخصيص الأصول الروسية المجمّدة داخل الاتحاد الأوروبي للدفاع عن أوكرانيا. وأعرب عن ارتياحه لموافقة الاتحاد الأوروبي على تخصيص 5 مليارات يورو هذا العام لتسليح أوكرانيا، وهو القرار الذي توصّل إليه وزراء خارجية الدول الأعضاء في بروكسل مؤخراً.

سبق الاقتراح السابق، تصريح للمستشار الألماني أولاف شولتس قال فيه: إنّ الدول الدّاعمة لأوكرانيا ستستخدم أرباح الأصول الروسية المجمّدة لتمويل مشتريات كييف من الأسلحة. وأكّد شولتس أنّه اتّفق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزراء بولندا دونالد توسك على ضرورة شراء المزيد من الأسلحة لأوكرانيا من السوق العالمية، مضيفاً: «سنستخدم الأرباح غير المتوقعة من الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا لدعم شراء أسلحة لأوكرانيا».

وذهب جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إلى القول بأنّه سيقترح أن يستخدم الاتحاد الأوروبي 90 بالمئة من عائدات الأصول الروسية المجمّدة في أوروبا لشراء أسلحة لأوكرانيا من خلال صندوق مرفق السلام الأوروبي، مشيراً إلى أنه سيقترح أيضاً تحويل الـ 10 بالمئة المتبقية إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي لاستخدامها في تعزيز قدرة صناعة الدفاع الأوكرانية.

كما وأوضح بوريل أنه سيقدم الاقتراح إلى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الأربعاء 20 مارس/آذار 2024 قبيل قمة زعماء الاتحاد الأوروبي يومي 21 و22 من الشهر الجاري.

وتأتي هذه التصريحات الأخيرة بعد دعوة من قبل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك للدول الغربية بأن تكون «أكثر جرأة» بشأن مصادرة الأصول الروسية التي جمّدتها بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وبعد إجراءاتٍ للولايات المتحدة الأمريكية في الاتجاه ذاته.

بمقابل ذلك، لوّحت روسيا بمصادرة أصول دول غربية لا تقل قيمتها عن 288 مليار دولار إنْ أقدم الغرب على مصادرة أصولها المجمّدة.

 

حول آثار المصادرة ومعانيها...

على أيّة حال، أن يُقدِم الغربيون على مصادرة الأصول أمرٌ وارد وممكن، لكن سيواجهون العديد من المشاكل بحال ذهبوا إلى هذا فعل. وعليهم أن يجهّزوا أنفُسَهم للردّ الروسي الذي قد يذهب لإجراءات وخطوات أبعد من مجرّد المصادرة للأصول الغربية، وكانت قد حذّرت روسيا من إجراء كهذا مراراً مشيرةً إلى أنها صنفت هذه العملية بكونها «سرقة» وبحال حصلت فإنها ستكون مضطرة للتعامل مع «لصوص».

إضافة إلى ذلك، فمثل هذا الإجراء وبحال تنفيذه سيضر بالسلامة القانونية للمنظومة المالية الدولية، وكذلك بسمعة سويسرا كدولة قانون وكمركز مالي ما زال يحظى بشيء من الموثوقية على مستوى العالم حتى الآن. ربما ستكون أولى نتائج المصادرة، فقدان رجال الأعمال الثقة بالبنوك الغربية والامتناع عن وضع أموالهم ومدّخراتهم في هذه البنوك والتعامل معها، ولهذا آثاره الماليّة والاقتصاديّة على هذه البنوك المأزومة أساساً.

في الختام، إنّ مثل هذا الإجراء وبحال جرى تنفيذه، فإنّه يحمل مؤشرات على أن الغربيين قد قطعوا الأمل من مسألة بقاء نظامهم المالي متسيّداً للمشهد المالي العالمي بشكل نهائي، ولذا فهم يذهبون إلى ممارسة أفعال «البلطجة» والسرقة على هذا النحو، ولكن هذا بحدّ ذاته يمثّل لحظة انعطاف مهمّة بالوضع المالي والمصرفي الغربي برمّته.

آخر تعديل على الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 12:36