حرب تجارية أوروبية-أمريكية جديدة تلوح بالأفق
لا يبدو أنَّ الغربيين قادرون على إبقاء جبهتهم موحَّدة في أيٍّ من المجالات العسكرية أو السياسية أو الاقتصادية والمالية والتجارية، وبمرور الوقت يكبر الشرخ بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وتتعمق الخلافات بين «الحلفاء» وتتسارع لتلك الدرجة التي بات معها السماعُ باحتمالية نشوب «حرب تجارية» بين ضفَّتَي الأطلسي أمراً مكرَّراً ومملاً.
فقد عاد الحديث مرةً أخرى عن احتمالات نشوب حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية على خلفية إقرار مشروع قانون «خفض التضخم» الأمريكي الجديد، الذي يتضمّن دعماً بقيمة 700 مليار دولار – كان قد سبقها 369 مليار دولار مرَّرها الكونغرس في الصيف الماضي أيضاً ضمن خطة المناخ – كإعفاءات ضريبية للمستهلكين الأمريكيين ممّن يشترون سيارات كهربائية وبطاريات أو ينفّذون مشاريع طاقة نظيفة مصنّعة محلياً أو من الشركات الأمريكية الموجودة في البلدان التي تمتلك الولايات المتحدة اتفاقيةَ تجارة حرّة معها، بما فيها الاتحاد الأوروبي، ممّا يعني منح أفضلية للمنتجات الأمريكية على حساب الأوروبية من جهة، وسحب المستثمرين من أوروبا إلى أمريكا من جهة أخرى.
أستدعى مشروع القانون هذا ردود فعل أوروبية حادة، أبرزها فرنسية وألمانية، حيث حذَّرَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وضوحاً من أنْ تصبحَ أوروبا ضحيّةً للتنافس التجاري بين واشنطن وبكّين على حدّ تعبيره، واصفاً الإجراءات الأمريكية الأخيرة بالـ «العدوانية» و«الكارثية» على أوروبا، وخلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة قال «لقد أبلغتهم بصراحة وصداقة كبيرتَين بأنّ ما حدث في الأشهر الأخيرة يمثّل تحدّياً لنا: الخيارات المتّخذة ولا سيّما (قانون خفض التضخّم) هي خيارات ستؤدّي إلى تفتيت الغرب».
ودعا وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لوميز إلى إيجاد «ردّ منسّق وموحّد وقويّ من جانب الاتحاد الأوروبي على حلفائنا الأمريكيين. وحدها الصرامة ستتيح لنا تحقيق نتائج»، مشيراً إلى أنّ «السباق إلى الإعانات مخالفٌ لكافّة قواعد التجارة الدولية» وأعلن انتظار مقترحات مناسبة من جانب المفوّضية الأوروبية.
سجّلت ألمانيا اعتراضها كذلك الأمر وإنْ بدرجة أقلّ حدة، حيث انتقد وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر السياسة الاقتصادية الأمريكية ومشروع قانون خفض التضخّم الجديد، محذّراً صراحةً من احتمالية اندلاع حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
لم تكن تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في الرابع من الشهر الجاري بالمستوى نفسه المطلوب فرنسياً وألمانياً، حيث قالت إنّ «لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مصلحة مشتركة واسعة للحفاظ على ريادتنا الصناعية» وفيما يتعلق بمشروع القانون قالتْ «يمكن أنْ يؤدّي قانون خفض التضخّم (الأمريكي) إلى منافسة غير عادلة ، ويمكن أنْ يُغلِقَ الأسواق، ويمزِّقَ سلاسل التوريد الحرجة نفسها التي تمّت تجربتها بالفعل بسبب كوفيد»، وفيما يتعلق بالمقترحات فقد اعتبرت دير لاين أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي الاستجابة من خلال تحسين إطار المساعدات الحكومية لتسهيل الاستثمار العام، أيْ دفع مبالغ مالية ضخمة كإعانات ودعم تدرك رئيسة المفوضية وخلفها الولايات المتحدة أنّ أوروبا غير قادرة على اتخاذ مثل هذه الخطوة الآن في ظل أزماتها.
إذا ما أُقِـرّ مشروع القانون وذهب للتنفيذ العملي فمن المتوقَّع أنْ تقابِلَه إجراءاتٌ أوروبيةٌ تُعلِنُ بدءَ الحرب التجارية عملياً، لكن إذا ما فشلتْ مؤسَّسة الاتحاد الأوروبي في تأمين المصلحة الأوروبية وبقيتْ تتحدَّث باللغة السابقة نفسها، فإنّ دولاً كفرنسا وألمانيا ستضطرّ إلى اتخاذ إجراءاتها الخاصة والأحادية، الأمر الذي يعني بدوره المضيّ خطوةً أخرى نحو نهاية مؤسَّسة الاتحاد الأوروبي بالشكل الحالي على الأقل.