د. جميل: نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق ضرورة سياسية
عقد الدكتور قدري جميل، أمين حزب الإرادة الشعبية ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، مؤتمراً صحفياً بعد ظهر اليوم الإثنين 4 آذار 2024، باستضافةٍ من وكالة ريا نوفوستي الروسية في موسكو. وفيما يلي تلخيص لأبرز ما ورد فيه، علماً بأنّ النص الكامل سوف يتمّ نشره في وقت لاحق في جريدة قاسيون.
بدأ الدكتور جميل مؤتمره الصحفي بالقول إنه سوف يتحدث عن الحل السياسي للأزمة السورية، ولكنه يلفت الانتباه بدايةً إلى اجتماع الفصائل الفلسطينية مؤخراً في موسكو وما نتج عنه، حيث رأى فيه مؤشراً في غاية الأهمية على التطوّرات في القضية الفلسطينية والمنطقة وعالمياً.
وفيما يتعلق باللجنة الدستورية السورية التي انطلقت في العام 2019، قال الدكتور جميل إن محصلة أعمالها هي «صفر» حتى الآن، حيث انتقد عدم قيامها بما يكفي من العمل الذي كان متقطعاً وتفصله فترات طويلة من عدم النشاط عبر اجتماعاتها، كما وذكّر الدكتور جميل وشدّد على مقترح ضرورة نقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق مع تأمين الضمانات الأمنية وغيرها من الأمم المتحدة وثلاثي أستانا اللازمة لعمل اللجنة في دمشق، وهو المقترح الذي الذي تقدّمت به منصّة موسكو للمعارضة السورية عبر ممثلها في اللجنة الدستورية في وقتٍ باكر منذ بدء اجتماعاتها عام 2019.
وحول دعوة مبعوث الأمم المتحدة لسورية، غير بيدرسون، مؤخراً للأطراف السورية إلى عقد جولة جديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، قال الدكتور جميل إنه فيما يتعلق بالعودة إلى جنيف مكاناً لهذه الاجتماعات إنّ «اقتراح جنيف طبخة بحص»، مذكّرا بأنه بعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا قامت روسيا بمقاطعة سويسرا لأنها ليست محايدة ولذلك يرفض الروس الذهاب إلى جنيف، وقال إنّ المبعوث الخاص الأممي لسورية «حاول حل هذا الإشكال، فاقترح الذهاب إلى نيروبي في كينيا!»، معتبراً بأنّه «اقتراح شكلي لأنه لا يمكن تطبيقه». وقال إنّ «هناك اقتراحات اخرى مثل بغداد...». وقال جميل: «ماذا يعني التخبط في تحديد المكان؟ إنه يعني تجميد المسار السياسي السوري، والشعب السوري كان يعاني من الحرب والآن من الجوع...». واعتبر جميل هذه المناورات «محاولات لدفن الحل السياسي ودفن 2254. وأنا أشبه موقفهم من 2254 بموافقة الغرب على مينسك... حيث وافقوا عليه وأعاقوا تنفيذه».
«موافقون على جنيف كبادرة حسن نية»
أوضح الدكتور جميل بأنّ غير بيدرسون أرسل رسالة إلى الأطراف يقترح فيها الذهاب إلى جنيف. وقال جميل إنّ اقتراح الدعوة إلى جنيف يُفهَمُ بأنّه محاولة لإحراج الطرف الروسي، وأنّ ذلك قد يخلق أيضاً ذريعة للوفد المدعوم من الحكومة السورية بعدم الذهاب، معبراً عن ذلك بالمثل الشعبي «هذا يشبه من يتذرّع بعدم الصلاة بأنّ الجامع مسكّر»، وأكّد جميل بأنّ «الروس لم يطلبوا مع ذلك من الحكومة السورية بألّا تذهب إلى جنيف».
وكشف د. جميل بأنّ «هيئة التفاوض تلقّت العرض [بالذهاب إلى جنيف] وتنتظر قرار منصة موسكو» وكشف جواب منصة موسكو: «أنا أعلن أنا منصة موسكو موافقة للذهاب إلى جنيف رغم كل مواقفنا التي عرضناها»، معتبراً ذلك «مبادرة حسن نية» تجاه بقية أطراف هيئة التفاوض، ومطالباً إياهم بالمقابل «بردّ الحسنة بمثلها» وبأنْ يأخذوا على محمل الجدّية والمسؤولية والشجاعة مقترح منصة موسكو ودعوتها إلى أن تكون دمشق هي المكان لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية، واعتبر أنّ هذا في حال حصوله من شأنه أن يجعل أعمال اللجنة جدّية وتؤدّي إلى نتائج.
في الوقت نفسه تساءل لماذا ما زال الطرف الآخر في النظام السوري «لم ينبس ببنت شفة» حول هذا المقترح من منصة موسكو للمعارضة السورية بنقل أعمال اللجنة الدستورية إلى دمشق.
وفي حساب لتكاليف الأمم المتحدة على عقد اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف، عرض الدكتور جميل تفاصيل حول ساعات عملها طيلة الاجتماعات الماضية، وخلص إلى أنّ تكلفتها السنوية التي تترتب على الأمم المتحدة هي 10 ملايين دولار، وأنّ الساعة الواحدة تكلّف 200 ألفى دولار، ومع ذلك كان نتاج اجتماعات اللجنة حتى الآن «صفراً».
مقترحان...
قال د. جميل بأنّ «المهمة الأولى هي كسر جمود الحل السياسي والغرب له مصلحة في هذا الجمود؛ حيث برنامج الحد الأدنى إلغاء الدور الوظيفي لسورية، والحد النهائي إنهاء سورية».
وأضاف: «نحن نتقدم بأفكار واقتراحات وندعو الجميع إلى التفكير بها: تنفيذ 2254، نحن ضد الحسم والإسقاط، والحل هو التوافق لأنّه بغير ذلك ستدفع سورية وشعبها الثمن وأثبت التاريخ صحة ما نقول... هناك حلّان يجب البدء بهما فوراً: 1- نقل أعمال اللجنة (الدستورية) إلى دمشق برعاية الأمم المتحدة مع ضمانات أمنية من أستانا. والبعض يعترض بسبب الوضع الأمني، فأقول له: ألا يستحق الشعب السوري المخاطرة؟ والحجة الثانية يقولون (لا نستطيع بسبب الخوف من تخوين الناس). يجب عدم الانصياع لرأي هذه الفئة...».
وأضاف جميل: «في دمشق لن تكلف (اجتماعات اللجنة الدستورية) 200 ألف دولار». وقال بأنّ طريقة عمل اللجنة عندما تنتقل إلى دمشق يجب أن تكون على غرار «ما يجري في الفاتيكان»... حيث يجب بذل كل الجهود والوقت اللازم وعدم الخروج من الاجتماعات إلّا بعد «خروج الدخان الأبيض» (في إشارة إلى التوافق على الحل).
لكن الدكتور جميل نوّه إلى أنّ «اللجنة الدستورية غير قادرة على حل المشكلة منفردة، بل يمكنها أن تشكل الأساس الموضوعي للحل: مرحلة انتقالية، دستور، انتخابات». وأضاف: «نطمح إلى انتخابات شعبية حقيقية» ولذلك يجب الانتقال إلى دمشق، وبدء التفاوض المباشر.
وأوضح: «أريد أن أكرر ما قلته سابقاً، في 19 تشرين 2021، أنه من الناحية العملية يعني نقل الأعمال إلى دمشق الاعترافَ بأنّ الحوار هو الطريق الوحيد». وأضاف: «نعلن انطلاق المحاولة من هنا. وإعلان قبولنا الذهاب إلى جنيف كمبادرة حسن نية».
«الأوضاع الاقتصادية كارثية»
حول الوضع الاقتصادي المتدهور في سورية، ذكّر الدكتور قدري جميل بتأثير تقسيم الأمر الواقع الذي تعاني من سورية والشعب السورية، وأن ذلك كان تاريخياً وما يزال مخططاً صهيونياً ومن الغرب الجماعي، يتراوح بين حدّين: حدّ أعلى يريد إنهاء سورية نهائياً، وحدّ أدنى يريد إنهاء دورها وتحول تقسيم الأمر الواقع الحالي إلى تقسيم نهائي للبلاد يخلق واقعاً جديداً، مما يؤدي إلى استمرار النزوح السوري والتهجير.
كما وذكّر بأنّ «الأرقام اليوم صادمة: خارج سورية أعداد كبيرة، أعلاها في تركيا ٣ ملايين سوري، وفي لبنان مليون، وفي أوروبا تحت المليون أغلبهم في ألمانيا. وفي الأردن 600 ألف، وفي مصر 400 ألف. فالمجموع 7 ملايين من أصل 23 مليون سوري. يضاف إليهم عدد المهجَّرين داخلياً 4 ملايين، 3 ملايين شمال شرق. وهناك 11 مليون في المناطق التي تديرها الحكومة».
ولفت د. جميل إلى أنّه قبل التهدئة كان النزوح سابقاً بسبب الرصاص، واليوم توقف الرصاص نسبياً لكن الوضع الاقتصادي مريع ومأساوي... يجري تجريف سورية من سكانها... المخطط الصهيوني القديم يعتمد على عاملين: تقسيمها وتجريف سكانها. التقسيم ليس نهائياً ويمكن استعادة وحدة سورية، حيث ما تزال الأمم المتحدة تعترف بحدودها».
وذكّر د. جميل: «عندما كنت عضواً في الحكومة وكنت مسؤولاً فيها قلت على التلفزيون السورية لا حلّ اقتصادياً للمشاكل، فالحل هو سياسي، وحذّرت من سكتة قلبية ستصيب الاقتصاد السوري... واليوم نلاحظ أعراض السكتة القلبية... في البداية كانت هناك مشاكل لوجستية في النقل والوضع الأمني والصراع العسكري وخفّ التبادل وبدأ التضخم... العقوبات الغربية والحصار فاقمت الأزمة. وأصحاب العقوبات يدّعون بأنها تهدف إلى إضعاف النظام. الحصار أثّر نسبياً على تدفق البضائع ولكن التأثير الكبير كان على الأسعار وأثر على استهلاك أصحاب الدخل المحدود... نُخب النظام استفادت من العقوبات التي شجّعت الفساد لأنه أصبح شاملاً...».
وأضاف: «اليوم حسب الأمم المتحدة، فإنّ سورية من أكثر الدول فساداً... الفساد في الداخل والعقوبات في الخارج هما وجهان لعملة واحدة. والحكومة تعتمد سياسات نيوليبرالية إجرامية... حكومة محاصرة ولكنها تنفّذ توصيات صندوق النقد الدولي! هناك لغز في هذا... الدولة السورية ألغت الدعم عن كل المواد التي كانت مدعومة منذ الستينيّات... الدعم اعتُمِدَ وقتها لأنّ الأجور لا تكفي تكاليف المعيشية». وعرض الدكتور جميل مخططات بيانية توضّح أنّ «الأجور في سورية زادت 40 مرة بينما تكاليف المعيشية زادت 140 مرة...».
وأكد أنه «إذا لم يكن هناك حلّ سياسي فسوف تستمر الخطوط الصاعدة بالارتفاع... في سورية يرفعون الأجور 100% فترفع الأسعار 200% وذلك يردّ إلى رفع الأجور من مصادر تضخمية...».
واعتبر الدكتور جميل بأنّ «المشكلة ليست في حزب ما أو شخص ما؛ المشكلة موجودة في البنية. ولذلك نحن بحاجة لإصلاح دستوري يعيد تنظيم الصلاحيات بين مجلس الشعب والحكومة والرئاسة... مجلس الشعب لا يعطي الثقة للحكومة، يحق له سحب الثقة إذا حصل على إشارة. مجلس الشعب يعمل فقط 6 أشهر في السنة بينما يحصلون على أجور سنة... لأنه في في الشهور الستة تلك تصدر المراسيم الرئاسية! مجلس الشعب في سورية لا يشرّع، والحكومة لا تحكم، لأنّ الحكومة لا تضع السياسة بل تنفذ ما تضعه الرئاسة... الحكومة يعني موظفين درجة أولى مع مرسيدس وحرس... هذه الصلاحيات غير المتوازنة تنتمي لعصر سابق، يجب أنْ نذهب إلى تطوير جريء. المشكلة في التعديل الدستوري الذي يضمن مستقبل سورية».
صمود غزة عرقل مخططاتهم
وقال د. جميل: «صفيح غزة الساخن يسخن كل المنطقة وهذا ما يريده الأمريكان. قالوا: لا لوقف إطلاق النار ولا للاجتياح، وهذا معناه أنهم يريدون حرباً منخفضة الشدة لحرب طويلة أبعد من غزة... الأمريكان قرروا الانسحاب الشامل من المنطقة مع الهيمنة الكاملة وذلك عبر الفوضى الشاملة». وأضاف: «مصر اليوم مهددة ومحاصرة... يريد الأمريكان تفكيك كل المنطقة وهو مخطط موضوع لسنوات؛ يريدون تفكيك العراق وحتى تفكيك المنطقة الكردية إلى منطقتين».
وأوضح الدكتور جميل بأنّ صمود غزة عرقل مخططات الأمريكيين والصهاينة... «نحن نشهد تراجع القطب الأمريكي. وكما يقول الفلاسفة الغربيون فإنّ الانهيار الجاري نهائي. الرئيس الصيني قال لبوتين ما نشهده الآن لم نشهده منذ 100 عام. وأنا أضيف لم نشهده منذ 400 عام؛ لأنه تغيير جيوبولتيكي كبير... القوى المحيطية البحرية تنتهي، وتصعد القوى القارية... وأنا أقول إنه لا قطبي وليس متعدد الأقطاب...».
وختم الدكتور جميل مؤتمره الصحفي بالقول: «إننا نرى تغيُّر العالم أمام أنظارنا، وهو يجري بشكل متسارع... وكما قال سعد الله ونوس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي: ما يجري ليس نهاية التاريخ ونحن محكومون بالأمل.
وأنا أريد ان أضيف ما يجري هو بداية التاريخ ونحن محكومون بالانتصار».
* سيتم في وقت لاحق نشر النص الكامل للمؤتمر الصحفي في جريدة قاسيون.