المعركة الأوكرانية قد تنتهي، بينما الحرب مستمرة
تدل معظم التطورات والمؤشرات في الوقت الراهن إلى أن المعركة في أوكرانيا تمضي نحو خواتيمها، خاصة مع توقف الدعم والتمويل حالياً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ليجري الحديث في الإعلام الغربي صراحةً عن هزيمة الأوكرانيين بعد فشل هجومهم المضاد، لكن وفي المقابل ترصد موسكو، وتستعد، لمعركة طويلة الأمد.
فشل الاتحاد الأوروبي بتمرير 50 مليار دولار، والولايات المتحدة بتمرير 60 مليار دولار، كمساعدات مالية لأوكرانيا، في وقت تقف فيه كييف عاجزة وبأصعب مرحلة لها حتى الآن منذ بدء «العملية العسكرية الروسية الخاصة» مع نقص حاد في عداد الجيش من موارد بشرية ولوجستية من سلاح وذخيرة، وتدنّي رغبة الأوكرانيين بالالتحاق بالخدمة مما دفع السلطات إلى سن تشريعات وقرارات أوسع للتعبئة ونشر حواجز طرقية لالتقاط الشبان وإرسال من يمكن إرساله إلى الجبهات، فضلاً عن تدهور أوضاع البلاد الاقتصادية، وبروز خلافات حادة بين أطراف القيادة العسكرية والسياسية.
رغم ذلك، لا تزال مسألة عرقلة التمويل لكييف من الأوروبيين والأمريكيين أمراً مؤقتاً حتى الآن، ولا يمكن الاستناد إليها لوضع استنتاجات أخيرة تفيد بتخلّي الغربيين عن الأوكرانيين، ففي أية لحظة قد يجري تمرير تلك القرارات العالقة في بروكسل وواشنطن، ومن جهة أخرى، فإن التمويل والدعم الغربي لأوكرانيا قد يجد له تشريعات أو منافذ أخرى.
المؤكد أن المصلحة الأمريكية لا تزال نفسها، وهي إطالة أمد الصراع وتأجيل إعلان الهزيمة قدر المستطاع بالحد الأدنى، ولا يزال الأمريكيون حتى الآن قادرين على شراء الوقت لهذا الغرض على حساب حياة الأوكرانيين وأمن الأوروبيين ككل، فحتى الآن لا توجد أية مؤشرات حقيقية عن رغبة الأمريكيين بخوض المفاوضات مع موسكو، بينما تتزايد هذه الأصوات من الأوروبيين، وعليه بات من الواضح وجود خلاف أوروبي-أمريكي يجري من خلف المسرح حول مستقبل المعركة وزمنها.
أكثر من ذلك، تسعى واشنطن لدفع دول أوروبية أخرى إلى المواجهة، كبولندا التي جرى ويجري تحضيرها بهذه المعاني خلال الفترة السابقة، وفنلندا التي دخلت حلف الناتو وتٌجري مؤخراً اتفاقات ثنائية لها مع الولايات المتحدة للسماح للأخيرة باستخدام قواعدها العسكرية داخل البلاد مما يجعل منها هدفاً مشروعاً بالنسبة لموسكو، أي أن فشل الهجوم العسكري الأوكراني المضاد، وإن كان فشلاً أوكرانياً-غربياً على حدٍّ سواء، وإن كان بمثابة هزيمة لكييف، إلا أن واشنطن تحاول تحميل مسؤوليته على الأوكرانيين وحدهم بمعركتهم وضمن ساحتهم الجغرافية، بينما تُبقي الحرب عموماً مفتوحة باحتمالات عدّة وبمساحة أوسع بالنسبة لموسكو، ولتقوم بقمع الأوروبيين بهذا الشكل عبر رفع التهديد الأمني والعسكري عليهم.
ترصد موسكو هذه الأحداث والتطورات، وعليه لا تزال ترفع من قدرات وكفاءات إنتاجها العسكري بصورة كبيرة وتزيد من تأهبها العسكري على حدودها كافة، وقد أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة تصريحات في الأسبوع الماضي خلال اجتماع له مع مجلس وزارة الدفاع، تدلّ على استعداد موسكو لحرب طويلة الأمد، منها أن «الغرب لم يتخلَّ عن أهدافه العدوانية في أوكرانيا ونحن أيضاً لا نتخلى عن أهداف عمليتنا العسكرية» وأن الناتو نشر «عدداً كبيراً من التشكيلات على حدودنا».
ووجّه بوتين باجتماع مجلس وزارة الدفاع إلى «رفع إنتاج الذخائر عالية الدقة والمسيرات [...] تحسين أنظمة الدفاع الجوي [...] يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن التحديات والتهديدات الجديدة، زادت الحاجة إلى الثالوث النووي. يجب تعزيز عمل المجتمع الصناعي العسكري».
وأكد في الوقت نفسه أن «مؤسسات المجمع الصناعي العسكري قامت بقفزة نوعية، حيث تعمل الشركات بثلاث ورديات، لمواجهة كل التحديات من قبل الغرب [...] زادت صناعة الدبابات والمدرعات بثلاثة أضعاف، وزاد إنتاج الذخائر بـ 2.7 مرة، وبعضها بـ 7 مرات».
لا بد من التنويه إلى أن هذه الأمور لا تعني الجزم بوجود أو فتح ساحات معركة جديدة، أو إعادة تنشيط الساحة الأوكرانية، لكنه وبالوقت نفسه لا يعني انتهاء الحرب مع انتهاء الهجوم الأوكراني المضاد، لا تزال الحرب مستمرة حتى اللحظة... وعليه تُقدِمُ موسكو على فعل ما تراه ضرورياً ومناسباً للدفاع عن نفسها وسط التشدّد الغربي الممتنع عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات، والمؤشرات العدوانية المستمرة الصادرة عنهم، وتعلن ذلك صراحة، وما يجري التعويل عليه هو اتخاذ الغربيين الدروس المناسبة من المعركة الأوكرانية ووقف فاتورة الحرب والخسائر عند هذا الحد والتقاط يد موسكو التي لا تزال ممتدة للحوار.