استفتاء اسكتلندا... جولات ووجوه عديدة

استفتاء اسكتلندا... جولات ووجوه عديدة

بعد الاستفتاء الذي جرى في 18 أيلول 2014، وصوَّت فيه الاسكتلنديون بنسبة 55 في المائة ضد الاستقلال عن بريطانيا مقابل 45 في المائة أيّدوا الاستقلال، أعلن أليكس سالموند الزعيم القومي الاسكتلندي ورئيس الوزراء آنذاك أنه سيتنحّى. وأعلن الحزب القومي الاسكتلندي عن اختيار نيكولا ستورغن خلفاً لزعيم الحزب السابق.

 

وبعدما كانت النقاشات تدور حول مدى تأثير استقلال اسكتلندا على موقع بريطانيا في مجلس الأمن، وهل ستظل تحتفظ بحق الفيتو، خفَتَ هذا النقاش ستَّ سنوات لم تكن هادئة حقاً، ليعود من جديد بعد أزمة الكورونا في العام 2020، لتُظهر استطلاعات الرأي أنّ غالبية الاسكتلنديين (53% ومن ثم 58%) يؤيّدون الاستقلال عن المملكة المتحدة مع دعم للقوميين الذين عززت موقفهم رؤية أكثر إيجابية بشأن كيفية استجابتهم لجائحة كوفيد-19 مقارنة بلندن. لكن رفض رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون آنذاك كان قوياً جداً مع الإصرار على أن استفتاء 2014 كان حاسماً ويجب احترامه، ووصف جونسون نقل صلاحيات من حكومة بلاده لاسكتلندا بأنه «كارثة»، ومع تقدم الحزب القومي الاسكتلندي وفوزه بأغلبية غير مسبوقة في البرلمان الاسكتلندي في الانتخابات 2021 تزايدت المواجهة بخصوص الدستور مع وستمنستر.

بريكست

وكانت الوشائج التي تربط المملكة المتحدة قد تعرضت لتوتر شديد بفعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويبدو أنّ هذا كان جزءاً من أسباب اهتزاز الاستقرار في المملكة المتحدة إذ طالما صرّحت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستورجن في رسائل واضحة للاتحاد الأوروبي، إنها أبلغت بروكسل بأنّ اسكتلندا ستعود قريباً وذلك بعدما أكملت المملكة المتحدة الفترة الانتقالية للخروج من الاتحاد الأوروبي: «اسكتلندا ستعود قريباً يا أوروبا... أبقي النور مضاءً».
كما صوّت أعضاء البرلمان الاسكتلندي لرفض اتفاق التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إنّ القرار على مستوى المملكة المتحدة عام 2016 بمغادرة الاتحاد الأوروبي كان مخالفاً لرغبات معظم الاسكتلنديين، حيث صوّت 62% لصالح البقاء داخل الاتحاد بينما أراد معظم الناخبين في إنكلترا وويلز المغادرة. وأعطى ذلك للقومية الاسكتلندية زخماً جديداً.
واستمرّ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في العام 2021 في الإصرار على أنّ الاستفتاءات يجب أن تحدث مرة واحدة فقط في عمر كلّ جيل، خوفاً من إمكانية إجراء تصويت جديد على استقلال اسكتلندا. ودعا جونسون زعماء الدول المفوَّضة في المملكة المتحدة لإجراء محادثات بعد فوز الحزب الاسكتلندي المؤيّد للاستقلال بعدما قالت نيكولا ستورجن، زعيمة الحزب الوطني الاسكتلندي: إنّ التصويت الثاني لاستقلال اسكتلندا كان «رغبة البلاد» وأيّ سياسي في لندن يقف في طريقه «سيخوض معركة مع الرغبات الديمقراطية للشعب الاسكتلندي».
وهدّدت بأنّ أيّ محاولة للمحافظين لعرقلة تنظيم استفتاء جديد ستضعهم «في معارضة مباشرة لإرادة الشعب الإسكتلندي».

الدولة الفاشلة

في الوقت الذي حذّر فيه رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، غوردن براون، من تحوّل بلاده إلى «دولة فاشلة» في حال لم تباشر بإصلاحات جوهرية، بعد أن فقد الكثير من البريطانيين الثقة في إدارة البلاد وفي النخب: «أعتقد أن الخيار الآن يقع بين دولة خاضعة لإصلاحات ودولة فاشلة»، مضيفاً أنّ «التململ الأعمق فعلياً موجود في اسكتلندا إلى حدّ أنه يهدِّد بنهاية المملكة المتحدة». ورغم أنّ نغمة الدولة الفاشلة ليست محصورة في المملكة المتحدة بل توجد في العديد من الدول الأوروبية، إلا أنّ الخروج من الاتحاد الأوروبي أشعل هذه الشرارة البريطانية التي لم يعد من الممكن إطفاؤها بسهولة.
خوف نووي
وبدأت التخوّفات من الانفصال تبدو حقيقية إلى درجة أنه في أيلول 2021 وضعت سلطات البلاد خططَ طوارئ سرّية لنقل غوّاصاتها النووية من اسكتلندا إلى الولايات المتحدة أو فرنسا في حال استقلال اسكتلندا.
ورغم تأجيل الاستفتاء الثاني إلى ما بعد رفع قيود مكافحة كورونا دعت ستورجون إلى «إجراء استفتاء آخر بحلول نهاية عام 2023 عندما تنتهي جائحة كورونا».

حملة جديدة 2023

وأعلنت عن بداية حملتها الجديدة في حزيران 2022 قائلة: «هل نظل مرتبطين بنموذج اقتصادي بريطاني يوجهنا إلى نتائج اقتصادية واجتماعية سيئة نسبياً من المرجح أن تزداد سوءاً وليس أفضل خارج الاتحاد الأوروبي؟ أم أننا بدلاً من ذلك نرفع أعيننا بالأمل والتفاؤل ونستلهم من البلدان المماثلة عبر أوروبا؟» وحددت موعداً لإجراء استفتاء على الاستقلال، وأن التصويت سيجري في 19 تشرين الأول 2023.
وفيما انقسم الناخبون الاسكتلنديون على ما إذا كان سيجرى استفتاء ثان في البلاد، استمر عناد بوريس جونسون بأن: «الوقت الحالي ليس مناسباً لمعالجة قضية الاستفتاء على الاستقلال».
ولم تكد ليز تراس تصل لمنصب رئيس الحكومة -الذي بقيت فيه لمدة 44 يوماً فقط- حتى أوضحت أنها لن تسمح بإجراء استفتاء جديد، فيما أعلن ريشي سوناك حتى قبل وصوله للمنصب، أن الوقت الحالي هو «أسوأ وقت» لهذا الاستفتاء.

المحكمة العليا تحرم

واستمرت رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن بالإعلان أنها ستواصل حملتها للانفصال عن المملكة المتحدة، بعدما حرمت المحكمة العليا في المملكة المتحدة السلطات الاسكتلندية من حق تنظيم استفتاء جديد حول استقلال المنطقة.
ويبدو أن تغيير رؤساء الوزراء الماراثوني في 2022 كان بلاغاً جلياً على مدى تخبط الحكم في المملكة المتحدة إلى درجة أن صرحت ستيرجن: «بصراحة، تزداد قضية الاستقلال قوة مع كل ساعة تمر، حيث ينظر الناس في جميع أنحاء اسكتلندا في رعب إلى الفوضى التي تظهر على شاشات التلفزيون لدينا».

مجال النفوذ الروسي

ويبدو أن جزءاً من التخوف البريطاني من حصول اسكتلندا على استقلالها هو توقعات أن اسكتلندا قد تدخل في مجال النفوذ الروسي (على حد قول بعض الخبراء)، في حال نجاح الاستفتاء على استقلالها عن المملكة المتحدة. حيث إن الشركات البريطانية ستغادر اسكتلندا في حال استقلالها، ما سيدفع إدنبره للبحث عن دعم اقتصادي، يمكن أن تقدمه روسيا أو الصين.

يوسف بعد ستيرجن

وفي خضم هذه المعمعة تبدو استقالة رئيسة وزراء اسكتلندا نيكولا ستيرجن في الخامس عشر من شباط 2023 من منصبها بعد 8 سنوات أمضتها في الحكم مفاجأة كبيرة، لتتراجع نسبة تأييد استقلال اسكتلندا عن المملكة المتحدة بشكل واضح بعد مرور شهر من استقالتها، رغم
انتخاب خلفها حمزة يوسف، في زعامة الحزب ورئاسة الوزراء، الذي تعهّد بقيادة اسكتلندا لتحقيق الاستقلال عن بريطانيا «في هذا الجيل». وهو من يرث المهمّة الحسّاسة المتمثّلة بإعادة إطلاق حركة الاستقلال التي تفقد زخمها وتصطدم برفض لندن السماح بإجراء استفتاء جديد.
حيث قال يوسف في خطاب النصر «سنكون الجيل الذي سيحقق استقلال اسكتلندا»، مؤكّداً أن «الشعب» الإسكتلندي «بحاجة للاستقلال اعتباراً من الآن، أكثر من أي وقت مضى»، مطالباً رئيس وزراء بريطانيا ريشي سوناك بتخويله إجراء استفتاء جديد حول الاستقلال خلال لقائه الأول برئيس الوزراء البريطاني، معرباً عن أمله في أن «يحترم التطلعات الديمقراطية» للبرلمان الاسكتلندي ويمنح له الصلاحيات لإجراء الاستفتاء...
ويبدو أنّ هذا الاقتراع قد يترك تداعيات كبرى على مستقبل المملكة المتّحدة حيث تزايدت الانقسامات بين المناطق الأربع المكونة للبلاد (إنكلترا واسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية) بعد بريكست.

آخر تعديل على الجمعة, 05 أيار 2023 22:02