بين لولا وبولسونارو... البرازيل على مفترق طرق
فيديل قره باغي فيديل قره باغي

بين لولا وبولسونارو... البرازيل على مفترق طرق

انتهت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في البرازيل في 4 تشرين الأول الجاري، وما زالت البلاد على مفترق طرق، فرغم أنّ الرئيس السابق لولا دا سيلفا من حزب العمال أنهى الجولة بحصده أصواتاً أكثر من منافسه اليميني الليبرالي الرئيس الحالي جاير بولسونارو، وبفارق أكثر من 6 ملايين صوت، لكن دا سيلفا سيحتاج لأكثر من نصف الأصوات للفوز في الجولة الثانية (الإعادة) في 30 من الشهر الجاري.

حالياً، خلال الفترة الفاصلة تشتد حملات الخصمين، في معركة مهمة ليس للوضع داخل البرازيل فقط، بل وعلى المستوى الدولي، نظراً لأهمية هذا البلد الكبير الذي هو أحد بلدان «بريكس» الصاعدة والطامحة للتوسّع والتطوّر، فضلاً عن أهمية البرازيل في القارة الأمريكية اللاتينية التي لا تكفّ واشنطن عن التآمر عليها ومحاولات تطويعها، في حين تصب التوجهات التقدمية واليسارية فيها موضوعياً بأن تجعلها شوكة في حلق «اليانكي».

 

إذا لم نتوقف فقط عند الأرقام النسبية (48.43% من الأصوات الصحيحة لصالح لولا، مقابل بولسونارو 43.20% وباقي المرشحين مجتمعين أقل من 9%)، يلاحظ أنّ لولا حصد أكثر من 57 مليوناً وربع المليون ناخب (57,259,504)، في حين صوّت لبولسونارو أكثر قليلاً من 51 مليون ناخب (51,072,345).

بمجرد انتهاء الجولة الأولى، كثفت قوى يسارية برازيلية جهودها لدعم لولا دا سيلفا للجولة المقبلة، فإضافة إلى حزب العمال الذي يقوده لولا، دعت اللجنة السياسية الوطنية للحزب الشيوعي البرازيلي، بعد اجتماع لها في 4 أكتوبر: «الحزب الشيوعي بأكمله إلى توحيد الجهود في المعركة الانتخابية للجولة الثانية»، ونوّه البيان الصادر عنه إلى أن المعركة «على المحك بين مشروعين متعارضين، أحدهما استبدادي، رجعي، إقصائي بقيادة بولسونارو. والآخر مشروع ديمقراطي ملتزم بالتنمية والعدالة الاجتماعية بقيادة لولا وألكمين [نائب الرئيس المرشح]».

وتظهر بعض تفاصيل الدعاية الانتخابية لبولسونارو مؤشرات سلبية وإيجابية؛ فتأييد عشرات الملايين لبولسونارو يبقى بلا شكّ تحدّياً لا يستهان به أمام داعمي دا سيلفا، لكن في الوقت نفسه يعتمد تكتيك بولسونارو الانتخابي بشكل كثيف على حملة شعواء من الأكاذيب والافتراءات الغريبة على خصمه، التي من الواضح أنها تستغل أمزجة يمينية ومتطرفة ولا تخلو من الجهل والنزعات المحافظة الرجعية عند كثير من البرازيليين، أضف إلى ذلك أنها مسنودة بقوة المال والإعلام. ولكن يعوّل دا سيلفا على شعبيته وتجربته وإنجازاته، وعلى تراكم غضب البرازيليين من تدهور الاقتصاد والصحة والحريات وحقوق الفقراء والعمال والمنتجين التي تلقت ضربات كبيرة في عهد بولسونارو.

من التحديات المطروحة مفارقة أنّ دا سيلفا رغم تقدمه على بولسونارو، لم يحصل اليسار البرازيلي على تصويت مهم في حكومات الولايات ولم يفز حتى بثلث مقاعد مجلسي الكونغرس (مجلس الشيوخ الفدرالي، ومجلس النواب).

ويلاحظ ذلك محللون وباحثون من اليسار البرازيلي نفسه، مثل أستاذ الاقتصاد السياسي الماركسي البرازيلي المعروف إلياس جبّور، الذي كتب بعد الجولة الأولى بأنّ «اليمين المتطرف عزز نفسه كقوة سياسية حقيقية ذات قاعدة جماهيرية. انتخبت أغلبية النواب الاتحاديين، ولديها مرشحين لمنصب حاكم في الولايات شديدة التنافسية في الجولة الثانية» ويعقّب بأنّ «تفسير ذلك ليس بسيطاً».

مع ذلك يتلمّس جبّور بعض الأسباب مثل إنشاء بولسونارو لما يسمى «الميزانية السرية»، وهي بنية فاسدة للمحسوبية للحفاظ على الدعم السياسي لجزء كبير من أعضاء الكونغرس البرازيليين. كما وتكمن قوة بولسونارو في قطاعات رأس المال الكبيرة، جنبًا إلى جنب مع استخدام موارد عامة وافرة لضمان الأغلبية في الكونغرس خلال فترة إدارته.

كذلك تتفق تحليلات اليسار البرازيلي عموماً على نجاح بولسونارو في استغلال الدين والكنيسة، حيث يشن حملة منهجية لمهاجمة وشيطنة «الشيوعية»، كطريقة لتعبئة قاعدة اجتماعية واسعة متأثرة بشدة بالكنائس البروتستانتية. وبحسب جبّور فإنّ ظاهرة نمو الكنائس البروتستانتية في البرازيل «أمر يجب دراسته». فهو ليس داخلياً بحتاً بل يجري بدعم خارجي كبير، ولعبت فيه الولايات المتحدة دورًا كبيراً.

مع ذلك يحسب لحملة لولا دا سيلفا انتباهها الواعي لتلاعب بولسونارو بهذا الوتر الديني الحسّاس، فحملة دا سيلفا تكذّب عدداً من شائعات بولسونارو على وسائل التواصل الاجتماعي، منها فبركات لتغريدات تزعم على لسان لولا أنه إذا فاز سيغلق الكنائس ويقمع المتديّنين أو ما إلى ذلك، في حين أوضحت حملة دا سيلفا أنه بالعكس يتعهد باحترام الحريات الدينية ويسعى ليكون رئيساً لكل البرازيليين.

وانزلقت بعض أوجه حملة التشويه التي يشنها بولسونارو لدرجة أن تضطرّ إلى اختلاق وترويج كذبة من قبيل أنّ أحد «مشاريع» دا سيلفا هي أنْ يجعل دورات المياه العامة «أحادية الجنس» أو «مختلطة للذكور والإناث»! فاضطرت حملة لولا دا سيلفا أن تنوّه إلى أنّ هذه كذبة سخيفة وأنّ لولا سيحافظ على فصل دورات المياه بين الجنسين. لكن الفكرة بحد ذاتها تظهر نوعاً من الإفلاس الأخلاقي أيضاً لمعسكر بولسونارو من جهة، وإلى الصراع غير القليل على «الجبهة الأيديولوجية». 

بعض الجوانب الاقتصادية

بولسونارو من وجوه اليمين المتطرف الذي يجمع بين نظرة شديدة المحافظة حول مسائل العادات الثقافية، ويدعو إلى «القومية» ضد «الشيوعية»، وبالوقت نفسه يمثل أجندة اقتصادية نيوليبرالية متطرفة. وأثناء حكمه واصل بولسونارو بقوة عملية إزالة التصنيع وتدمير أهم القطاعات الاقتصادية والصناعية في البلاد، إلى جانب التفكيك البطيء لأكبر شركة برازيلية وهي Petrobras للنفط. وأضعف السيادة والاستقلال البرازيلي الاقتصادي، مما أطلق العنان لكارثة غير مسبوقة في تاريخ البرازيل. حاليًا، يعيش حوالي 100 مليون برازيلي في حالة من انعدام الأمن الغذائي بسبب هذه الليبرالية الجديدة المتطرفة.

في مجال الصحة خفض بولسونارو ميزانية الوقاية من المرض وعلاجه من 175 مليون ريال برازيلي إلى 97 مليون ريال، وهو اقتطاع بقيمة 78 مليون ريال برازيلي. وأعلنت حكومة بولسونارو أواخر السنة الماضية 2021 عن خفض بنسبة 46% في تمويل معهد أبحاث الطاقة النووية (Ipen)، وهو جهاز تابع لوزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار (MCTI)، والذي ينتج 85% من الأدوية المشعة والنظائر المشعة، لعلاج السرطان في البلاد.

يهاجم اليسار وأنصار البيئة بولسونارو أيضاً لأنه سمح بإزالة الغابات في منطقة بحجم ولاية ريو دي جانيرو في غضون 4 سنوات ويقولن إن طرحه الآن «حلاً مستدامًا للبيئة» في حملته الانتخابية هو نفاق يدعو للسخرية.

يمثل لولا دا سيلفا رؤية بديلة تجمع بين الوطنية الاقتصادية والوعد باستئناف الوظائف الصناعية ودور نشط للبنوك العامة الكبيرة. ويحاول تمثيل مشروع وطني قائم على إعادة تصنيع البلاد. يسجل لصالحه أنه عندما كان في الحكم انخفض معدل وفيات الأطفال بمقدار النصف. 

من مشاريع حملة لولا الانتخابية

تركّز حملة لولا الانتخابية على حوالي 13 مشروعاً في برنامجه الانتخابي للأوضاع الداخلية للبرازيل تشمل: حد أدنى قوي للأجور مع تعديل الأجور فوق معدلات التضخم لزيادة القوة الشرائية للأسر – منح مبالغ معينة للأسر ولكل طفل حتى 6 سنوات من العمر - برازيل بلا جوع والالتزام بإنتاج الغذاء وضمانه لـ 33 مليون شخص وإخراج البرازيل من خريطة الجوع مرة أخرى – مشروع «بيتي، حياتي» لاستئناف أكبر برنامج إسكان شعبي في تاريخ البرازيل – برنامج للرعاية الطبية للعائلات في جميع أنحاء البرازيل -  إنشاء وزارة لشؤون المرأة مع مركز شرطة نسائي ورعاية نفسية ومأوى للنساء في حالات الضعف، وإعادة إدماج النساء في سوق العمل، والرعاية الصحية للمرأة، ومكافحة العنف ضدها – مشروع «الصيدلية الشعبية» لأدوية منخفضة التكلفة لمن هم في أمس الحاجة إليها - البرازيل المستدامة: مكافحة التعدين غير القانوني وحرق وإزالة الغابات، استعادة هيئات التفتيش البيئي وخاصة في الأمازون – وغير ذلك بمجالات الثقافة والتعليم وزيادة عدد الجامعات والاتصال بالإنترنت عالي الجودة لجميع أنحاء البلاد.

آخر تعديل على الخميس, 13 تشرين1/أكتوير 2022 20:58