مرشّحٌ عجوز لـ«الإمبراطوريّة العجوز»!
أحمد علي أحمد علي

مرشّحٌ عجوز لـ«الإمبراطوريّة العجوز»!

أعلن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في الخامس والعشرين من شهر نيسان/أبريل الفائت أنه يعتزم الترشّح للانتخابات الرئاسية المقبلة في العام القادم 2024، وكانت قد سبقت بايدن في إعلان نيّتها بالترشّح الكاتبة الأمريكية ماريان ويليامسون من الحزب الديمقراطي أيضاً، فيما أعلن ابن شقيق الرئيس الراحل جون كينيدي، روبرت كينيدي جونيور، عن ترشّحه رسميّاً للانتخابات التي من المقرَّر إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

لكن رغم ذلك، فلا يرى المحلّلون السياسيون والمهتمّون بالشأن أنّ هنالك أيّ منافس من الحزب الديمقراطي قادر على منافسة جو بايدن، وذلك على الرغم من كون الأخير كانت قد انخفضت شعبيته وفق العديد من استطلاعات الرأي الأخيرة. وبصورة عامّة، يمكن القول وفق المعطيات الحالية، إنّ معظم الديمقراطيين مستعدّون لدعم بايدن، ومعظم الجمهوريين مستعدّون لدعم سلفه وخصمه السياسي الرئيسي دونالد ترامب بحال تم ترشيح كليهما من قبل حزبيهما كمرشَّحين للرئاسة.

وفي الحقيقة، من غير المهمّ أبداً المضي في تفاصيل وترجيحات أيّ من الشخصيات سيفوز، وأيّ من الحزبين سيحظى بكرسي الرئاسة الأمريكية، أمام قضيَّتيَن أساسيَّتَين كانت قد طرحتهما «قاسيون» مراراً، وشكّلا جزءاً أساسيّاً من خطابها؛ الأولى: أنّ التراجع الأمريكي على مستوى العالم عملية قائمة ومستمرّة، والثانية، أنّ التيّارين العميقَين المتصارعَين في أمريكا هما تيار الحرب وتيار الانكفاء، والصراع بين هذَين التيارَين عابر لكلّ الصراعات السياسية وغيرها في البلاد. بمعنى أنه عابر للصراع الشكلي الذي يتم تصويره وتكريسه سياسيّاً وإعلامياً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

ونقول إنّ المضيّ في هذه التفاصيل ليس مهمّاً لأنه استناداً إلى القضيتين الأساسيتين السابقتين، يمكن الوصول إلى الاستنتاجين التاليين:

  • التراجع الأمريكي سيستمر بغضّ النظر أيّ من الإدارتين ستقود البلاد.
  • الفرق الوحيد بين إدارتي التيارين، هو في آلية إدارة الأزمة، أي آلية التعاطي مع التراجع من ناحية كيفية وسرعة حدوثه.

وليكون الفرق بين إدارتي التيارين أكثر وضوحاً، يكفي أن يلقي المرء نظرة على الفترتين الرئاسيتين الأخيرتين في أمريكا، أي فترة حكم ترامب الذي يعدّ ممثلاً لتيار الانكفاء، والفترة الحالية من الحكم لجو بايدن الذي يمثّل التيار الآخر: تيار الحرب. فعلى الرغم من «هيستيريا» ترامب وما طاله من أوصاف من قبيل «الحادّ» و «المجنون» و«غير الدبلوماسي» و«غير البراغماتي» بالتعاطي مع الحلفاء، فإنّ الفترة الذي حكم فيها البلاد لم تتسبّب بضرر كبير ومباشر على الحلفاء، ولم تستدعِ بالتالي ردودَ أفعال عدوانية معادية. بمعنى آخر حافظت إدارة ترامب على توازنٍ ما يسمح بالتراجع البطيء والهادئ والأقلّ خسائر بالنسبة لأمريكا.

بالمقابل فإنّ بايدن، وكما شهدنا، خلال فترته الرئاسية الجارية، قد أشعل النيران وشنّ الحروب على الخصوم والحلفاء، وعاد ذلك بأضرار كبيرة (إنْ لم نقلْ كوارث) على أمريكا نفسها، وعلى حلفائها الذين زجّتهم في حربها ووضعتهم في وجه النيران مع كلّ ما حمله ذلك من ارتدادات هدّدت اقتصادهم وبلدانهم (مثال: أوروبا).

وهنا، قد يصل القارئ إلى استنتاج بأنّ إدارة ترامب - في حال كانت موجودة الآن - أو في حال جاءت إلى الحكم مرّة أخرى؛ فإنها ستكون معنية بسلام أوروبا أو بسلام العالم، ولهذا ينبغي التوضيح هنا أنّ الأمر ليس على هذا النحو إطلاقاً بل يتعلّق الأمر بحجم الرغبة في الصرف والمكاسب بين إدارتَي التيّارَين، ومن هنا مثلاً رفض ترامب وتيّارُه تدخُّل أمريكا العسكري في الحرب الأوكرانية؛ أيْ لما يحمله ذلك من تكاليف عسكرية ومالية باهظة، وليس إطلاقاً لما يحمله ذلك من مخاطر على السلام والأمن.

ما يجري الآن هو أنّ حلفاء أمريكا يجري تدميرُهم شيئاً فشيئاً بظلّ إدارة بايدن، بينما خصوم أمريكا الجدييّن يزدادون صلابة وشدّة، وهذا مفصل خلاف أساسي بين التيارين الأمريكيين السابق ذكرهما. يرى تيار الانكفاء أن تدمير حلفاء أمريكا ونجاة خصومها الحقيقيين هو خسارة كبيرة جداً ومضاعَفة لأمريكا، لأنها ستسرّع عملية التراجع للبلاد من جهة، وستبطئ عمليات ترميم وتمتين الاقتصاد الحقيقي المطلوبة من جهة أخرى، وهي عمليات مطلوبة موضوعياً من أجل التحضير لأيام أمريكا القادمة التي تحمل قدراً كبيراً من المخاطر كما يبدو عليه الأمر.

إن ترشّيح بايدن للحكم مرّة أخرى، هو ليس ترشيحاً لشخص، بل ترشيحاً لنهج وتيّار؛ بمعنى أنّ ما يجري ترشيحُه هو تيّار الحرب، وبحال تمّ الأمر ورشّح الحزب الديمقراطي بايدن وفاز بالرئاسة؛ فإنّ السلوك الأمريكي الذي أصبح معروفاً خلال السنوات الثلاث الماضية سيستمرّ بما يحمله من تأجيج للحروب، وزعزعة لاستقرار العالم، وسيكون لهذا انعكاساته ونتائجه على أمريكا وعلى العالم، لكن أوّل المتضرِّرين منه هو أمريكا ذاتها لأنّ الداخل الأمريكي قابَ قوسَين أو أدنى من الانفجار بظلّ الانقسام الحادّ السائد لدى النخبة والمجتمع!