هل أوروبا هي الهدف الأساسي من عدوان الأنجلوساكسون على اليمن؟
أمريكا ومعها بريطانيا، تشنان عدواناً عسكرياً على اليمن. الهدف المعلن هو «حماية الملاحة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين». هناك من يقول بأنّ بين الأهداف أيضاً، تخفيف الضغط على الكيان الصهيوني، وخاصة بما يتعلق بتجارته الخارجية التي تضررت بفعل النشاط اليمني في البحر الأحمر.
النشاط اليمني المناصر لفلسطين في البحر الأحمر، وخلافاً للأكاذيب الأمريكية، لم يشكل أيّ خطرٍ على حركة الملاحة الدولية، بل هو محصورٌ بالملاحة «الإسرائيلية» المباشرة أو المملوكة لـ«إسرائيليين». ويشير سلوك شركات الشحن الكبرى، والصينية منها خاصة، إلى أنّها تملك قناعة بهذا الأمر دفعتها إلى استكمال رحلاتها بشكل طبيعي ودون خوف، في حين أنّ ما عطّل ويعطل جزءاً من رحلاتها عبر البحر الأحمر، هو عسكرة البحر الأحمر من قبل الأمريكان، بالتوازي مع رفع شركات التأمين البحري الغربية، وخاصة البريطانية، لأسعار التأمين بأشكالٍ غير مبررة، وقيام هذه الشركات أيضاً بتخفيضات في التأمين على الرحلات التي تدور حول رأس الرجاء الصالح... كلّ ذلك هو ما خفّض من معدلات المرور عبر البحر الأحمر.
المحصلة الحقيقية للعدوان الأمريكي، وقبله تشكيل تحالف «حارس الازدهار» (سبق أن خصص مركز دراسات قاسيون مقالاً له)، هي تعطيل الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر؛ ليس فقط الملاحة المرتبطة بالكيان الصهيوني، والتي تكاد تكون بلا أي وزنٍ فعلي مقارنة بحجم التجارة عبر البحر الأحمر، بل تعطيل كامل الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر. بالتوازي، جرى ويجري ارتفاع حادٌ في أسعار الشحن البحري، وفي أسعار التأمين البحري، ما يعني بالمحصلة ارتفاعاً كبيراً في أسعار البضائع... ولكن أية بضائع؟ القسم الأعظم من التجارة عبر البحر الأحمر، هو بضائع قادمة من شرق آسيا، خاصة من الصين والهند، باتجاه أوروبا.
فلنتذكر أنّ الأزمة الأوكرانية التي اشتغلت واشنطن على تفجيرها طويلاً، وبعد تفجيرها عملت وتعمل على استدامتها وإطالتها، وتوريط أوروبا فيها، وخاصة عبر العقوبات على روسيا وتفجير خطوط نقل الغاز... كل ذلك أدى إلى موجة تضخم في كامل أوروبا، وأدى إلى تراجع الناتج الصناعي وإلى بدايات هجرة لرؤوس الأموال وللمصانع... لعل الأزمة الألمانية، والتي ما تزال في بدايات تبلورها، مع تراجع بمقدار 4.8% من حجم الناتج الصناعي خلال سنة واحدة، ومع النزول من المركز الخامس دولياً إلى السادس في الناتج المحلي الإجمالي بمعادل القوة الشرائية لتحتله روسيا بدلاً عنها، لعل الأزمة الألمانية هذه، هي المثال الملموس لما يجري في أوروبا، وما تعد به السنوات القليلة القادمة.
مع انقطاع توريد الطاقة الرخيصة من روسيا إلى أوروبا، باتت الأخيرة سوقاً للغاز المسال الأمريكي. ويمكننا أن نستقرئ الآن أنّ الرفع الاصطناعي لتكاليف نقل البضائع من شرق آسيا باتجاه أوروبا، من شأنه أيضاً أن يفتح للأمريكيين أسواقاً لبضائع أخرى ضمن أمريكا، عدا عن الطاقة.
ضمن الأزمة التضخمية الكبرى التي يعيشها الدولار الأمريكي، ومعه حكم النخبة المهيمنة على إصداره، والمهيمنة من خلاله على قسم أساسي من التجارة الدولية، الأزمة التي يعبر عنها أفضل تعبير هرم الدين العملاق الذي لا ينفك يكبر ويتضخم بسرعات قياسية... ضمن هذه الأزمة، ربما يصبح من المفهوم أنّ الولايات المتحدة، وأمام عجزها عن الاستيلاء على روسيا والصين من الداخل أو من الخارج، وعجزها تالياً عن منع تقدم مشروعهما المشترك لنظام عالمي بديل كلمة السر فيه القضاء على الدولار... يصبح مفهوماً أنّ ابتلاع أوروبا، بمقدراتها وثرواتها وصناعاتها، لتسليع جزء من الدولار المتضخم، بات حاجة ملحة بالنسبة للأمريكان، خاصة وأن اليورو هو الاحتياطي التاريخي الأقرب منالاً للأمريكان بحكم سيطرتهم طويلة الأمد في أوروبا، والتي بدأ العمل عليها يوماً بيوم، منذ بدأت «الحرب الباردة» ومعها خطط مارشال لإعادة إعمار، -وتكبيل- أوروبا.
ضمن هذا التصور، يمكن أن نسير خطوة إضافية إلى الأمام في إطار الافتراض... ما نقصده بالضبط هو أنّه ليس مستبعداً أن يكون ضمن استراتيجيات واشنطن خلال السنوات القادمة، ليس فقط تفكيك وإنهاء الاتحاد الأوروبي (وهذا يفسر، جزئياً على الأقل خروج بريطانيا من الاتحاد)، ولكن أيضاً، وضمناً، إنهاء اليورو، وتسييد الدولار كعملة تبادل في أوروبا، وهذا الأمر يصبح أكثر واقعية كلما زاد ارتباط أوروبا تجارياً بالولايات المتحدة؛ ابتداءً من الأسواق الزراعية للشركات العملاقة المتحكمة بالبذار والأسمدة، ومروراً بالطاقة، ووصولاً إلى التكنولوجيا... حين تصبح رقبة أوروبا بشكلٍ كاملٍ في القبضة الأمريكية، يغدو تدمير اليورو وسيادة الدولار مكانه... تحصيل حاصل!