غزة- غيرنيكا هذا العصر
ألكسندر براخانوف ألكسندر براخانوف

غزة- غيرنيكا هذا العصر

ما يجري في غزة هي انتفاضة تجري ضمن سجن، وقمع دموي لهذه الانتفاضة. قمع النازيون بشكل رهيب انتفاضة اليهود في الحي اليهودي في وارسو. وقمع الإسلاميون الأفغان بلا رحمة انتفاضة أسرى الحرب السوفييت في سجن بالقرب من الحدود الباكستانية. واليوم، تقوم إسرائيل بقمع الانتفاضة في غزة بوحشية همجية.

صحيفة زافترا الروسية- ترجمة قاسيون

عام 1948، سقطت دولة إسرائيل فوق الأراضي الفلسطينية سقوط حجرٍ نيزكي، فاحترقت المنطقة المحيطة بها، مخلفة حفرة واسعة. ومنذ ذلك الحين، تقوم إسرائيل بطرد الفلسطينيين من أرض أجدادهم، وبملء المخيمات باللاجئين الفلسطينيين، وملء زنزاناتها بالثوار الفلسطينيين. الفلسطينيون هم شعب شهيد، شعب محارب، وهم بشيرُ العدالة. إن الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل هو صراع بين المضطهَدين وبين الجلادين والقتلة.

يقول الصهاينة: في عام 1948 جاءت إسرائيل إلى وطنها التاريخي. يروي الكتاب المقدس كيف تم إنشاء هذا "الوطن التاريخي". فاليهود بقيادة موسى لم يأتوا إلى مكان خالٍ أو إلى صحراء قاحلة. لقد جاؤوا إلى الأراضي التي عاشت فيها شعوب كنعانية مزدهرة، وقامت مدن، وازدهرت بساتين الزيتون. وخان اليهود المدن الكنعانية، وضربوا الكنعانيين دون استثناء، ووضعوهم تحت فؤوس حديدية ومناشير فولاذية، وألقوا بهم في حفر الجير الحي.

تمت إبادة الكنعانيين بالقسوة نفسها التي تُباد بها غزة الآن. غزة هي حيث ينتظر المحكومون بالإعدام لحظة إعدامهم. غزة هي غرفة الغاز حيث الأطفال والشيوخ يختنقون من العذاب. إذا أردت أن تفهم ما هو الكفر والقسوة، فانظر إلى أنقاض غزة التي تقطر بالدماء، وكل حجر يصرخ بصوت طفل مقتول، وكل شظية جدار مليئة بدعوات النساء المقتولات وكبار السن.

إسرائيل هي ابنة أمريكا المتبناة. مليارات الدولارات تتدفق من أمريكا إلى إسرائيل، لتغذية الجيش الإسرائيلي، وإنشاء نظام في إسرائيل يرضي أمريكا. فالفلسطينيون، بينما يحاربون إسرائيل، يحاربون أمريكا. الجيش الروسي، الذي يقاتل في أوكرانيا، يقاتل أمريكا. أمريكا هي عدوة فلسطين وعدو روسيا.

قام الفلسطينيون، بعد أن أطلقوا انتفاضتهم في غزة، بتحويل قوة أمريكا، التي نقلت حاملات طائراتها وقاذفاتها الاستراتيجية إلى الشرق الأوسط، وأصبح الأمر أسهل بالنسبة للجنود الروس بالقرب من كوبيانسك وأفديفكا. إن هجوم حماس على إسرائيل، ودبابات الميركافا المحترقة، والجنرالات الإسرائيليون الأسرى ـ كل هذا دمر أسطورة إسرائيل التي لا تقهر.

كنت في قطاع غزة ورأيت كيف يعمل هذا السجن. غزة محاطة بجدار خرساني ضخم على طول حدودها البرية. الجدار مغطى بالأسلاك الشائكة وتوجد عليه أبراج بها مدافع رشاشة وخلايا ضوئية وأجهزة رؤية ليلية. وكل من يدخل في مجال رؤية هذه البصريات القاتلة، سواء كان إنساناً أو بقرة أو طيراً، يُقتل بالرشاشات الآلية. وتتواجد الزوارق العسكرية الإسرائيلية في البحر ليلًا ونهارًا، لمنع محاولات الصيادين الفلسطينيين الذهاب للصيد.

الفلسطينيون الذين يحاربون الحصار، مثل السجناء الذين يقاتلون السجانين، يحفرون ممرات تحت الأرض وأنفاقًا تحت جدار خرساني. ويمر الغذاء والملابس وأنابيب المياه وإلكترونيات الاتصالات والأسلحة المخصصة للانتفاضة إلى غزة عبر هذه الأنفاق.

في غزة، صلّيتُ في معبدٍ مسيحي من القرن الخامس، واستمعت إلى محاضرات في الجامعة الإسلامية، والتقيت بزوجات روسيات لمهندسين وأطباء ومدرسين فلسطينيين درسوا في الاتحاد السوفيتي، والآن يتحدث أطفالهم الذين يعيشون في غزة اللغة الروسية.

قمت مع نساء فلسطينيات بزراعة بستان زيتون في محيط غزة. والآن بين تلك الزيتونات تقف زيتونتي، والصواريخ الإسرائيلية تتطاير فوقها، وتتطاير أوراقها من أغصانها بفعل الموجات الانفجارية. هذه الشجرة لي. هذه الشجرة هي أنا. وأنا مغطى بالشظايا.

غزة تُقتل أمام أعين الإنسانية. والإنسانية تثرثر عن الرحمة والعدالة الإلهية، ويجتمع مجلس الأمن في الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه، تحرق القنابل والصواريخ غزة. ومسؤولية دماء غزة تقع على عاتق الإنسانية جمعاء.

رسم بيكاسو لوحة «غيرنيكا» العظيمة عن مدينة دمرها النازيون. غزة هي غيرنيكا عصرنا هذا.

لوحة غيرنيكا - بيكاسو

لوحة غيرنيكا - بيكاسو

آخر تعديل على الجمعة, 27 تشرين1/أكتوير 2023 09:12