السودان نحو الحلّ ... أم نحو استعصاءٍ جديد؟
رهام الساجر رهام الساجر

السودان نحو الحلّ ... أم نحو استعصاءٍ جديد؟

وقّع عدد من القوى المدنيّة والمكوّن العسكريّ في السودان اتفاقًا سياسيًا إطاريًا يؤسّس لمرحلة انتقاليّة مُدّتها 24 شهرًا تبدأ من تاريخ تعيين رئيس للوزراء وتنتهي بإجراء انتخاباتٍ شاملة.

مرحلة انتقاليّة

اتفاق القوى السودانيّة، مرَّ بمراحل عدّة قبل بلوغ نقطة الالتقاء، إذْ إنّ وثيقة تقاسم السُّلطة بين العسكريّين والمدنيّين عُقب إطاحة الجيش بنظام عمر البشير، في نيسان عام 2019، لم تنجح في العبور بالمرحلة الانتقاليّة خلال فترة السنوات الثلاث التي سبق تحديدها، حيث إنّ أحداثًا كثيرة شكَّلت مسار العمليّة السياسيّة في السودان، لكن نقطة التحوّل الأبرز كانت في 25 تشرين الأول 2021، حين حلّ رئيس مجلس السيادة الانتقاليّ عبد الفتاح البرهان المجلس والحكومة، مع إعلان حالة الطوارئ، بدعوى أنّ الحكم العسكري «ضروري للحفاظ على الاستقرار»، ما اعتبره ملايين السودانيّين الذين خرجوا في مظاهرات «انقلاباً عسكرياً» على خارطة المرحلة الانتقاليّة.
انطلقت على إثرها رحلة المفاوضات منذ انهيار العملية السياسيّة بين المكوِّنَين المدنيّ والعسكريّ -عُقب قرارات البرهان- وصولاً إلى توقيع الاتفاق الإطاريّ مع تحالف «الحرية والتغيير»، الذي انقلب عليه الجيش هو ذاته قبل نحو عام وأزاحه عن سُدَّة الحكم بذريعة الحاجة لتوسيع مظلّة المشاركة في السُّلطة، وانضمَّت إليهم قوى تمثّل المؤتمر الشعبيّ والحزب الاتحاديّ الديمقراطيّ الأصل، والذي انقسمت من داخلهما مجموعات تعارض الاتفاق، لتخرج بُعيد توقيعه مظاهرات شعبيّة في العاصمة السودانية احتجاجًا على الاتفاق الذي يفتقر إلى الشرعية وفقًا لهم، كونه لم يشمل جميع القوى السياسيّة ويمهّد الطريق لشراكةٍ جديدةٍ مع الجيش بدلًا من نقل السُلطة من الجيش إلى حكومة مدنية.

اصطفاف غير مسبوق

يُعدّ الاتفاق الأخير هو الثاني -بعد الاتفاق الذي تمّ برعاية الاتحاد الأفريقيّ في آب2019 والذي تمّ إجهاضه بانقلاب 25 تشرين الثاني 2021- إلا أنّه هذه المرة برعاية المجموعة الرُباعيّة المكوّنة من (الولايات المتحدة – بريطانيا – السعودية – الإمارات) وبوساطة من الآلية الثلاثيّة (البعثة السياسيّة للأمم المتحدة – الاتحاد الأفريقي – منظمة الإيجاد)، ما يعني ثمّة اختلافاً واضحاً بين الاتفاقين، فالمجموعة الرباعيّة ليست كالاتحاد الأفريقي، وإنما هي دول ذات وزن دوليّ وإقليميّ، لذا ستنطوي رعايتها للاتفاق على مصالحٍ وسياسات ضغط.
وتجلّى من خلاله إعادة فرز لمواقف القوى على الساحة السياسيّة، والتي عكست اصطفافًا غير مسبوقٍ في المواقف؛ فالمكوّن العسكريّ كان قد أعلن في تموز الماضي أنّ الجيش لن يكون طرفًا في أيّ حوارٍ يتعلّق بمستقبل البلاد السياسيّ والدستوريّ، وأنّه سيترك الأمر للقوى المدنيّة لتتوافق حوله، وإذ به ينخرط في المفاوضات مع الطرف المدنيّ الذي انقلب عليه وصولًا للاتفاق الحاليّ، فضلًا عن كونه قد وضع قوى سياسيّة متناقضة الرؤى في موقف معارضٍ له، فإنه طرح أيضًا تساؤلاتٍ عدّة عن موقف تحالف «الكتلة الديمقراطية» (الحرية والتغيير – التوافق الوطني، سابقاً) الذي ساند انقلاب البرهان سابقًا وأصبح معارضًا لاتفاقه الآن، بالإضافة للتساؤلات التي طُرِحت عن تعيين رئيس الكتلة ونائبه من حيث اختيار الشخصيات والتوقيت – جعفر الميرغني رئيسًا للكتلة، وهو ابن محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الأصل، ونائبه الناظر ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا – هذا التعيين الذي وضع الناظر ترك في صفٍ واحدٍ مع من كان يعارضهم طوال السنوات الثلاث الماضية بسبب قضية مسار شرق السودان.

قيادة مدنية

قُبيل توقيع الاتفاق، أصدر «أصدقاء السودان» - وهو تحالف من الدول التي تضمّ الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - بيانًا أكدّ دعمهم لحكومة يقودها المدنيّون، والتي قالوا إنها «ضروريّة لوقف التدهور الاقتصاديّ في البلاد وتُفاقِم الأزمة الإنسانيّة»، إلا أنّ ما يُقلق في هذا التصريح هو ما ينطوي تحت عبارة «بقيادة مدنيّة»، والتي تعتبر تعبيرًا ملطفًا عن شراكة تمّ إصلاحها مع شخصيات عسكريّة، كونها اللغة نفسها المستخدمة لوصف الحكومة المدنيّة العسكريّة قبل الإطاحة بها في العام الماضي، والتي جاء التعبير عن رفضها في ذكرى الانقلاب من خلال الاحتجاجات الجماهيريّة تحت شعار: «لا مفاوضات، لا حوار، لا شراكة»، في إشارة إلى المطالب الشعبيّة بحكومة مدنيّة بالكامل في السلطة دون تدخل من الجيش أو الجماعات المُسلّحة.
الحقيقة هي أنّ الولايات المتحدة وحُلفاءها ملتزمون بالسُّلطة المدنيّة في السودان إنْ حافظت على موقفٍ خاضع لها، فلسنواتٍ عديدة، تعرّضت البلاد لضغوطٍ سياسيّة واقتصاديّة من قِبل واشنطن للحفاظ على سياساتٍ مواليةٍ للغرب دفع على إثرها الشعب أثمانًا باهظة، هذه السياسات التي استمرّت بعد سقوط البشير وساهم بترسيخها كلا الطرفين المدنيّ والعسكريّ خلال السنوات السابقة دون أنْ يأخذَ أحدٌ منهم في الحُسبان مصالح السودان والشعب السوداني.