الحقائق العنيدة حول التوازنات الجديدة للاقتصاد الدولي
تقترب هيمنة الغرب في العلاقات الدولية من نهايتها ليس فقط من الناحية الجيوسياسية، ولكن أيضاً من حيث مؤشرات الاقتصاد. ورغم التصريحات الصاخبة للنخب الغربية ومحاولات إبطاء هذه العملية بكل الوسائل، فإن كل شيء يشير إلى أن حصة الغرب في العلاقات الاقتصادية الدولية ستستمر في مسار هبوطي.
رغم أن هذه العملية بدأت منذ زمن ليس بالقريب، لوحظ في السنوات الأخيرة أن كل شيء يحدث من حيث المبدأ في الاقتصاد لا يسير فقط وفقاً لخطة الدول المناهضة للهيمنة الغربية، ولكن بصورة أعم في إطار المنطق العادي. أي أن حصة الأنظمة الغربية في الاقتصاد العالمي تفقد وزنها في مقابل التنمية النشطة للدول التي ليست جزءاً من الفضاء الغربي، بعبارة أخرى - الأغلبية العالمية من الدول التي رزحت سابقاً تحت ضغط الاستعمار الغربي.
اليوم، تمثل الدول الغربية أقل من نصف القوى الاقتصادية العشر الأولى في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية (GDP-PPP). وفوق ذلك، تحتل الولايات المتحدة المركز الثاني في هذا الترتيب بعد الصين، وتخلفت ألمانيا - القوة الاقتصادية الرئيسية للاتحاد الأوروبي - إلى المركز السادس (خلف روسيا)، ولا يزال وضع فرنسا والمملكة المتحدة يتراجع بتسارع (المركزان التاسع والعاشر على التوالي، أي بشكل قريب جداً من دول بوزن تركيا والمكسيك).
وهذا يعني أنه على المدى المتوسط، ستنخفض حصة الغرب في قائمة أكبر 10 اقتصادات عالمية. ومن المتوقع ألا يبقى فيها سوى الولايات المتحدة وألمانيا واليابان.
فيما يتعلق بمجموعة «السبع الكبار» على وجه التحديد، هل يجب التذكير بأنه في نهاية عام 2022، تجاوزت البريكس، بدولها الخمس الأعضاء الأولى فقط (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) دون حساب الدول الجديدة التي انضمت للمجموعة، بشكل جماعي مجموعة «السبع الكبار» الشهيرة، من حيث الناتج المحلي الإجمالي المشترك، فضلاً عن حقيقة أنه منذ عام 2020 كانت مجموعة البريكس متقدمة على مجموعة السبع من حيث المساهمة في النمو الاقتصادي العالمي؟ هذا مع الأخذ في الاعتبار أنه وفقاً للمحللين، بما في ذلك المحللين الغربيين، فإن هذا الاتجاه سوف يتكثف خلال السنوات المقبلة. ناهيك عن أن البريكس تضاعفت من حيث عدد الدول الأعضاء، من خمس إلى عشر دول بدءاً من العام 2024 الجديد، ومن بينها الدول ذات الثقل الرئيسي في العالم في العديد من القطاعات، أبرزها الطاقة على وجه الخصوص. وهذا دون الأخذ في الاعتبار حقيقة أن مجموعة البريكس ستستمر بالتأكيد في التوسع، على عكس مجموعة السبع، ليس لأن الغرب لا يرغب في توسيع صفوفه، بل لأن أي دولة تسعى لتكون ذات سيادة حقيقية، أياً كان وزنها في الاقتصاد العالمي، لن تكون مهتمة بالتفاعل النشط مع مجموعة السبع، بل اختيارها سيقع على مجموعة البريكس بشكل واضح.
وإلى جانب البريكس، هنالك أيضاً منظمة شنغهاي للتعاون، والتي ربما تكون حصتها في الاقتصاد العالمي أقل قليلاً من حصة مجموعة البريكس، ولكنها مع ذلك تمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي (أكثر من 13 ضعف ما كانت عليه في عام 2001 عندما تم إنشاء منظمة شانغهاي للتعاون).
أما الأمر الأجدر بالتوقف عنده، هو أنه من الاقتصادات العشرين في العالم التي من المتوقع أن تنمو بشكل سريع في عام 2024، هناك 12 اقتصاداً أفريقياً. هنا يمكن أن يفهم المرء لماذا تحاول الأنظمة الغربية يائسةً الحفاظ على هيمنتها المتداعية في أفريقيا، ولماذا تحاول الوقوف في وجه التنسيق الصيني الروسي في أفريقيا بشكلٍ خاص.