هل حقّاً مرّت الرئيسة التايوانية «مرور الكرام» إلى أمريكا؟!
تواصل الولايات المتحدة الأمريكية محاولاتها الاستفزازية للصين عبر التعامل الرسمي المرفوض صينياً مع تايوان؛ فبعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، في أغسطس/آب من العام الفائت 2022 لتايوان، الزيارة التي تبعتها زيارة أخرى لوفد من الكونغرس الأمريكي برئاسة السيناتور إد ماركين؛ وصلت رئيسة تايوان، تساي إنغ ون قبل أيام إلى نيويورك وهنالك احتمالات للقاء قد يحصل في طريق العودة ما بين إنغ ون ورئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفين ماكارثي في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وذلك حسبما تشير تقارير نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وصحيفة the Guardian البريطانية.
ووفق ما هو معلن من الجانبين التايواني والأمريكي، فإن زيارة الرئيسة التايوانية لأمريكا، والتي ستنتهي في الخامس من أبريل/ نيسان الجاري، تأتي في إطار مرور طريق «ترانزيت» أثناء رحلتها إلى أمريكا الوسطى، والتي ستلتقي خلالها قادة غواتيمالا وبيليز لتعزيز العلاقات مع هاتين الحليفتين الدبلوماسيتين لتايوان، واللتين تعترفان رسميّاً باستقلال تايوان من بين 13 دولة فقط حول العالم ما بعد إعلان هندوراس مؤخراً قطع علاقاتها مع تايوان والتوجه نحو إقامة علاقات دبلوماسيّة مع بكين.
«أمريكا تستفزّ بحذر»!
وفي محاولة منها لتجنّب الغضب الصيني، أرسلت الولايات المتحدّة الأمريكية إشارات تطمينية الطابع إلى الصين على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، الذي صرّح أن مرور الرئيسة التايوانية المؤقت إلى الولايات المتحدة، حدث بصفة «غير رسمية» ويتفق مع سياسة «الصين الواحدة»، وأنه يأتي ضمن إطار العلاقة «غير الرسمية طويلة الأمد مع تايوان» واصفاً المرور بأنه «ليس سَفراً»، بل هو «رحلة خاصة» حسب تعبيره.
وفي الحقيقة، يعكس هذا السلوك الحيطة والحَذَر الأمريكي من ردود أفعال التنيّن الصيني، بعدما قام بما قام به من ردود أفعال صارمة إثر زيارة بيلوسي. أي أنه من الصحيح أن أمريكا تقوم باستفزاز الصين لكن هذا الاستفزاز يجري بحيطة وحذر كبيرين على ما يبدو عليه الأمر. وبمقابل ذلك، فقد وجّهت الصين تهديداتها بالردّ في حال التقى ماكارثي بالرئيسة التايوانية تساي إنغ وين، معتبرةً أن أي تحرك من هذا النوع سيكون استفزازاً للصين. وجاء هذا التهديد عبر تصريحات ألقت بها المتحدثة باسم مكتب شؤون تايوان في الصين تشو فنغ ليان أثناء مؤتمرٍ صحفي لها.
قد يحصل اللقاء بين ماكارثي وإنغ وين، وقد لا يحصل، هذا ستكشفه الأيام القليلة القادمة، لكن بغض النظر عن هذا التفصيل، فإن الحركة الأمريكية – التايوانية هذه بمجملها هي حركة استفزازية مقصودة للصين، وتأتي بالتوازي مع الاتهامات الأمريكية المتواصلة للصين بتسرّب فيروس «كوفيد – 19» من أحد المختبرات الصينية، وبعد توقيع الرئيس الأمريكي جو بايدن على القانون الذي أقرّه مجلس النواب الأمريكي في هذا الشأن. (عالجت قاسيون هذه المسألة في مادة سابقة بعنوان: لماذا تلوّح أمريكا بورقة «كورونا» في وجه الصين؟!).
«الزيارة المفاجئة وأهدافها»
حصل توقيع الرئيس الأمريكي على القانون المشار إليه أثناء القمة الروسية-الصينية التي أجراها كلٌّ من الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو. وما بعد حدوث القمّة التي أغضبت صنّاع القرار في أمريكا، جاء الإعلان المفاجئ عن زيارة الرئيسة التايوانية إلى أمريكا دون أيّة مقدمات. وفي العرف العام فإن مثل هذا الزيارات لا تحصل دون تخطيط مسبق، وذلك بصرف النظر عن طريقة الإخراج الإعلامي للزيارة.
المقصد الأمريكي من وراء هذه الزيارة وما سبقها من زيارات أخرى، هو بشكل أساسي رفع مستوى الضغط على الصين لمحاولة إشغالها، ودفعها بعيداً عن روسيا. وهذا الأمر مفهوم جدّاً لكلّ من الصين وروسيا، ولذلك كانت أبرز الإشارات السياسية التي جاءت على لسان وزير الخارجية الصيني وانغ يي منذ زيارة بيلوسي لتايوان قبل عدّة أشهر هو الإعلان عن جاهزية بلاده «لتعزيز التعاون الاستراتيجي مع روسيا لحماية النظام الدولي بشكل أكثر فعالية»، الأمر الذي تكرّر التأكيد عليه بصيغ مختلفة، والذي تتوّج بقمّة ثنائية أعلنت تحالفاً هو الأول من نوعه بعد تغيّرات «لم تحدث منذ 100 عام» كما قال الرئيس الصيني من قلب العاصمة الروسية موسكو.
التعاطي الروسي مع زيارة رئيسة تايوان إلى أمريكا يؤكّد وحدّة الرؤى الروسية – الصينية فيما يخص مثل هذه المسائل، حيث أكّدت روسيا من خلال المتحدثة باسم وزارة خارجيتها ماريا زاخاروفا، بأن تكثيف الاتصالات بين تايوان والولايات المتحدة «استفزاز صارخ ينتهك مبدأ الصين الواحدة». وممّا جاء في كلام زاخاروفا: «إنهم (الولايات المتحدة الأمريكية) لا يعرفون طريقة أخرى سوى الاستفزازات التي لا تنتهي، والتحريض ومفاقمة الوضع الدولي واختلاق ذرائع مختلفة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول».
«ورقة أمريكا الوحيدة»
أمام معطيات العالم الجديدة الضاغطة بقوة على أمريكا، لا تجد الأخيرة سبيلاً لتأخير العمليات التي تعارض مصالحها، والتي يتربع عرشها إزاحة الدولار من التداولات؛ سوى إشغال القوتين الصاعدتين بوزنهما على مستوى العالم (روسيا والصين)، ومحاولة إدارة معركتها مع كل منهما على حدة. وفيما يخص المعركة مع الصين، تعتبر ورقة تايوان هي الورقة الأهم -والوحيدة ربما- من وجهة النظر الأمريكية، لذا تعاود الولايات المتحدة فتح هذه الورقة من جديد بعد أن كان الصراع حولها قد هدأ نسبيّاً بعد تصعيد كبير.
من جديد تسعى أمريكا لدفع تايوان باتجاه الاستقلال عن الصين، وتبذل قصارى جهدها في هذا الإطار. وعلى هذا الأساس، تغدو زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة نوعاً من الاعتراف باستقلال تايوان عن الصين، أو خطوة أمريكية كبيرة في هذا الاتجاه. وبالتأكيد ستدفع هذه الخطوة إلى مزيد من التصعيد في العلاقات بين البلدين، خصوصاً بحال حدوث اللقاء فعلاً ما بين الرئيسة التايوانية ورئيس «النواب الأمريكي».
«أمريكا أكبر الخاسرين»
على أيّة حال، يلاحظ المتابع للسلوك الأمريكي مع الصين، وبشكل خاص منذ زيارة بيلوسي حتى اليوم؛ أنه يعمل بمنحاه العام على تصعيد الأمور، وأخذها باتجاه الصدام العسكري، وأن زيارة الرئيسة التايوانية هي فقرة ضمن برنامج الاستفزاز والتصعيد الأمريكي. لكن وبغض النظر عن قدرة الولايات المتحدة على الذهاب إلى صراع عسكري فعلي من عدمها؛ فإن بلوغ الصراع هذه الحدود أشدّ خطراً على أمريكا ذاتها قبل غيرها، وبحال الوصول إليه فإن أمريكا أكبر الخاسرين فيه، ولهذا ربما تستفزّ بحذر!