ماذا يعني وصول الدين الأمريكي لـ31 ترليون دولار؟
للمرة الأولى في التاريخ، تجاوز الدَّين العام الأمريكي 31 تريليون دولار، وذلك حسبما أظهرت البيانات الصادرة مؤخراً من وزارة الخزانة الأمريكية. حيث تمت إضافة تريليون دولار من الديون خلال الأشهر الثمانية الماضية فقط، ما يعني أن الرقم بات قريباً جداً من الوصول إلى سقف الدين البالغ 31.4 تريليون دولار الذي حدَّده الكونغرس الأمريكي لاقتراض إدارة بايدن حتى أوائل عام 2023.
منذ تولي الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، منصبه في كانون الثاني 2009، واصل إجمالي ديون الولايات المتحدة في الارتفاع، حيث أن معدّل الديون الحالي (البالغ 31 تريليون دولار) هو رقم مضاعف ثلاث مرات تقريباً عن رقم 10.6 تريليون دولار الذي كان مسجلاً في أوائل عام 2009.
وعندما جاء الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض في أوائل عام 2017، ورث ديوناً بقيمة 19.9 تريليون دولار. أما عندما تولى الرئيس الحالي، جو بايدن، منصبه في كانون الثاني 2021، بلغ الدين الفيدرالي 27.8 تريليون دولار. ومن المتوقع أن يصل الدين القومي الأمريكي إلى ما لا يقل عن 50 تريليون دولار بحلول عام 2030، وفقاً لتقديرات العديد من المؤسسات ومراكز البحث الأمريكية.
140% من الناتج المحلي الإجمالي
بشكلٍ مشابه للحالة اليابانية، أصبحت الولايات المتحدة اقتصاداً مثقلاً بالديون، حيث يمثّل دينها الوطني الآن ما يقارب 140% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي (2021). (بالمناسبة، هذه النسبة قريبة من النسبة المسجلة في دولة مثل إيطاليا).
وما يزيد الطين بلة، أنه مع استمرار التضخم عند أكثر من 8%، تعهّد بنك الاحتياطي الفيدرالي بمواصلة رفع أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة «من أجل كبح الارتفاعات العنيدة في الأسعار».
وارتفاع أسعار الفائدة يعني أن الحكومة الأميركية سوف تضطر إلى دفع المزيد مقابل قروضها الضخمة، الأمر الذي يدفع الكثير من المحللين الاقتصاديين الغربيين إلى الشك في قدرة واشنطن على خدمة ديونها. حيث إن الأزمة طويلة الأمد التي تواجه الولايات المتحدة آخذة في التصاعد: منذ الأزمة المالية العالمية 2008، اعتمدت حكومة الولايات المتحدة على سياسة التيسير الكمي النقدية، من خلال الاقتراض الكثيف من الداخل والخارج، وذلك للحفاظ على نمو اقتصادي سريع نسبياً، بالإضافة إلى الحفاظ على الإنفاق الواسع على مشاريع الصناعة العسكرية والطب وبعض مشاريع الرعاية الاجتماعية. لكن الاختلال بين الإنفاق والإيرادات (وهو الأمر الذي كان موجوداً قبل وباء كورونا) آخذ في الارتفاع، ما يتسبب في تراكم مستويات الديون الفيدرالية الأمريكية بسرعة.
الأزمة تنذر بمزيد من الانقسام
تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة هذا العام سيكون قريباً من رقم العام الماضي (حوالي 25 ترليون دولار، وهو رقم مضخّم لا يعكس الواقع والوزن الحقيقي للاقتصاد الأمريكي)، وعلى الأغلب سينكمش هذا الناتج في عامي 2023 و2024، بالتوازي مع ارتفاع أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي، في حين أن حرب الرسوم الجمركية التي شنها ترامب بالإضافة إلى صراع بايدن على أشباه الموصلات مع الصين ستزيدان من قتامة الآفاق الاقتصادية للولايات المتحدة.
على هذه الأرضية، يتوقع العديد من المحللين اشتداد الانقسام داخل النخب الحاكمة الأمريكية، ليصبح أكثر شراسة، لأن الحكومة الفيدرالية سوف تكون مقيدة غالباً من جانب الكونغرس والحزب الجمهوري لاقتراض المزيد لتمويل الدفاع، والبنية التحتية، والتعليم، والرعاية الطبية، ومعاشات المسنين وغيرها.
ومع تضخم الدين الوطني والاقتصاد المتعثر، يجد صناع السياسة في الولايات المتحدة أن دور الدولار يتآكل، حيث من الطبيعي أن يثير العجز المتزايد في ميزانية البلاد المخاوف بشأن قدرة واشنطن على سداد الديون، بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من البنوك المركزية بدأت فعلاً على مدار السنوات الماضية في تخفيض حيازاتها من الأصول المقوّمة بالدولار الأمريكي.
هل إدارة بايدن قادرة على منع الدين الوطني الأمريكي من التفاقم؟ الجواب قطعياً لا. في عامي 2021 و2022، توسّعت الديون الأمريكية بأكثر من 3.2 تريليون دولار تحت إشراف بايدن. ومن المتوقع أن يرتفع رقم الدين إلى 35 تريليون دولار عندما ينهي بايدن ولايته الحالية في كانون الثاني 2025.