السعودية وتكتلات القوى الصاعدة: تعاون استراتيجي ودفعة قوية
في السنوات الأخيرة، كانت السعودية تبتعد بالتدريج عن اعتمادها التاريخي على الولايات المتحدة كحليف رئيسي، وتتجّه فعلياً نحو شركاء آخرين. ولفت هذا التحوّل اهتمام الجميع في العالم، فرغم الارتباط السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني الوثيق بين الجانبين، اتضح أن السعودية أعادت تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، ومشت خطوات واضحة على طريق الدفاع عن مصالحها الوطنية.
أحد أوجه هذا التحول السعودي يرتبط بتغير المشهد الجيوسياسي في المنطقة. حيث أدى التراجع العام في الوزن الأمريكي إلى خلو جعبة الولايات المتحدة اتجاه حلفائها سوى من محاولات الابتزاز والتوريط في الملفات التي لا تريد واشنطن دفع ثمنها بنفسها، ما جعل من الطبيعي أن تلجأ السعودية - مثل أي حليف تاريخي للولايات المتحدة- إلى التفكير في تغيير سياساتها وتمتين العلاقات المشتركة مع الدول الفاعلة، وأهمها روسيا والصين، فضلاً عن اللاعبين الإقليميين الأساسيين مثل تركيا وإيران من أجل ضمان أمنها والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
في هذا الإطار، يعدّ انضمام السعودية مؤخراً إلى «منظمة شنغهاي للتعاون» حدثاً مفتاحياً له آثار بعيدة المدى على المنطقة والعالم. فالمنظمة - بوصفها كتلة دولية تجمع الصين بروسيا والهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى، نمت عضويتها في السنوات الأخيرة، ويعتبر انضمام السعودية إليها مؤخراً أحدث مؤشر على تصاعدها، حيث يُنظر إلى منظمة شنغهاي للتعاون كثقل موازن للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ويشترك أعضاؤها في مصلحة مشتركة في التعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب والتطرف والرغبة في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في العالم. ومثلما سيشكل انضمام السعودية للمنظمة دفعة كبيرة للسعودية، فإن عضوية السعودية سترفع وزن المنظمة اقتصادياً وسياسياً.
واحد أيضاً من أكثر المؤشرات وضوحاً وصرامة على تبدل السياسات السعودية هو التصريحات الأخيرة للرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، الذي أكد زيادة أرامكو طاقتها الإنتاجية بمقدار مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027 وأن هذا هدفه «تعزيز أمن الطاقة الصيني على المدى الطويل». جدير بالذكر أن ذلك يأتي بعد زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في حزيران الماضي، وبذله محاولات يائسة لإقناع السعودية رفع إنتاجها من النفط دون جدوى.
وبأخذ عوامل أخرى بعين الاعتبار، مثل طبيعة الدور السعودي في مجموعة «أوبك+»، والتصريحات المتزايدة المجافية لمصالح الولايات المتحدة في حال تعارضها مع المصالح السعودية، وصولاً إلى الاتفاق السعودي- الإيراني الذي أعلن في بكين في العاشر من الشهر الماضي، وغيرها الكثير، جميعها عوامل تجعل من الممكن القول إن هنالك تحولاً واضحاً في السياسات السعودية.
ومن الطبيعي أنه سيكون لتعزيز علاقات المملكة العربية السعودية مع الصين وروسيا وإيران وتركيا تأثير كبير على المنطقة، حيث أنه مؤشر جديد من مؤشرات عديدة سابقة على أن الترتيب القديم في المنطقة ينهار، وأنه يتم إنشاء ترتيب جديد بعيداً عن محاولات التفتيت والتقسيم التي رعتها الولايات المتحدة طويلاً.