زيلينسكي والناتو، يخططون لتحويل أوكرانيا ما بعد الحرب إلى «إسرائيل كبيرة»
بعد أربعين يوماً فقط من بدء العملية العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، قال الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي للصحفيين إنه في المستقبل، ستكون بلاده مثل «إسرائيل كبيرة». في اليوم التالي، نشر أحد كبار المروّجين «الإسرائيليين» في الحزب الديمقراطي مقال رأي في مركز أبحاث رسمي تابع لحلف الناتو يستكشف من خلاله كيف يمكن تنفيذ ذلك...
(17 أيلول 2022)
ترجمة قاسيون
قدّم زيلينسكي توقعاته أثناء حديثه إلى المراسلين في 5 نيسان، رافضاً فكرة أن كييف ستظل محايدة في النزاعات المستقبلية بين الناتو والاتحاد الأوروبي من جهة وروسيا من الجهة المقابلة. وفقاً لزيلينسكي، لن تكون بلاده أبداً مثل سويسرا (التي تخلت عن طريق الصدفة عن تقاليد عدم الانحياز منذ عهد نابليون، من خلال فرض عقوبات على روسيا).
وأبلغ الرئيس المراسلين «لا يمكننا التحدث عن «سويسرا المستقبل»، لكننا بالتأكيد سنصبح «إسرائيل كبيرة»، بطريقتنا الخاصة».
بالنسبة لأولئك الذين يتساءلون كيف ستبدو «إسرائيل الكبيرة» في الواقع، سرعان ما شرح زيلينسكي نبوءته المقلقة.
قال الرئيس الأوكراني: «لن نتفاجأ من أنه سيكون لدينا ممثلون عن القوات المسلحة أو الحرس الوطني في جميع المؤسسات ومحلات السوبر ماركت ودور السينما - سيكون هناك أشخاص مسلحون»، متنبئاً بحياة قاتمة لمواطنيه؛ «أنا متأكد من أنّ مشكلتنا الأمنية ستكون رقم واحد في السنوات العشر القادمة».
على الرغم من أنّ المنشور على شبكة الإنترنت استند إلى التعليقات التي أدلى بها زيلينسكي للصحفيين، إلا أنّ مكتب الرئيس قام بشكل غامض بإزالة جزء من ملاحظاته أعلن فيه أن أوكرانيا المستقبلية لن تكون «ليبرالية أوروبية مطلقة». بدلاً من ذلك، جنباً إلى جنب مع رؤيته لعسكرة أوكرانيا بشدة، أكد المنشور على استعداد زيلينسكي للانضمام إلى الناتو «منذ الغد مباشرة».
لكن بالنسبة إلى سماسرة النفوذ في حلف الناتو، ربما كانت رغبة زيلينسكي الملحوظة في الانضمام إلى التحالف العسكري هي الجانب الأقل إثارة للإعجاب في بيانه. بدلاً من ذلك، في غضون 48 ساعة من تعليقاته، نشر المجلس الأطلسي - وهو مركز أبحاث شبه رسمي تابع لحلف الناتو في واشنطن - «خريطة طريق» تستكشف كيفية تحويل أوكرانيا إلى «إسرائيل كبيرة».
الوثيقة التي كتبها دانييل شابيرو، السفير الأمريكي السابق إلى إسرائيل تحت إدارة أوباما، تفترض أنّ «البلدين المحاصرين يمتلكان من المشتركات أكثر مما نعتقد».
وتماماً كما قدم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ألكسندر هيغ، «إسرائيل» على أنها «أكبر حاملة طائرات أمريكية في العالم لا يمكن إغراقها»، طرح شابيرو رؤيةً لأوكرانيا باعتبارها معقلاً مفرط العسكرة للناتو سيتم تحديد هويته الوطنية من خلال القدرة على إبراز قوة الولايات المتحدة ضد روسيا.
إسرائيل وأوكرانيا: «الأصدقاء القدامى والمخلصون»
على الرغم من إحجام «إسرائيل» عن الانضمام إلى حملة العقوبات الغربية ضد روسيا، فقد ساعدت أوكرانيا عسكرياً، حيث أرسلت شحنتين كبيرتين من المعدات الدفاعية منذ شباط من هذا العام. لكن في الماضي، كان دعم «إسرائيل» لأوكرانيا في حربها ضد روسيا أكثر من مجرد أسلحة دفاعية.
في عام 2018، قدم أكثر من 40 ناشطاً في مجال حقوق الإنسان التماساً إلى محكمة العدل العليا «الإسرائيلية» لوقف تسليح أوكرانيا بعد أن تمت رؤية أعضاء كتيبة النازيين الجدد آزوف وهم يلوحون بأسلحة إسرائيلية الصنع. وكما أشارت صحيفة هآرتس «الإسرائيلية» في ذلك الوقت، فإن «شعارات الميليشيا [آزوف] هي شعارات نازية معروفة. يستخدم أعضاؤها التحية النازية ويحملون صليباً معقوفاً وشاراتSS [الشرطة السرية النازية]. وقال أحد أعضاء الميليشيا في مقابلة إنه كان يقاتل روسيا لأن بوتين كان يهودياً!».
زيلينسكي، وهو يهودي أوكراني، لم ينزعج على ما يبدو من تسليح «إسرائيل» لعناصر نازية في بلاده. بعد عام واحد من انتخابه عام 2019، قام بالحجّ إلى القدس لإطلاق ما أسماه «الصلاة من أجل السلام»، ولحضور حدث بعنوان «تذكر الهولوكوست لمحاربة معاداة السامية». قبل الحدث، كان زيلينسكي يثني على المجتمع «الإسرائيلي»، مشيراً في مقابلة معه إلى أن «اليهود تمكنوا من بناء دولة، والارتقاء بها، دون أي شيء سوى الناس والعقول»، وأن «الإسرائيليين» هم «شعب موحد وقوي. وعلى الرغم من كونهم تحت تهديد الحرب، إلا أنهم يستمتعون كل يوم. لقد رأيت ذلك». وأضاف: «هناك العديد من الدول في العالم يمكنها حماية نفسها، لكن (إسرائيل) مثل هذه الدولة الصغيرة، لا يمكنها حماية نفسها فحسب، بل يمكنها الرد على التهديدات الخارجية»، ومعقباً بأنه زارها «مرات عديدة».
في رسالة عيد ميلاد في وقت لاحق من ذلك العام إلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك، بنيامين نتنياهو، علق زيلينسكي بأن «الأصدقاء الأوفياء القدامى هم أكثر قيمة من أي وقت مضى. أوكرانيا و(إسرائيل) لديهما صداقة من هذا النوع».
منذ تصاعد القتال بين كييف وموسكو في فبراير من هذا العام، سافر عشرات «الإسرائيليين» إلى أوكرانيا للانضمام إلى الفيلق الأجنبي.
في آب، نشرت صحيفة كييف إندبندنت الكندية المدعومة من الحكومة الكندية تحقيقاً اتهم فيه الفيلق الأجنبي الأوكراني بسرقة أسلحة وبضائع، فضلاً عن التحرش الجنسي وأشكال أخرى من الانتهاكات.
في هذه الأثناء، يثني زيلينسكي باستمرار على تل أبيب، خاصة بعد قرار المحكمة العليا «الإسرائيلية» برفع القيود المفروضة على سفر المواطنين إلى أوكرانيا.
دولة فصل عنصري مفرطة العسكرة، كنموذجٍ لأوكرانيا
بحلول نيسان من عام 2022، وصل إعجاب زيلينسكي بـ«الدولة الإسرائيلية» إلى آفاق جديدة على ما يبدو. فور إعلانه أن أوكرانيا ستصبح قريباً «إسرائيل كبيرة»، نشر سفير واشنطن السابق في تل أبيب، دانيال شابيرو خطة طريق لزيلينسكي لتحقيق هذا الحلم...
كتب شابيرو: «من خلال تكييف عقلية بلادهم لتعكس جوانب نهج «إسرائيل» في مواجهة التحديات الأمنية المزمنة، يمكن للمسؤولين الأوكرانيين مواجهة تحديات الأمن القومي الحرجة بثقة، وبناء دولة مرنة مماثلة».
يقدم المؤلف مخططه التفصيلي في 900 كلمة وثماني نقاط توضح بالتفصيل كيف يمكن لأوكرانيا أن تصبح أشبه بـ«إسرائيل»، وهي دولة وصفتها منظمة العفو الدولية مؤخراً بأنها «دولة فصل عنصري». تضمنت النقاط نصائح مثل «وضع الأمن أولاً»، والحفاظ على «هيمنة الاستخبارات»، والتذكير بأن «التكنولوجيا هي المفتاح».
وفقاً لشابيرو، فإن أحد المكونات المركزية للاستراتيجية الأمنية «لإسرائيل» هو أن «يلعب كل السكان دوراً»؛ كتب شابيرو عن المستوطنين «الإسرائيليين»: «يدرك المدنيون مسؤوليتهم في اتباع البروتوكولات الأمنية والمساهمة في القضية. بل إن البعض يسلّح نفسه (وإن كان تحت إشراف صارم) للقيام بذلك. تشير التعبئة الواسعة للمجتمع الأوكراني في الدفاع الجماعي إلى أن البلاد لديها هذه الإمكانيات». تتوافق هذه التعليقات بشكل مباشر مع تنبؤات زيلينسكي بأن «الأشخاص الذين يحملون أسلحة» سيكونون حاضرين تقريباً في كل جانب من جوانب الحياة المدنية في أوكرانيا في المستقبل.
مثل الدعاية التي تروّج لـ«نجاح إسرائيل» كدولة أمنية، تخيل مخطط شابيرو المواطنين الأوكرانيين الذين يوحدهم «هدف مشترك» بمساعدة «ابتكارات التكنولوجيا الفائقة» في تل أبيب في قطاعي الجيش والاستخبارات. تصوّرُ خطته التقدم الذي أحرزته «إسرائيل» في مجال الأمن باعتباره إنجازاً أسطورياً تقريباً بسبب الروح المشاكسة والإبداعية لمواطنيها، وتتجاهل العامل المادي الأكبر في نجاحها: مستويات غير مسبوقة من المساعدة العسكرية الأجنبية، لا سيما من الولايات المتحدة. في الواقع، لولا دافعي الضرائب الأمريكيين الذين يدعمون جيشها فعلياً من خلال حزم مساعدات سنوية تصل إلى مليارات الدولارات التي لا تحصى، فمن الصعب أن نرى كيف أن بلداً بحجم نيوجيرسي كان سيحصل على مكانة مركز تكنولوجيا المراقبة الرائد في العالم. حتى عندما حث شابيرو زيلينسكي على الحفاظ على «شراكات دفاعية نشطة»، فقد قلل في الوقت نفسه من الدور الذي لعبته المساعدات الخارجية في الحفاظ على ضرورات إسرائيل الاستيطانية، بحجة أن «المبدأ الوحيد» الذي يحدد العقيدة الأمنية لتل أبيب هو أنّ «إسرائيل ستدافع عن نفسها، بنفسها - ولن تعتمد على أي دولة أخرى لخوض معاركها».
يجب أن يكون شابيرو قد نسي هذا المبدأ عندما غرد، «الحمد لله، تمتلك إسرائيل قبة حديدية» - في إشارة إلى نظام الدفاع الجوي «الإسرائيلي» الذي موّله دافعو الضرائب الأمريكيون بما يصل إلى مليار دولار في عام 2021 وحده، بالإضافة إلى 3.8 مليار دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لتل أبيب في ذلك العام وحده.
في نصيحته لزيلينسكي، أكد شابيرو أيضاً أن «أوكرانيا ستحتاج إلى ترقية أجهزتها الاستخباراتية» بطريقة مماثلة لإسرائيل، التي «استثمرت بعمق في قدراتها الاستخباراتية لضمان أن لديها الوسائل لاكتشاف أعدائها وردعهم». وعند الحاجة، «عليها التصرف بشكل استباقي لضربهم».
شابيرو والصلات المفضوحة
يعرف شابيرو قدراً لا بأس به من المعلومات عن جهاز المخابرات «الإسرائيلي». في منتصف عام 2017، بعد أن اختار البقاء مع عائلته في «إسرائيل»، بدلاً من العودة إلى الدولة التي وظفته كدبلوماسي، انضم إلى شركة NSO للتكنولوجيا «الإسرائيلية» كمستشار مستقل. هناك، ساعد شابيرو في تقييم العملاء المحتملين لبرامج التجسس الرقمية المعروفة باسم بيغاسوس.
يتمتع شابيرو أيضاً بعلاقات وثيقة مع المخابرات الإسرائيلية من خلال معهد دراسات الأمن القومي (INSS) في تل أبيب. خلال الجزء الأكبر من سنواته الأربع كـ «زميل زائر متميز» في المعهد، كان المدير التنفيذي للمعهد عاموس يادلين، رئيس المخابرات العسكرية السابق في الجيش «الإسرائيلي». ساعد يادلين في ابتكار مبدأ القوة غير المتناسبة الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي ضد غزة حيث أعيد تعريف المدنيين على أنهم «جيران الإرهابيين»، وبالتالي جردوا من الحماية بموجب اتفاقيات جنيف.
في عام 2018، دفع INSS لشابيرو أكثر من 20 ألف دولار للإدلاء بشهادته أمام الكونجرس نيابة عنها، على الرغم من عدم تسجيله كوكيل أجنبي. مثل NSO Groupيحافظ INSS على قشرة استقلال عن الحكومة «الإسرائيلية» على الرغم من أن مؤسسه، أهارون ياريف، كان أيضاً رئيساً للاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية».
في الولايات المتحدة، قضى شابيرو فترة فيWestExec Advisors ، وهي شركة استشارية أسسها في عام 2017 وزير الخارجية الحالي أنتوني بلينكين ووصفتها بوليتيكو بأنها «حكومة بايدن المرتقبة». قبل انتخاب جو بايدن، قام شابيرو بالترويج للحزب الديمقراطي في وسائل الإعلام بعد أن أزال برنامج الحزب الصياغة التي تعارض ضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة.
الحرب - إنها جيدة لمانحي مجلس الأطلسي
ليس من قبيل المصادفة أن نشر شابيرو وصفته لتحويل أوكرانيا إلى دولة أمنية على النمط الإسرائيلي بصفته «زميلاً متميزاً» في المجلس الأطلسي. إذا تحولت أوكرانيا إلى حصن عسكري دائم يتخيله هو وزيلينسكي، فإن الجهات المانحة لصناعة الأسلحة التابعة لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ستستفيد بشكل كبير.
تم إدراج شركات الأسلحة Lockheed Martin و Raytheonو Boeingجميعاً ضمن كبار المستفيدين من المجلس الأطلسي في عام 2021. كما تصادف أن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة Raytheon، جريجوري جيه هايز، كان عضواً في المجلس الاستشاري الدولي لمركز الأبحاث هذا. وكما أفاد ماكس بلومنتال لموقع The Grayzone، فقد عمل المجلس الأطلسي أيضاً كغسالة فعلية للأموال، ابتداءً من المصالح الأوكرانية مثل Burisma ووصولاً إلى أعضاء الدائرة الداخلية لبايدن.
لقد جنت شركات الأسلحة الثلاث المذكورة أعلاه، والتي تشكل قلب المجمع الصناعي العسكري في واشنطن، أرباحاً ضخمة من الحرب في أوكرانيا. بوينغ، التي واجهت أزمة علاقات عامة بعد حدوث أعطال في نظام تشغيل طائرة 737 ماكس نتج عنها حادثان بارزان، يمكن أن تكون في طريقها لاستعادة مكانتها كأكبر شركة مصنعة للطائرات في العالم نتيجة للصراع.
على الرغم من أن شركة بوينج تكبدت خسارتين فصليّتين متتاليتين في عام 2022، إلا أنها ادعت بحلول تموز أنها «تبني الزخم» للانتعاش. في تموز، حصلت شركة الطيران العملاقة على عقد لتزويد الحكومة الألمانية بطائرات هليكوبتر ثقيلة بعد أن أنشأت برلين صندوقاً بقيمة 107 مليار دولار للاستثمار العسكري كاستجابة مباشرة لحرب أوكرانيا.
في هذه الأثناء، تقوم كل من Raytheon و Lockheed Martinبتصنيع نظام الصواريخ Javelin المضاد للدبابات الذي أطلق عليه اسم «رمز المقاومة الأوكرانية» في ساحة المعركة، «لقد كانت [صواريخ جافلين] مهمة للغاية، حتى أن هناك قصصاً عن آباء أوكرانيين يسمون أطفالهم - وليس ذلك مزحة - أطفالهم حديثي الولادة، جافلين أو جافلينا»، كذلك قال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارة له إلى مصنع لوكهيد مارتن في تروي بولاية ألاباما، مما يؤكد دور الشركة الحيوي في حرب أوكرانيا.
أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 8500 من أنظمة جافلين المضادة للدبابات إلى أوكرانيا منذ شباط بتكلفة تقدر بنحو 178 ألف دولار، وفقاً لميزانية البنتاغون لعام 2021. تسعى شركة Lockheed Martin، التي تحرص على استمرار تدفق الأرباح، إلى مضاعفة الإنتاج، بهدف تصنيع 4000 نظام Javelin سنوياً. ارتفعت مخزونات شركة لوكهيد 2022 بأكثر من 20 في المائة عن العام السابق، ووصلت إلى ذروتها بعد أسبوعين فقط من بدء العملية العسكرية الروسية.
مستوحياً من «خارطة الطريق» التي يرعاها حلف الناتو ومن شابيرو لتحقيق النجاح، سيتطلب حلم زيلينسكي المتمثل في وجود أسبرطة مفرطة العسكرة وعالية التقنية ومدعومة بسكان مدنيين مدججين بالسلاح، استثماراً هائلاً في الأسلحة وتكنولوجيا المراقبة من جانب الحكومة في كييف. إذا كانت هذه الحرب مؤشراً، فمن المحتمل أن تنظر أوكرانيا إلى الجهات المانحة لمجلس الأطلسي مرة أخرى وهي تغامر بتحقيق حلم زيلينسكي في إقامة «إسرائيل كبيرة» على حدود روسيا.