مطالب المزارعين الهنود تتجدد بعد سنتين من الهدوء النسبي
منذ العام 2011 تغير الكثير في موقف المزارعين الهنود تجاه الضغوط التي كانوا يتعرضون لها بعد أن أقدم العديد من المزارعين في إحدى المناطق المشهورة بزراعة الأرز جنوب الهند على الانتحار بأعداد مخيفة، هرباً من مواجهة الضغوط المتزايدة عليهم نتيجة الديون خاصة من طرف البنوك التي تطالبهم بتسديدها، وذلك في ظل تدني جني المحاصيل بسبب الجفاف الذي ضرب تلك المناطق وانخفاض عائدات المنتجات الزراعية.
وقد حاولت الحكومة الهندية آنذاك ترقيع تلك المشكلة والتعامل مع العدد الكبير من حالات الانتحار وذلك بدفع تعويض مالي لأسرة كل منتحر يبلغ ألفي دولار، وتعهدت الحكومة بإنفاق مليارات الدولارات لتخفيف العبء عن المزارعين.
لكن بنوك الدولة أدارت ظهورها للمزارعين الذين لم يتمكنوا من سداد ديونهم، وطالبتهم بتسديد القروض الباهظة مع فوائدها الكبيرة. استمر مسلسل الانتحارات حتى العام 2017 حيث انتحر 580 من المزارعين في ولاية ماهاراشترا غربي الهند التي شهدت انخفاضاً في سقوط الأمطار دون المعدل، تلتها احتجاجات كبيرة في العاصمة المالية للهند "مومباي"، طالب فيها المحتجون بحصة لأبناء المنطقة في الوظائف الحكومية والمؤسسات التعليمية وتعديل قوانين الطبقات المصنفة والقبائل المصنفة، وكذلك إسقاط الديون عن الفلاحين.
إلى أن وصل شكل الاحتجاجات إلى الإضراب عن الطعام مع نهاية العام 2020 وبداية العام 2021، احتجاجاً على قوانين زراعية جديدة، واشتباكات مع قوات الأمن، خلفت قتلى ومئات الجرحى. حيث تظاهر عشرات الآلاف من المزارعين في الهند، بمواقع احتجاج على مشارف العاصمة نيودلهي، لما يزيد عن السنة، غضباً من القوانين التي يرون أنها تخدم مصالح كبار المشترين من القطاع الخاص على حساب المنتجين، حيث يعمل في القطاع الزراعي بالهند، نحو نصف سكان البلاد، البالغ عددهم حوالي 1.3 مليار نسمة.
فيما سمى رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي تلك القوانين بالإصلاح الزراعي وشدد على كون «الحكومة ملتزمة بعصرنة الفلاحة» وأنها «تتخذ العديد من الخطوات في هذا الاتجاه» لتعزز الإنتاج من خلال الاستثمار الخاص.
فيما انتظر المحتجون استجابة لمطالبهم بالتخلي عن قانون الإصلاح الزراعي الذي اعتبروه مصمماً من طرف الحكومة على مقاس مصالح الشركات المتخصصة في توزيع المنتوجات الفلاحية التي يشترونها منهم وليس في صالحهم كمنتجين. وقال المزارعون إن القانون الجديد جعلهم تحت رحمة الشركات في ما يتعلق بتحديد الأسعار وآليات بيع منتوجاتهم.
والقانون الأول هو قانون تجارة منتجات المزارعين (الترويج والتيسير) ويسمح للمزارعين ببيع منتجاتهم خارج لجان أسواق المنتجات الزراعية (APMC). هذا يعني أنه يمكن للتجار الشراء من المزارع بسعر متفق عليه بشكل متبادل.
القانون الثاني هو اتفاقية ضمان الأسعار وخدمات المزارع (التمكين والحماية) ويسمح للمزارعين بالقيام بالزراعة التعاقدية وتسويق منتجاتهم بحرية.
أما القانون الثالث قانون تعديل السلع الأساسية، فيزيل الحبوب الغذائية والبقول وزيوت الطعام والبصل من القائمة الأساسية ويجعلها غير مقيدة بالتجارة إلا في ظروف استثنائية.
وقد احتج المزارعون على هذه القوانين، وقالوا إن القوانين الفيدرالية الثلاثة التي من شأنها تحرير تسعير المحاصيل، ستقلل من أرباحهم من خلال تفكيك النظام الذي يضمن لهم دخلاً ويجعلهم عرضة للشركات الخاصة الكبيرة.
ورغم اتساع رقعة التضامن مع المحتجين، في الأوساط الشعبية كما في الوسط السياسي، إلا أن الحكومة كانت ترفض التخلي عن مشروعها مجددة التأكيد في كل مرة أنه يخدم مصالح الفلاحين بالدرجة الأولى في المدى الطويل وإن كان الفلاحون يرفضونه رفضاً قاطعاً.
وتوترت الأمور حتى حفرت الشرطة والقوات شبه العسكرية الهندية الخنادق، ونشرت الأسلاك الشائكة عبر الطرق الرئيسية المؤدية إلى نيودلهي، لمنع المزارعين المحتجين من دخولها، وتم حجب خدمات الإنترنت والرسائل في عدة أحياء في الضواحي، وتكثيف الأمن حول البرلمان والمكاتب الحكومية المهمة الأخرى في المنطقة الوسطى. واستمرت الاحتجاجات أكثر من عام إلى أن أعلن رئيس الوزراء أن حكومته سحبت قوانين الزراعة المثيرة للجدل التي أثارت الاحتجاجات بعد جولات طويلة من المفاوضات مع المحتجين، وشكلت لجنة للنظر في مطالبهم الأخرى، ومن ضمنها الأسعار المضمونة للمحاصيل الرئيسية.
وبعد أكثر من سنتين عادت الاحتجاجات للتجدد في الهند -تزامناً مع احتجاجات المزارعين في أوروبا التي بدأت العام الماضي- بعدما تجمع آلاف المزارعين المحتجين من أجل دخول نيودلهي، منذ الثالث عشر من الشهر الحالي، حيث فرقت الشرطة الهندية فعالية احتجاجية لمزارعين على الحدود بين ولايتي هاريانا والبنجاب، وذلك على بعد حوالي 200 كيلومتر من نيودلهي. وتطالب النقابات الزراعية في الهند السلطات والحكومة بحد أدنى عادل لسعر المنتجات الزراعية.
وأقامت شرطة دلهي حواجز على حدود العاصمة الهندية مع ولايتي هاريانا وأوتار براديش لمنع أعمال الشغب حيث تخشى الحكومة تكرار ما حدث في عام 2020، حيث توفي العشرات خلال احتجاج استمر لمدة عام، ولم ينته إلا بعد موافقة الحكومة على إلغاء قوانين الزراعة المثيرة للجدل.
ويشكل المزارعون الهنود كتلة تصويتية مؤثرة، ويقول محللون إن حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ستحرص على عدم خسارتهم، في وقت يسعى حزب بهاراتيا جاناتا الذي يتزعمه مودي إلى الفوز بولاية ثالثة على التوالي في الانتخابات هذا العام.
وقد رفض المزارعون الهنود المستمرون في حملة الاحتجاج اقتراحا حكوميا جديدا لتلبية مطالبهم، وأعلنوا أنهم سيواصلون زحفهم على العاصمة نيودلهي.
يقول المزارعون الذين استقلوا جرارات من ولايتي هاريانا والبنجاب المجاورتين إن الحكومة فشلت في إحراز أي تقدم بشأن المطالب الرئيسية الأخرى.
ويطالب المزارعون بوضع تشريع يضمن الحد الأدنى من أسعار الدعم لجميع المنتجات الزراعية.
وتوفر الحكومة حماية للمنتجين الزراعيين حالياً من أي انخفاض حاد في أسعار محاصيل المزارع من خلال تحديد حد أدنى لسعر شراء بعض المحاصيل الأساسية، وهو نظام تم طرحه في ستينيات القرن الماضي للمساعدة في دعم الاحتياطيات الغذائية ومنع النقص.
لكن المزارعين يريدون تشريعا يوفر الحماية لجميع المحاصيل، ويضغطون على الحكومة للوفاء بوعودها بمضاعفة دخلهم وشطب قروضهم وسحب دعاوى قانونية مقامة ضدهم خلال احتجاجات سابقة عام 2021.
وقد استخدمت شرطة ولاية هاريانا الهندية الغاز المسيل للدموع ضد المزارعين في الحادي والعشرين من هذ الشهر حيث وقعت اشتباكات بين المزارعين وأفراد الشرطة في التجمع السكني شامبخو الذي أصبح نقطة رئيسية لحشد المزارعين، ويتجاوز عدد المحتجين 100 ألف شخص، وصل العديد من المزارعين إلى مكان الاحتجاجات على متن جراراتهم في حين بدأ بعضهم في تركيب صفائح وقضبان حديدية على المعدات من أجل اقتحام حواجز الشرطة وتفكيك الكتل الخرسانية التي تسد الطرق المؤدية إلى نيودلهي. ويزود المزارعين الشباب بالعصي والحجارة والأقنعة ضد الغاز المسيل للدموع والدروع الحديدية لمهاجمة رجال الأمن.
ويطالب المزارعون بتبني قانون يضمن الحد الأدنى لسعر المنتجات الزراعية أي شراء مضمون من قبل الحكومة لمحاصيلهم بالسعر المعلن عنه مسبقاً. كما يطالبون بمعاشات المزارعين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما وتخفيض الضرائب وإلغاء سداد القروض التي حصل عليها المزارعون، بالإضافة إلى انسحاب الهند من منظمة التجارة العالمية وتجميد اتفاقيات التجارة الحرة الهندية مع عدد من الدول.
ووصفت السلطات الهندية هذه المطالب بأنها غير مقبولة ولا يمكن تنفيذها، داعية المحتجين لإجراء مفاوضات.